الإعدام يعني قتل الجاني من قبل السلطة التنفيذية إستنادا الى قرار من السلطة القضائية من أجل العقاب أو الردع العام، ومنع تكرار الجريمة وتحقيق الأمن الإجتماعي. وتعرف هذه الجرائم بجناية الإعدام. وتختلف أسباب هذه العقوبة من دولة لأخرى، ومن ديانة لأخرى. غالبا ما تتعلق العقوبة من الناحية المدنية بالجرائم التي تخص أمن الدولة كالتخابر مع دولة أجنبية أو التجسس والمخدرات والإغتصاب والقتل المتعمد والإرهاب غيرها من الجرائم التي تنص عليها دساتير الدول. ومن الجدير بالإشارة أن الجمعية العمومية أصدرت قرارا غير ملزما يحظر الإعدام عام 2007، وصوت لصالح القرار(104) وعارضه (54) صوتا، وإمتنع عن التصويت (29).
من الناحية الدينية تختلف الأديان والمذاهب في إباحة أو تحريم عقوبة الإعدام، مثلا في الديانة البوذية تمنع عقوبة الإعدام حسبما جاء في الوصية الأولى من الوصايا الخمس. وهذا الأمر يزيدنا حيرة في موقف الصين من الإعدام وديانتها البوذية، بإعتبارها تحتل المرتبة الأولى عالميا في هذه العقوبة. على العكس من ذلك فإن اليهودية تبيح عقوبة الإعدام، ولكنه العقوبة ألغيت من قبل المجلس اليهودي الأعلى (السنهدريم). أما المسيحية فتختلف العقوبة وفقا للكنيسة، فالكاثوليكية تحلها ولكن تتجنبها. والميثودية المتحدة تدينها، والبروتستانية ترفضها، وكذلك الأمر بالنسبة للكنيسة الارثوذكسية الشرقية. أما موقف الإسلام فقد أباحها، وإعتبرها ضمن جرائم الحدود والقصاص، فالقصاص من القاتل يكون بقتله إلا في حالة تنازل ولي الدم عن حقه، حيت تتحول العقوبة عندئذ الى تعزيرية وإختلف الفقهاء حول التعزير.
طرق الأعدام تختلف من دولة لأخرى ويمكن حصرها بالشنق، المقصلة، الرصاص سيما للعسكريين، الكهرباء، السيف، غرف الغاز. الحقن، الحرق. وتتصدر الصين المرتبة الأولى في العالم من ناحية عدد المعدومين، وتبلغ النسب المعلنة وهي غالبا لا تمثل الحقيقة حوالي0.7% لكل مليون نسمة. وغالبا ما تتعلق العقوبة بأسباب سياسية علاوة جرائم القتل المتعمد والإغتصاب والتهريب والتزوير والمخدرات.
إحتلت إيران المرتبة الثانية عالميا في عدد الإعدامات، لكنها تعد الأولى في العالم وفق نسبة الإعدامات الى السكان وهي 5% لكل مليون نسمة، وتنحصر جرائم الإعدام في تهريب المخدرات والمساس بأمن الدولة، وغالبا ما يتهم المعارضون للنظام بتهمة المخدرات، مع ان تجارة المخدرات تمارس من قبل أقطاب النظام نفسه، وتعتبر ايران منطقة عبور للمخدرات من أفغانستان الى العراق ومن ثم إلى دول الخليج العربي. والحقيقة ان نسبة الإعدامات هي أضعاف ما يعلنه النظام الدموي، وغالبا ما تتم تصفية المعارضين خارج القضاء من قبل الحرس الثوري الإيراني. من المثير للحيرة والقلق إن تشعر المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية (مرضية أفخم)” بالقلق من أحكام الإعدام الصادرة مؤخرا في مصر”!
