علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
أتاني بعمامة رثة لا يعرف المحاسنا … فصادف عقلا بليدا فارغاً فتمكنا
على الرغم من ان مصطلح غسيل الدماغ كعملية تغيير في إتجاهات النفس البشرية وميولها، وإعادة تشكيل الفكر الفردي أو الجمعي بصورة معاكسة للمعتقدات السابقة، بفعل المؤثرات النفسية والإجتماعية والثقافية وغيرها، فإنه ليس جديدا من الناحية العملية وليس الإصطلاحية في الحياة البشرية. فهو كمصطلح لم يدخل الحياة السياسية والعسكرية بشكل خاص إلا على يد المفكر والصحفي الأمريكي(أدورد هنتر) الذي إنشغل إثر الحرب الكورية بدراسة التغييرات الفكرية التي طرأت على الأسرى الأمريكان، حيث بدأوا يستفرغون كراهية وإحتقار وطنهم الأم بشكل ملفت للنظر، وذلك بفعل توغل الأفكار الشيوعية وتجذرها في عقولهم التي تعرضت لعملية غسل دماغ. إن عملية غسل الدماغ تتم بطريقتين اولهما: طريقة الترهيب المتسمة بطاع العنف والقسوة على الهدف الذي يتعرض للعملية كالتهديد ـ غالبا ما يؤدي التهديد الى نتائج مماثلة لتنفيذه لو تم فعلا ـ والعزلة والتجويع والإرهاقوالإدمان على المخدرات وإستخدام وسائل التعذيب المادية والنفسية، فيتقبل المرء نتيجة ذلك الأفكار الجديدة ويعتنقها بقوة وقناعة. ثانيهما: طريقة الترغيب من خلال الإعلام بوسائله المختلفة والتعليم والإطلاع على محاسن النقيض والتزود بأفكار ومعتقدات جديدة تحقق العدالة والمساواة وتؤمن طريق الأمن والتنمية والرخاء، وغالبا ما يمارس هذا الإسلوب في العمليات التبشيرية الدينية، ومن قبل المؤسسات العلمية والجامعات الامريكية والأوربية لإستقطاب النوابغ والكفاءات العلمية من البلدان الأخرى عبر منحهم إمتيازات مادية ومعنوية لا يحصلون عليها في بلدانهم.
من وجهة نظر شخصية، لا بد أن نفرق بين عملية غسيل الدماغ من جهة، وبين عملية تلويث الدماغ من جهة أخرى، فهناك دائما تداخل وتشابك مستمرين بين المفهومين. مثلا عندما تجري عملية لتغيير تفكير مجرم ما إو إرهابي أو كافر، وتعمل على إصلاحه ليكون فردا مفيدا ومساهما في بناء المجتمع، في هذه الحالة يمكن إعتبارها عملية غسيل دماغ. لكن عندما تجري عملية تغيير أفكار إنسان صالح وتحويله إلى كافر أو إرهابي أو عميل وجاسوس، قلا يمكن إعتبار هذه الحالة غسيل دماغ! وإنما هي تلويث دماغ، لأن الغسيل يعني النظافة والتطهير وهو نقيض القذارة والتلوث.
لاشك أن عملية تلويث الدماغ تعتبر من العمليات النفسية الصعبة التي تمارس من قبل بعض الحكومات ضد اعدائها، واخطرها هو التلوث العقائدي الذي يعطي مردودات إيجابية للدول التي تمارسه ـ غالبا ما تكون إجهزة مخابرات ـ وإنعكاسات خطيرة على الدولة التي تتعرض له سيما في صفوف المواطنين الجهلة والسذج أو المتعصبين. فعملية تغيير العقائد الإيمانية الراسخة في العقل البشري ومحاوبة تشويشها ومسخها، أو تحريفها عن المسار الطبيعي كفيلة بأن تعطي نتائج أشد تدميرا من الأسلحة الفتاكة.
والعراق بعد الغزو الأمريكي الإيراني أفضل دليل على ذلك، فقد مارس النظام الإيراني عملية تلويث العقل الشيعي العراقي منذ بداية ما يسمى الثورة الإسلامية، فقام بتصدير الثورة المأفونة ومعتقداتها المنحرفة عن الإسلام الصحيح الى عدوه التأريخي العراق، وهو أول ضحايا الثورة الإيرانية. وبدأت بذور الإنحراف تنمو سريعا وبشكل مخيف في جنوب العراق ووسطه قبل الحرب العراقية الإيرانية، وأعطت ثمارها بسرعة مريبة في البصرة والعمارة والناصرية وسيما في مناطق الأهوار التي تعاني من الجهل والأمية والتخلف الحضاري على كل الصُعد. ومما يذكر في هذا الجانب، عندما حاول الرئيس العراقي تثقيف أهل الأهوار من خلال توزيع أجهزة التلفاز عليهم مجانا، قال البعض منهم” الله يحفظ الرئيس! الآن نستطيع أن نرى الإمام الخميني قدس سره في التلفزيزن”!
