مروة عبدالله: مترجم عن
The Downfall of ISIS : Vera Mironova and Mohammed Hussein
«مع سقوط المقاتلين الأجانب ستسقط الدولة الإسلامية».
شهدت السنوات الثلاث الماضية صعودًا للمقاتلين الأجانب في داعش في التسلسل الهرمي الإداري والعسكري للتنظيم، وكانت له عواقبه غير المتوقعة، بل والصادمة، والتي تسببت في ردود فعل متسلسلة من قادة التنظيم، والمقاتلين الأجانب.
نشرت الـ«فورين أفيرز» تقريرًا يستعرض ملابسات وضع المقاتلين الأجانب في الدولة الإسلامية، وكيف سيؤدي سقوطهم إلى سقوط الدولة الإسلامية معهم.
أقوى الأسلحة أم أكبر الخصوم؟
يذكر التقرير أنه على مدى السنوات القليلة الماضية، بدا واضحًا في المخيلة العامة قدرة تنظيم داعش على استقطاب المقاتلين الأجانب، ويبدو أن الانتباه لذلك الجانب «منطقي»، ويفسر التقرير ذلك بأن «هناك شيئًا مرعبًا بشأن فكرة تحرك الإرهابيين الوحشيين من كل أنحاء العالم، بهدف قتل المدنيين في العراق وسوريا؛ لمساعدة تنظيم داعش في كسب المزيد من الأراضي سريعًا»، إضافة إلى أن المقاتلين الأجانب قضية شغلت الحكومات الغربية أيضًا، إذ تواجه احتمالية عودة هؤلاء الجهاديين ذوي القدرات القتالية العالية إلى ديارهم.
إلا أن الآن وبعد ثلاث سنوات من بدء حرب داعش، يبدو أن المقاتلين الأجانب السلاح الأقوى لدى داعش أصبحوا أكثر تهديدًا على التنظيم، فعلى حد تعبير كاتبي التقرير «المقاتلون الأجانب سيقطعون اليد التي أطعمتهم»؛ إذ سرعان ما صار المقاتلون الأجانب أحد أكبر خصوم داعش.
الانقسام والأهداف المختلفة
يذكر التقرير أنه منذ البداية كان ينبغي إدراك أن أهداف المقاتلين المحليين والأجانب «مختلفة»، فبينما كان موقف داعش الرسمي أن المقاتلين المحليين والأجانب أهدافهم واحدة مشتركة، بدأت تظهر التوترات بين المجموعتين واضحة، لا يمكن إغفالها. ومع ذلك استمرت الديناميات الداخلية للمجموعات مستقرة نسبيًّا؛ بسبب نجاحاتها في ساحات المعارك، فضلًا عن إنتاج النفط. لكن الآن لم تعد داعش في نفس مستوى ثرائها السابق، ولم تعد في نفس عنفوانها كما كانت من قبل؛ إذ لم تعد قادرة على تحمل تكلفة شراء ولاء الجميع. بالفعل يوجد انقسام داخلي كبير يضر بالأداء العسكري للتنظيم. في العراق وحدها، خسرت داعش ثلاث معارك، فضلًا عن فقدانها السيطرة على مدينتين وأكثر من 30 قرية منذ مطلع الشهر الماضي.
وفقًا لمقاتلي داعش المحليين، فإن ضرر المقاتلين الأجانب أكثر من نفعهم، إذا قورن بحجم التوترات التي يثيرونها مقابل قيمتهم الحقيقة؛ إذ أججت عدم قدرة المقاتلين الأجانب أو بالأحرى عدم استعدادهم للتعاون مع المقاتلين المحليين السباقات القاتلة بين الطرفين، بهدف الوصول «للمال والسلطة». على سبيل المثال في يوليو/ تموز 2015، قتلت ميليشيات متشددة ألبانية وروسية ثلاث مقاتلين محليين تابعين لداعش، فضلًا عن إصابة عدة أشخاص آخرين في حقول النفط جنوب كركوك -نقطة عبور لعمليات تهريب النفط لدى داعش-. أوردت ميليشيات المسلحين المحليين أن المجموعتين لطالما تصارعا «بسبب خلافاتهما في الإستراتيجيات العسكرية المقترحة للقتال على الجبهة قرب علم»، وأن المقاتلين المحليين رفضوا الانصياع لأوامر للمقاتلين الأجانب.
«فجميعهم يتصارعون لأجل المال والمصالح التجارية».
