مدونة الباحث السينمائي “شريف عادل “
خلف قضبان السجون التركية ذاق اشد انواع العذاب ولكن امل اللحاق بقطار منتصف الليل السريع ظل يداعبه ولم يفقد هذا الامل بالرغم كل معاناته ..
مبني على احداث حقيقية ..لقصة شاب امريكي قضى 4 سنوات خلف قضبان السجون التركية لأتهامه في قضية تهريب مخدرات ابان فترة التوتر السياسي بين الولابات المتحدة الامريكية وتركيا في عهد الرئيس الامريكي ” نيكسون ” ليكون هذا الشاب بمثابة عبرة للولايات المتحدة الامريكية وتحدياً سافراً من تركيا لسياسة امريكا , لعبة سياسية قذرة يدفع ” بيللي هاينس ” ثمنها في النهاية ليتحول داخل السجون التركية من انسان سليم العقل الى اشباه انسان كاد ان يفقد عقله بعد ان ذاق اشد انواع العذاب والذل خلف قضبان سجونهم ..ولكن يظل الامل بداخله موجود وسعيه للهروب لم يكل فهل سينجح في النهاية ان ينال حريته …؟؟!!
ابداع المخرج الانجليزي ” الان باركر ” قطار منتصف الليل السريع “, الذي يتعرض فيه لأحداث تلك القصة الحقيقية لذلك الشاب الامريكي , باسلوبه السينمائي الفريد والغاية في الابداع , لما يتميز به هذا المخرج من الاهامام بأدق التفاصيل الفنية في اخراج افلامه على كافة المستويات بداية من التصوير السينمائي البديع الذي عبر عن المشاهد وانفعالات الممثلين بشكل متقن وغاية في الاحترافية واستغلاله الرائع للأضاءة وتوظيفها ببراعة والمونتاج الغاية في الدقة والاحترافية والذي خلق حالة من الاثارة لدى المشاهد وهو يتابع الفيلم تجعله لايصاب بلحظة ملل واحدة طوال احداثه بالرغم العنف الشديد والدماء التي في الفيلم الا انها كانت موظفة بأحترافية من المخرج في خدمة المشاهد الموجودة فيها وتم تنفيذ تلك المشاهد بأحترافية فنية وابداع فني عالي للغاية وكذلك الموسيقى التصويرية الرائعة التي تعد ايقونة في هذا الفيلم وكيف انها عبرت عن الحالة الدرامية للأحداث وعبرت عن الانفعالات والاحاسيس والمشاعر التي يوصلها ابطال الفيلم بأدائهم الغاية في الروعة كل تلك العناصر اشتركت معاً وتحت قيادة مخرج بارع وهو ” الان باركر ” لتخرج في النهاية صورة سينمائية اكثر من رائعة وبديعة الى حد بعيد .
الكتابة السينمائية جيدة جداً ونجح الاخراج في ان يعبر عن السيناريو بطريقة اكثر من رائعة بل فريدة ايضاً يتميز السيناريو الذي كتبه ” اوليفر ستون ” انه يرصد التفاصيل الدقيقة للأحداث وخصوصاً انها قصة حقيقية وتوغلت داخل الشارع التركي وبالاخص داخل دهاليز السجون التركية وعرضت الطرق الوحشية والقمعية التي يتعاملون بها داخل سجونهم مع الاجانب واساليب التعذيب الوحشية التي تمارس ضدهم قام ” اوليفر ستون ” برصدها وسردها بأسلوب سينمائي مبني على قصة ” بيللي هاينس ” الحقيقية والتي سرد فيها فترة الاربع سنوات السوداء التي قضاها خلف قضبان السجون التركية ابدع ” اوليفر ستون ” في كتابة سيناريو رائع لتلك القصة معبراً عنها بشكل سينمائي متقن ومؤثر ومشوق للغاية ولكن يؤخذ على السيناريو عدم عمق الحوار الى حدٍ ما ولكن في النهاية سيناريو سينمائياً غني وبارع للغاية ومتقن جداً سينمائياً وفنياً .