ومن الدلائل الحالية هو إنتشار صور الخميني المقبور في ساحات وشوارع العراق ولاسيما في مناطق الجنوب وكربلاء والنجف، رغم أن مقبرة السلام في النجف تضم مئات الآلاف من شهداء الحرب العراقية الإيرانية، أي من ضحايا المجرم الخميني! المثير للإستغراب إننا نعرف البعض ممن قدم شهيد أو شهدين في تلك الحرب، يرفع اليوم صور الخميني بلا حياء ولا ضمير ولا مراعاة لشعور ذوي الشهداء ممن لهم عقل وإيمان وشرف، وليسوا على شاكلته. فأي تلويث دماغ أشد من هذا؟ صدق سفيان الثوري بقوله” قد ظهر من الناس الآن أمور يشتهي الرجل أن يموت قبلها، وما كنا نظن أننا نعيش لها، ما كنت أظن أن أعيش إلى زمان إذا ذكرت الأحياء ماتت القلوب، وإذا ذكرت الأموات حييت القلوب”.
لاحظ مجرد رسم هزلي للملة الخامنئي من قبل رسام عراقي شيعي في صحيفة شيعية برئيس تحريرها وكل كوادرها وتوجهاتها وأخبارها، كانت النتيجة تفجير مقر الصحيفة وهروب رئيس تحريرها الى الأردن مرسلا رسائل توسل وإعتذار للسفير الإيراني في العراق، وتظاهرات منددة، حتى المرجعية الخرساء بدأت على لسان ممثل السيستاني تثرثر بقوة لتأليب أتباعها على الرسام الذي هرب لشمال العراق، ومن ثم دفع حياته ثمنا لرسمه المميت في دولة القانون، دولة الديمقراطية التي ستشع على دول الجوار، كما بشرنا صاحب الحملة التبشيرية مدمن المخدرات بوش اللعين!
لقد طغى التشيع اللاوطني المنحرف على التشيع العلوي الوطني وجرعه من كأس السم الزعاف، وأرداه مشلولا لا حول له ولا قوة، هزيلا كسيحا يتفرج على مسرح الأحداث المؤلمة بلا تعابير وجدانية ولا صوت مسموع.
لقد إنتشر الفيروس العقائدي الفتاك بسرعة هائلة في الجسد العراقي ودمر نسيجه الإجتماعي والوطني بمساعدة التلوث البيئي الحوزوي. فالمراجع الأجانب الأربعة لعبوا دورا خطيرا في تجذير الإنحراف العقائدي عند الشيعة، ولخدمة نظام الملالي الحاكم في طهران. ونظام الملالي القذر يدفع قوائم فواتير عدائه التأريخي مع العرب من جيب شيعة العرب، سيما شيعة العراق لبنان وسوريا واليمن والبحرين. لقد صار العراق المحتل مثل طاولة البليارد، اللاعبان الرئيسان هما الولايات المتحدة وايران، والعصا هم المراجع الدينية، والشعب العراقي الكرات التي تتلقى الضربات وتنطح بعضها البعض. إن هذه المرجعية العميلة الحقودة تقف وراء التدهور الحاصل في العراق منذ إفتائها بالتعاون مع الغزاة الأمريكان وتفقيسها حكومات الفساد والدستور المسخ ولغاية بدعة الجهاد الكفائي. صدق فُضَيْل بن عِياض في قوله ” في آخر الزمان أقْوامٌ يكونونَ إخوان العَلاَنية، أَعداءَ السَّرير” كأنه يعيش في عراق اليوم!
ولا نفهم سر تطوع ملوثي العقول لقتال أهل السنة، فهم يخالفون عقيدتهم طالما المهدي لم يخرج من حفرته فلا يجوز الجهاد عندهم! كما أن إمامهم علي بن أبي طالب بشرهم ” أنتم والله على فُرشكم نيام لكم أجر المجاهدين، وأنتم والله في صلاتكم لكم أجر الصادقين في سبيله”.(الكافي8/213). فلماذا الجهاد الكفائي إذن؟ الا يكفيهم جهاد النوم كديدنهم على مدى التأريخ؟ ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النوم!