إحتل العراق المحتل المرتبة الثالثة عالميا في عدد الإعدامات، ولكن في المرتبة الثانية بعد إيران وفقا لنسبة المعدومين الى عدد السكان وهي 1.1% لكل مليون نسمة. والحقيقة ان هذه النسبة تعد مهزلة للعدد الحقيقي للمعدومين ومعظمهم من أهل السنة وفقا للمادة/4 إرهاب ويسميها العراقيون تندرا(4/ اهل السنة). لذا فأن وزارة العدل مخصصة لشيعة النظام، والقضاة جميعهم من شيعة النظام، ومدراء السجون جميعهم من الشيعة، وادارة السجون من عناصر الميليشيات الشيعية الحاكمة فقط. وغالبا ما تتم الإعدامات خارج القضاء عن طريق ميليشيا بدر وحزب الله وجيش المهدي وعصائب أهل الحق، ومنذ نيسان العام الماضي أخد تنظيم الدولة الإسلامية يمارس عقوبة الإعدام أيضا دون معرفة عدد المعدومين. لذلك إذا أضفنا الإعدامات التي تمارسها الميليشيات المسعورة الى إعدامات وزارة العدل سيحتل العراق المرتبة الأولى في العالم بلا منافس. من جهة أخرى تمارس إدارات السجون طرق تعذيب قاتلة ضد المعتقلين غالبا ما تؤدي الى وفاة الكثير منهم، وتعد الجهات الصحية (وزارة الصحة حسب المحاصصة الطائفية لشيعة النظام) تقاريرا طبية كاذبة بأن الوفاة نجمت عن مرض ما، وشهدنا الكثير من هذا الحالات حيث اعترف أهل الضحايا بوجود آثار تعذيب على أجساد ضحاياهم، نافين صحة التقارير الطبية. بالإضافة الى ذلك توجد سجون سرية خاصة للميليشيات لا يعرف عدد المعتقلين الذين يعدمون او يعذبون فيها حتى الموت، وغالبا ما يتم دفن الضحايا في أماكن نائية او تُرمى جثثهم في الأنهار ومكبات النفايات، وهؤلاء يطلق عليهم وصف (المفقودين) من قبل حكومة المنطقة الخضراء، وهم قتلى وليسوا مفقودين. كما تمارس إدارات السجون عقوبات أخرى تؤدي الى موت المعتقلين مثل الحرمان من الأدوية وعلاج المرضى، والحرمان من الطعام والشراب، تسميم الطعام والشراب وغيرها من الوسائل اللاإنسانية. والحقيقة هذه الطرق تدخل جميعها في إطار عقوبة الإعدام، لكنها تُغطى بتسميات أخرى.
في الوقت الذي حدد الدستور أحكام الإعدام كالأعمال الإرهابية والخطف والإغتصاب والمخدرات والقتل والدعارة، إلا أن الإعدامات لم تشمل سوى المتهمين بالإرهاب فقط، وبقية الجرائم معفاة من العقوبة. وفي الوقت الذي أناط الدستور المصادقة على الإعدام برئيس الجمهورية حصرا، فإن الأحزاب الحاكمة تحاول إنتهاك الدستور وسحب الصلاحية من رئيس الجمهورية وإناطتها بوزير العدل وهو من عناصر الميليشيات الشيعية الإرهابية.
فقد صوت مجلس الوزراء على مشروع قانون تعديل قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971الذي سيعجِّل بتنفيذ احكام الاعدام بحق من صدرت بهم قرارات محكمة التمييز بشكل نهائي. وأفاد وزير الإعدامات” ان مشروع القانون سيخوِّل وزارة العدل تنفيذ احكام الاعدام في حال عدم مصادقة رئاسة الجمهورية على الاحكام الصادرة بحق المدانيين بعقوبة الاعدام دون الحاجة لمصادقة رئاسة الجمهورية، وأن هذا الاجراء سيتم في حال عدم صدور المرسوم الجمهورية خلال مدة 30 يوما بعد ارسال الاحكام التمييزية النهائية الى رئاسة الجمهورية وعدم صدور مرسوم جمهوري للتنفيذ”. بطبيعة الحال إن هذا المشروع تبناه وزاء شيعة السلطة وجحوش أهل السنة من الوزراء وكلاهما لا يمثل سوى حزبه ونفسه فقط.
لكن هل فعلا الرئيس العراقي متقاعس عن المصادقة على أحكام الإعدام؟ وما السبب الذي يجعله يتقاعس؟
وهل فعلا كما ذكر النواب الشيعة بأن عدد المحكومين بالإعدام (7000) شخص كلهم متهمين بالإرهاب حسبما زعم إئتلاف دولة القانون الذي يتزعمه جودي المالكي؟ وهل القضاء العراقي نزيه في أحكامه لكي يدرأ الشكوك حول أحكامه.
