بين كل الانتفاضات الشعبية في التاريخ الحديث، حظيت ثورة الشعب السوري بأكبر درجة من التوثيق. فعلى مدار عامين ونصف، عُرض القمع العسكري الوحشي لنظام الأسد أمام العالم في شهادات وصور ومقاطع مصورة التقطتها الهواتف المحمولة للسوريين المذعورين، ثم فيما بعد وعلى نحو متزايد، في تقارير لصحفيين دوليين محترمين.
ولا شيء أهم من أن نتذكر أن الشهور الأولى من الثورة تردد في صداها شعارات بملء القلب تقول “الشعب السوري واحد” و”سلمية”. حتى عندما صعدت قوات الأمن التابعة للأسد قمعها من إطلاق النار الحي إلى الضربات الجوية، ظل المحتجون يرددون وهم يحملون الأعلام والزهور بل وزجاجات الماء البارد ليقدمونه لقوات الأمن نفسها المكلفة بسحقهم. ودفعت الوحشية المنهجية باردة الدم للأسد السوريين إلى الدفاع عن أنفسهم والمقاومة المسلحة. ولو لم يعص آلاف من الجنود الشجعان أوامر النظام لقتل المحتجين ولم ينشقوا كي يشكلوا الجيش السوري الحر- وانضم إليهم تدريجياً مدنيون يدافعون عن أسرهم- لاستمر العنف الذي لا يصدق الذي مارسه الأسد دون رادع، لأن القمع لم يولد إلا لعدم اكتراث عام في المجتمع الدولي.
وأقنعت لامبالاة العالم وعدم حسمه الأسد بأنه لا يقهر وزادته جسارة في أن ينفذ فظائع بربرية في شعب أعزل. وشن الأسد أكثر هجماته الكيماوية دموية في 21 أغسطس الماضي في مناطق من دمشق ليقتل أكثر من 400 طفل ونحو 1000 من البالغين. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي استخدم فيها الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبه ولن تكون المرة الأخيرة إذا لم يُمنع من ذلك.
ولم يلتفت أحد لعدد من التحذيرات، فقد كررت “نافي بيلاي”، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، في فبراير الماضي دعوتها التي أطلقتها لأول مرة في ديسمبر 2011 بإحالة الأسد إلى المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم ضد الإنسانية. وناشد أنطونيو جوتيرس، مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، المجتمع الدولي قائلا الأسبوع الماضي: “سوريا أصبحت أكبر مأساة في هذا القرن وكارثة إنسانية مخزية، بعد أن أصبحت المعاناة والنزوح بلا مثيل في التاريخ الحديث”
ورغم كل الأهوال، فالوضع اليوم أقل سوءاً، مقارنة بما كان يمكن أن يحدث لو لم يتم التصدي للأسد أو يُحمل مسؤولية جرائمه. فقد استغرق سعي المليون الأول من السوريين للجوء في الدول المجاورة عاماً كاملاً، لكن هروب المليون الثاني من وحشية الأسد، لم يستغرق إلا ستة شهور. فما حجم الخروج الجماعي بعد أن ينجو الأسد بفعلته في المذابح الكيماوية؟ فنحو ثلث سكان سوريا تقريباً بلا مأوى ومعوزون وعدم التحرك سيعزز نطاق الكارثة البشرية واليأس سيغذي التشدد خاصة إذا تم تنفيذ الهجمات الكيماوية.
ويبين التاريخ أن الأسد لا يفهم إلا الضوء الأخضر أو الأحمر ولا شيئا بينهما. فتقاعس العالم عن التحرك والحماية التي يوفرها له حلفاؤه، منحته، حتى الآن، حصانة ضد ما يمارسه من إرهاب في حق شعبه ومنطقته. ولا يعزز تردد أقوى دول العالم قوة نظام الأسد الشرير، فحسب بل يعزز أيضاً قائمة أولويات المتطرفين من الإرهابيين الذين يحذون حذو “القاعدة”، ويتسللون إلى سوريا من الشرق. فهم لا يقاتلون الأسد فحسب، لكن الأهم من ذلك، يقاتلون أولئك الذين يعارضون الأسد.
وكلما ظل نظام الأسد خارجا عن نطاق السيطرة، كلما استغل المتطرفون الوضع وتزعزع استقرار المنطقة برمتها.
اعترف أكثر من 100 دولة بينها الولايات المتحدة بالائتلاف السوري باعتباره ممثلا شرعيا عن الشعب السوري. وبموجب هذا الاعتراف، نطالب الكونجرس والشعب الأميركي أن يعرقل القدرات التدميرية للأسد. من فضلكم فوضوا أوباما ليتخذ إجراءاً ضد الأسد ليمنعه من السير في دربه الدموي. ومع تجاوز حصيلة القتلى 100 ألف، يتواصل مسعانا لتحرير بلادنا من هذا النظام القاتل وحماية شعبنا، لكن لا يستطيع أحد إلا الولايات المتحدة منع الأسد من استخدام أسلحته الكيماوية مرة أخرى.
نقلاً عن “الاتحاد” الإماراتية