هذا عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله: جعلت فداك ما تقول في هؤلاء الذين يقتلون في هذه الثغور؟ فقال: الويل! يتعجلون قتلة في الدنيا، وقتلة في الآخرة، والله ما الشهيد إلا شيعتنا ولو ماتوا على فرشهم” (التهذيب للطوسي 2/42). وهذا الشيخ البحراني يًفرد بابا بعنوان” أن شيعة آل محمد شهداء، وإن ماتوا على فرشهم”. (المعالم الزلفى/ 101). وجاء في الوافي” الجهاد مع غير الإمام حرام، مثل حرمة الميتة والخنزير”. هذا هو جهادكم الصحيح، إنه جهاد النوم، وهو يضمن لكم الجنة! إعلموا بأنه لو لم يكن السيستاتي وبقية الأصنام يعرفون بأن موعد محاسبتهم قريب، وقريب جدا بإذن الله، ما كانوا أصدروا هذه الفتوى المخالفة لتوجيهات أأئمتهم.
علي أي حال، هذا نموذج طازج على عملية تلويث الدماغ، يصلح أن يكون بوصلة لقياس مؤشر إنحراف شيعة العراق الى إيران.
ينقل الخبر تصريح مستشار وزير النقل العراقي كريم النوري بأن ” عدد المجاهدين (يقصد عناصر الحرس الثوري الإيراني في العراق) نحو 800 مقاتل يقودهم قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، لحماية مرقد الإمامين العسكريين في سامراء”. رغم نفي السلطات الإيرانية وجود سليماني أو عناصر إيرانية مقاتلة في البلاد، إلا أن النوري أكد “هذه الأخبار لا تخفى على الجميع، الكل يعرف ذلك”. ولفت القيادي في منظمة بدر المقربة من إيران النوري إلى وجود عناصر من الحرس في ديالى وبغداد ولكن بنسبة قليلة، مشيراً إلى أن ” وزير النقل ورئيس المنظمة هادي العامري، هو من يقوم العمليات في ديالى. وأن جميع الطائرات في سماء العراق هي طائرات إيرانية مسيرة بدون طيارة، يتم تحكمها عبر الشريط الحدودي بين إيران والعراق”.
المصدر هو مستشار هادي العامري(عميد في فيلق القدس) والمستشار نفسه من عناصر فيلق بدر ويدير العمليات السرية بنقل الأسلحة وعناصر الحرس الثوري من إيران إلى سوريا عبر العراق، وهو عنصر في خلية يترأسها العامري لإدارة المعارك في محافظة ديالى، وهو كما تلاحظ يسمى عناصر فيلق القدس الإرهابي بالمجاهدين، ويدعي واجبها حماية العتبات المقدسة ـ هم يقاتلون في مناطق تبعد مئات الكيلومترات عن العتبات المقدسة ـ ( نفس سيناريو مرقد السيدة زينب). ولأنه الشخص الثاني في وزارة النقل، فهذا يعني إنه الأعرف بعائدية الطائرات في سماء العراق التي وصفها إيرانية، وهذا المستشار له راتب شهري يستلمه من إيران بإعتباره ضابط في الحرس الثوري علاوة على منصبه في العراق. وأثبتت فطائس الضباط والجنود الإيرانيين القتلى في العراق صحة كلامه.
كما أن صحيفة ” وورلد تريبيون” الأمريكية ذكرت يوم 12/7 الجاري، بأن إيران نشرت مالا يقل عن (5000) جندي في العراق، وأن فيلق القدس يدير عمليات تقوم بها مليشيات مدعومة من إيران ضد تنظيم داعش، وأن الحرس الثوري يشرف على الانتشار العسكري الإيراني المتنامي في العراق”. الخبر يذكر(5000) عنصر من الحرس الثوري وليس(800) عنصر كما عبر مستشار وزير النقل.
لستمع الى نهيق أحد المعلقين على الخبر ونترك الحكم للقاريء الفاضل دون تعليق من عندنا.
علق أوزاد ديار” نشر 800 مقاتل من الحرس الثوري في سامراء، وأن المجاهدين يقودهم قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني لحماية مرقد الإمامين العسكريين في سامراء، وأن جميع الطائرات في سماء العراق هي طائرات إيرانية مسيرة بدون طيار! ادعاءات كاذبة في اطار المؤامرة البعثية الداعشية والتي ترعاها السعودية وتركيا وقطر وكردستان واسرائيل والصداميين والبعثيين والتكفيريين”.
علي الكاش