مايكل ألبيرتوس وفيكتور مينالدو
ألقى اغتيال شخصية علمانية بارزة في المعارضة التونسية في الآونة الأخيرة بظلاله القاتمة على ما كان يأمل كثيرون أن يكون نموذجا للتحول الديمقراطي في البلدان التي اجتاحها الربيع العربي. وتكمن الحقيقة المحزنة في أن العديد من الثورات تؤدي في نهاية المطاف إلى تجدد الديكتاتوريات، ولكن الشيء الجيد هو أن الفترات الانتقالية المعقدة وطويلة الأمد قد تؤدي إلى ديمقراطية مستقرة في نهاية الأمر.
وقد انتشرت الثورات والاحتجاجات الشعبية، التي بدأت في تونس عام 2010 وباتت تعرف باسم الربيع العربي، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بصورة سريعة للغاية، مما يشكل تحديا للأنظمة الديكتاتورية ويجعل البعض يقارنها بسقوط سور برلين. ويبدو للكثيرين أن انتشار الحرية والديمقراطية بات شيئا لا مفر منه. وبينما تستمر الحرب الأهلية الدامية في سوريا، يحاول الرئيس المصري محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين إعادة إنتاج النظام القديم. وفي تونس، يضرب حزب النهضة الإسلامي الحاكم عرض الحائط بأي آراء أو مقترحات من جانب العلمانيين. وفي العاشر من فبراير (شباط) الماضي، وفي أعقاب احتجاجات عارمة، انسحب حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي ينتمي إليه الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، وهو حزب يساري وسطي، من الحكومة الائتلافية التونسية.
وللأسف، هناك سابقة خطيرة لكل هذه النكسات، وهي أن معظم الثورات قد استبدلت الحكومات الاستبدادية بحكومات استبدادية أخرى، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، شهد العالم نحو 50 ثورة كبرى، إما أطاحت بالأنظمة الاستبدادية أو أدت إلى إصلاح سياسي جذري في الديمقراطيات «المعيبة». ولم يحدث تحول نحو الديمقراطية إلا في ثلث الثورات التي حدثت في ظل حكومات استبدادية.
وثمة تجربتان شائكتان تدقان أجراس الخطر لمنطقة الشرق الأوسط في الوقت الحالي، وهما الدولة الدينية التي تلت الثورة الإيرانية عام 1979 والديكتاتوريات «الجمهورية» في مصر عقب ثورة يوليو 1952. وبالمثل، فإن التواريخ السياسية المتقلبة في أعقاب الثورات في الصين وكوبا والمكسيك وروسيا قد تجعل أكثر المتحمسين للثورات يتوقفون قليلا قبل الإقدام عليها.
ومع ذلك، تمثل الديمقراطيات القليلة التي نجحت في الظهور في أعقاب الثورات مصدر تفاؤل، ولا سيما وأن عدد التحولات الديمقراطية التي عادت للديكتاتورية مرة ثانية لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. وإذا كانت قيرغيزستان قد ارتدت مرة أخرى إلى الاستبدادية بعد ثورة توليب، فهناك عشرات الأمثلة من الديمقراطيات التي تأسست في أعقاب الثورات، بما في ذلك بعض النماذج المدهشة مثل الفلبين.
وعلى الرغم من أن الديمقراطيات التي تظهر في أعقاب الثورات كانت تتميز بالاستقرار، فهذا لا يعني أن المرحة الانتقالية دائما ما تكون سريعة أو سلسة. وكما تظهر الفترة التي شهدتها إنجلترا بعد الثورة المجيدة، فإن التقدم نحو الديمقراطية الكاملة يستغرق وقتا طويلا، حيث مهدت الثورة التي شهدتها البلاد عام 1688 الطريق نحو توسعات تدريجية في الحقوق الدستورية في 1832 و1867 و1884، والتي أدت في النهاية إلى الاقتراع العام عام 1928.
وعلاوة على ذلك، قد تواجه الفترات الانتقالية عددا من العقبات المحتملة، ولن يكون من المستبعد حدوث حالة من التتابع بين الديمقراطية والديكتاتورية، بالشكل الذي شهدته البلدان التي شهدت مراحل انتقالية تتسم بالمنازعات، مثل الأرجنتين وفرنسا وبيرو وتايلاند.
ويتمثل السيناريو الأسوأ في العودة إلى الأنظمة الديكتاتورية بشكل كامل، كما حدث بعد الثورة الفرنسية، أو في السودان بعد فترة قصيرة من الاستقلال.
وهناك سيناريو أقل ضررا يتمثل في طول الفترة الانتقالية بسبب بعض العراقيل بالشكل الذي يعطي فرصة لـ«المفسدين» لعرقلة التقدم، وخير مثال على ذلك الاقتتال الداخلي في ليبيا. وأخيرا، فإن الاعتماد على المؤسسات الديمقراطية كمجرد أسماء دون مضمون حقيقي قد يفشل في خدمة غالبية المواطنين ويزيد من حكم الحزب الواحد، وهي النتيجة التي تواجهها جنوب أفريقيا اليوم.
وتندرج النماذج الأكثر تفاؤلا لبلدان الربيع العربي، مثل تونس ومصر، تحت هذه الفئة الأخيرة، حيث يشهد كلا البلدين صراعا بين النخب التي كانت تتسم بالقوة في السابق والنخب الجديدة الصاعدة للسيطرة على اللعبة السياسية بهدف حماية مصالحها، وهو ما يؤدي إلى تأجيل وضع السياسات التي كان من المفترض أن تخدم الغالبية العظمى من المواطنين.
في مصر، حصل الجيش على حصانة من الملاحقة القضائية وعلى استقلال ميزانيته، بينما عاد مرسي في بعض الأحيان إلى حكم الطوارئ الذي كانت تعيش فيه البلاد في عهد مبارك لمواجهة الاضطرابات الشعبية. وفي تونس، ظلت أجهزة الأمن الموجودة منذ عهد زين العابدين بن علي راسخة في الحكومة، في حين يقوم حزب النهضة الحاكم بالتصدي للاحتجاجات التي لا يريدها في الوقت الذي يغض فيه الطرف عن الجرائم التي يرتكبها الإسلاميون المتشددون ضد الطبقة الوسطى العلمانية في تونس.
وحتى يتم تجنب الارتداد إلى الاستبداد أو تعثر المرحلة الانتقالية النزيهة، يجب على البلدان في مثل الظروف التي تمر بها تونس أو مصر أن تتجه نحو اختيارين أحلاهما مر، فإما تقليل نفوذ المسؤولين الاستبداديين السابقين أو الاعتماد على الجهات الفاعلة الجديدة التي تسعى للقيام بدور في النظام الجديد. وكما هو الحال مع جميع الثورات، فإن البقاء على مسار الديمقراطية يتطلب استمرار الضغط الشعبي ضد أولئك الذين لديهم القدرة على خطف التطلعات الديمقراطية، وهو ما يعني أن الاحتجاجات في هذه البلدان لا تزال بعيدة كل البعد عن الانتهاء قريبا. وعلى المدى الطويل، قد يتحول عدم الاستقرار الحالي إلى شكل من أشكال الديمقراطية.
* مايكل ألبيرتوس: أستاذ مساعد للعلوم السياسية بجامعة شيكاغو. ومينالدو أستاذ مساعد للعلوم السياسية بجامعة واشنطن.
* خدمة «نيويورك تايمز»