تطلع الأخضر الإبراهيمي في الحشد الصحافي أمامه فلم يرَ سوى صحافيين من الوفد الرسمي السوري. الأسئلة التي طُرحت عليه، والتي صرف أكثرها باعتبار لا معنى له، كان يمكن أن تكون مفيدة «للإخبارية» السورية، أما مخاطبة الإعلام الدولي في جنيف، فيما العالم أجمع يترقب، فلم يفد النظام كثيرا أن يبدو الإعلام وكأنه جزء من جيش.
أرادت السيدة تحية عبد الناصر معرفة الخبر الحقيقي عن صحة الرئيس المريض فأصغَت إلى الـ«بي بي سي» وليس إلى «صوت العرب». أحد أسباب سقوط الاتحاد السوفياتي كان الإعلام السقيم الذي لا يتغير مثل إعلانات الصابون. تجربة محمد سعيد الصحاف في سقوط بغداد حولت الكارثة إلى مسخرة، مثل الطائرات التي أسقطها أحمد سعيد بين السابعة والتاسعة من 5 يونيو (حزيران). الإعلام الجديد هو الذي لا تشعر به. الإعلام الموجه توفي مع انتحار غوبلز، وما بقي منه حيا انقرض مع نهاية الشيوعية المتجمدة في أساليب ولهجات أوائل القرن الماضي. «حثالات. لقطاء. مومسات. روس أغبياء. أقمياء. عوانس. عجائز». هذه بعض تعابير لينين في وصف خصومه. هذه أساليب ماتت ودفن معها التحقير واللغة المباشرة والتبذل.
دُعي معمر القذافي إلى الأمم المتحدة في محاولة لإعادة «تأهيله» كرجل دولة قابل للتعاطي مع الدول. فجع سفيره عبد السلام التريكي وهو يراه يخاطب الأمم بلغة الزنقات. وأخذ التريكي يتململ في مقعده كلما تطلع القذافي في مندوبي العالم وقال لهم: هاكو، مش مصدقين؟ اسألوا عبد السلام، وكأنه يخاطب جاره في الحوش.
نسي القذافي أن نواظم وقواعد الجمعية العامة غير قواعد اللجان. أو هو لم يكن يعرف. لكن وليد المعلم أمضى زمنا في الدبلوماسية الدولية ويعرف تماما أن تحدّي النظم والقوانين والبروتوكول لا يشكل بطولة. كان نيكيتا خروشوف أحد أهم زعماء العالم عندما استشاط غضبا في الجمعية العامة، فخلع حذاءه وراح يضرب به الطاولة أمامه. بعد فترة قصيرة، انقلب الكرملين عليه وخلعه. لأن إهانة خصمك شيء وإهانة نفسك شيء آخر.
عندما تكون ضيفا في مكان، تلتزم قوانين وقواعد ونظم المضيف. ما هي البطولة في تحدي جرس الوقت في بلد اشتهر بصناعة الساعات وعدم بعثرة الثواني؟ الالتزام بالضوابط هو ما يبعث على الاحترام في العالم. لا شك أن الدكتور المعلم انتبه إلى أن «صديقه» سيرغي التزم الوقت المعطى له بالثانية. بصرف النظر عمّا قال.
منقول عن الشرق الاوسط