الاداء التمثيلي ادى الممثل الراحل ” براد ديفيس ” دور الشاب الامريكي ” ويليام هايز ” وعبر عن الشخصية ووصل الادوار بحرفية عالية للغاية بالرغم انه كان في بداية حياته الفني في ذلك الوقت ولكن نجح وهو تحت قيادة المخرج الرائع ” الان باركر ” في ان يعبر عن مجموعة من الانفعالات غاية في القوة والصعوبة وتعايش مع الدور بشكل اكثر من رائع وقدم اداء تمثيلي في قمة النضج وبدرجة اجادة عالية يؤخذ عليه المبالغة في بعض الانفعالات في بعض المشاهد الى حدٍ ما ولكن قلة خبرته تشفع له في ذلك ولكن في المجمل قدم اداء جيد للغاية وعبر عن الشخصية بأحترافية عالية .
” جون هارت ” قدم اداء لشخصية ” ماكس ” رفيق ” بيللي ” في السجن والذي قضي فيه مدة طويلة كادت ان تصل به جد الجنون وفي النهاية وصل الى هذا لحد بالفعل من فرط الذل والتعذيب الذي ذاقه في السجون التركية , كعادته ” جون هارت ” يتعمق في تفاصيل الشخصية بشكل غاية في البراعة , ويعبر عنها بشكل فني وبأداء من فرط تعمقه فيه يجعلك تنسى معه ان ذلك هو ” جون هارت ” ولا تتذكر الا الشخصية التي يؤديها من فرط اندماجه وتعمقه وتوحده مع الدور وحقيقة الشخصية التي يؤديها في هذا الفيلم وهي شخصية ” ماكس ” كتابتها السينمائية جيدة ولكنها غير متعمقة الى حد بعيد فيها وتفاصيلها و تاريخها الدرامي من الاحداث ولم يتم اعداد مقدمة جيدة لها في السيناريو المكتوب بحسب ما ظهر في الفيلم ولكن نجح ” جون هارت” ببراعته التمثيلية النادرة في ان يعبر عن الجوانب الخفية قي هذه الشخصية ويظهر لك تاريخ شخصية ” ماكس ” كما لو كنت عشت معه طوال السنين التي قضاها خلف القضبان وتجرعت مرارة العذاب وذقت طعم الالم الذي نال منه في سجنه , بأسلوب اداء في قمة العمق والقوة والتأثير ربما تظهر انها شخصية بسيطة على مستوى الكتابة ولكنها غنية درامياً جداً ونجح جون هارت في ان يجعلها تؤثر فيك وتظل معك طوال احداث الفيلم وبعد نهايته بعبقرية وعمق ادائه الراقي و الفريد من نوعه .
” كذلك كان اداء ” ايرين ميريكل ” لدور “سوزان ” حبيبة ” بيللي ” والتي بالرغم كل تلك السنوات ظلت وفية له , بالرغم انه ليس بالدور الكبير ولا يتجاوز الثلاثة مشاهد في الفيلم ولكن عبرت عن الدور ووصلت الشخصية باداء غاية في الروعة وخصوصاً في مشهد زيارتها الاخيرة لـ “بيللي” قبل نهاية الفيلم كم كان هذا لمشهد مؤثر للغاية وقد اداه كلاً من ” براد ديفيس ” و ” ايرين ميريكل ” ببراعة وعمق ووصلا فيه مجموعة من الانفعالات غاية في الصعوبة والقوة لحالة درامية عميقة و مؤثرة وقوية للغاية ولكن عبرا عنها بأتقان وتعايشا مع المشهد بابداع فني وعمق كان غاية في التأثير والبراعة والصدق والعمق والاتقان .
الفيلم ترشح ل6 جوائز اوسكار وهي : جائزة افضل فيلم , افضل مونتاج , افضل اداء لدور مساعد ” جون هارت ” , افضل اخراج ” الان باركر ” , افضل كتابة سينمائية لقصة معتمدة على مادة مقتبسة ” اوليفر ستون ” و افضل موسيقى تصويرية ” جيورجيو مورودير ” .
نال منها جائزتي افضل سيناريو مقتبس ” اوليفر ستون ” وافضل موسيقى تصويرية ” جيورجيو مورودير ” .
في النهاية : هذا الفيلم يعد واحداً من اهم الافلام الدرامية المبنية على قصة حقيقية في تاريخ السينما العالمية بالرغم من العنف الشديد الذي يوجد فيه الا انه صورة سينمائية على مستوى الاخراج والسيناريو و الاداء التمثيلي والمستوى التقني والفني بشكل عام اكثر من رائعة وسيجعلك في حالة من الاثارة ويخطفك كمشاهد داخل الاحداث بالمعنى الحرفي من اول دقيقة لأخر دقيقة .