هذا ما سيجيب عنه الناطق الرسمي في رئاسة الجمهورية وهو على فكرة من الأكراد وليس من النواصب والتكفيريين وأزلام النظام السابق والظلامين أو من جماعة معاوية ويزيد حسب توصيفات جودي المالكي رئيس الوزراء السابق.
ذكر الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية خالد شواني إن ” تصريح بعض أعضاء مجلس النواب عن وجود أكثر من7000 إرهابي صدرت بحقهم قرارات الحكم بالإعدام، عار عن الصحة. أن عدد أحكام الإعدام التي صدرت منذ عام 2006 ولغاية الآن لا تتجاوز 600 حكم، وأن 160 حكماً منها تتعلق بقضايا الإرهاب”.
أما عن سبب تأخير الرئيس العراقي المصادقة على قرارات الإعدام، يحدثنا الناطق بقوله “إن رئيس الجمهورية لا يمتنع عن مصادقة على أحكام الإعدام وإصدار مراسيم جمهورية، وانما يدرسها”. أليس المفروض من رئيس الجمهورية أن يدرس كل حالة على حدة لأنها تتعلق بحياة إنسان، وهو مسؤول أمام الله عن قراره؟ ثم لماذا العجلة في تنفيذ الأحكام؟ وما الغرض منها، ولماذا الإستهانة بحياة الإنسان مهما كان جرمه؟ هل يمكن للنواب من الشيعة أن يقدموا إحصائية حول المعدومين من ناحية المذهب والمحافظة لتتبين الحقيقة، وتتكشف أوراق إصرارهم على سحب صلاحية رئيس الجمهورية وتحولها الى وزارة عدل شيعة النظام؟
من جهة أخرى أشار شواني إلى أن” بقية الأحكام تخص قضايا جنائيات اعتيادية ومشمولة بقرار العفو الخاص، الذي أتى من رئاسة الوزراء، ولهذا السبب فإن رئيس الجمهورية لا يتسرع بإصدار المراسيم بإحكام الإعدام الاعتيادية”. إنه مبرر كافِ للتأني في إصدار الإحكام أوجبة العفو القادم.
لكن هناك حقيقة أخرى نقلتها صحيفة (المشرق) عن مسؤول في ديوان رئاسة الجمهورية جاء فيه ” إمتنع رئيس الجمهورية عن المصادقة على أكثر من 600 قرار حكم بالإعدام صدر عن القضاء العراقي، غالبيتها تتعلق بالإرهاب، وأنّ معصوم يشكّك في استكمال التحقيقات في تلك القضايا، ويجد بعضها غير مقنع وقضايا أخرى لا تستحق حكم الإعدام، وأنه أبلغ عدداً من مستشاريه بأن كثيرا منها سياسي والآخر ذو أبعاد طائفية”. كما جاء في صحيفة (الدستور) عن مصدر في ديوان رئاسة الجمهورية قوله” ان الرئيس معصوم طالب رئيس مجلس القضاء الاعلى مدحت المحمود في لقاء جمع الطرفين، مراجعة أحكام الإعدام والتأكد من كفاية الادلة”. إذن إذا عرف السبب بطل العجب.
وقبل أن ننهي الموضوع، سنجيب عن نزاهة القضاء العراقي بالخبر الآتي” قال مقتدى الصدر زعيم مليشيا جيش المهدي في بيان له إنه ” سيفرج عن المعتقلين بمناسبة حلول شهر رمضان. وهدد الصدر المفسدين في حال تكرار استغلال اسم ال الصدر”. لكن بأية صفة يفرج مقتدى الصدر عن المعتقلين؟ هل هو سلطة قضائية أم زعيم تيار وميليشيا؟ ثم ما هي الجرائم التي سيفرج عنها الصدر؟ وهل السجناء الذين سيفرج عنهم هم في معتقلات خاصة باللصدر أم في سجون وزارة العدل؟ وفي الحالتين يعد الأمر إنتهاكا للدستور، وتجاوزا على السلطة القضائية! هذا نموذج بسيط على نزاهة القضاء العراقي، الذي لم يكلف وزير الإعدام العراقي نفسه التعليق على قرار الصدر.
علي الكاش