لكن السكان المدنيين في تلك المناطق ليسوا مقتنعين بتصنيف القتال على أنه خلاف على الإستراتيجيات العسكرية والقتالية؛ فغالبية المدنيين مقتنعون بأن الصراع يتمحور حول «أموال النفط». يقول «مزهر عباس» من بلدة العباسية التي تسيطر عليها داعش، والذي كان يعمل سائقًا لناقلات النفط العملاقة في المنطقة: «باعت إحدى الميليشيات العراقية النفط لسائقي الحافلات المتجهين إلى سوريا عبر الموصل، وقامت أخرى بتحصيل رشاوى مقابل السماح للحاويات بالمرور، لكن حاولت مجموعات المقاتلين الأجانب توقيفهم لمزيد من التفتيش، فجميعهم يتصارعون لأجل المصالح التجارية».
وفي حادثة أخرى، عندما وصل النزاع بين المقاتلين المحليين والأجانب إلى محاكم الدولة الإسلامية، ضغط المقاتلين الأجانب على القضاة لأجل إصدار أحكام قاسية -بلغت عقوبة الإعدام- على المقاتلين المحليين الذين يختلفون معهم.
تمييز عنصري في المناصب
يضيف التقرير أنه لم يعد سرًّا أن داعش وظفت التمييز المؤسسي العميق في أوامرها العسكرية، إذ حددت الترتيب النسبي للمقاتلين في الهيكل الهرمي للقوات المقاتلة على أساس الجنسية. شغل كل من المقاتلين الأمريكيين والأوروبيين، ومقاتلي أوروبا الشرقية -بما في ذلك الروس والشيشان– مرتبة المناصب الإدارية الوسطى في مصانع العبوات الناسفة، ومعسكرات التدريب، والقواعد العسكرية في الجبهة الأمامية، أما المقاتلون الصينيون ومن وسط آسيا يستخدمون بالأساس في تنفيذ العمليات الانتحارية. أما العرب قُسِّموا لمجموعتين، أولهما يشغلون المناصب القيادية رفيعة المستوى، والأخرى في أدنى المناصب الممكنة.
استمر هذا التسلسل الهرمي لمدة عامين تقريبًا، لكن مؤخرًا تسببت معركتان في تغيير جذري في هذا الترتيب الهرمي. ففي معارك سنجار والبشير، اقنع المقاتلون الأجانب قيادة داعش أنهم قادرون ومؤهلون لتنظيم المعركة وقيادتها. وحسب ما ورد في تقرير الـ«فورين أفيرز» أنهم بالتأكيد أدركوا أن من شأن ذلك أن يساعدهم في اكتساب وضع عسكري وغنائم حرب -بما في ذلك النساء والسيارات والمنازل والطعام-. إلا أنه بعد أن وافقت قيادة داعش على مطلب المقاتلين الأجانب بتنظيم وقيادة المعارك، فشلت المعركتان فشلًا ذريعًا كارثيًّا.
خسائر تفسر العمالة لحكومات أخرى
في 10 أبريل/ نيسان 2016، في معركة البشير، فر المقاتلون الأجانب من الروس والقوقاز والصينيين والشيشان قبل وصول قوات البيشمركة وقوات الحشد الشعبي للقرية بأربع ساعات فقط، ترك المقاتلون الأجانب المقاتلين المحليين بلا ذخيرة، أو أي إمدادات عسكرية، أو أسلحة متطورة لمواجهة الهجوم البري. أمست المعركة فشلًا ذريعًا؛ قتل عشرات المقاتلين التابعين لداعش، كما فقد التنظيم على إثرها أربع قرى إستراتيجية قرب مدينة كركوك الغنية بالنفط.
«المقاتلون الأجانب لم يخسروا سنجار، بل باعوها بدلًا من الدفاع عنها».
أما معركة سنجار التي كانت بقيادة المقاتلين الفرنسيين، والروس، والأمريكان، كانت أسوأ من السابق ذكرها. قبل بدء المعركة بأيام عدة، سرقت إحدى القوات الأوروبية التابعة لداعش مبلغ قدره 70000 دولار أمريكي، واختفت، تاركة بقية المقاتلين بكميات قليلة من الذخيرة والطعام والقوات الاحتياطية. يقول أحد المقاتلين المحليين التابعين لداعش، والذي كان يقود شاحنة صغيرة أثناء المعركة: «المقاتلون الأجانب لم يخسروا سنجار، بل باعوها بدلًا من الدفاع عنها».
يؤكد التقرير أن مثل ذلك السلوك الجبان في المعارك يعزز الشكوك العميقة لدى المقاتلين المحليين والمدنيين، فضلًا عن تعزيز نظريات المؤامرة. ذات مرة اعتقد المقاتلون المحليون بصدق عقيدة المقاتلين الأجانب، كما اعتقدوا أنهم على درجة عالية من الاحترافية في القتال وتلقي التعليمات وتنفيذها. أما الآن لا يرون المقاتلين الأجانب سوى حفنة من المرتزقة البلطجية، علاوة على أن التفسير الوحيد المنطقي لهذا السلوك هو أن المقاتلين الأجانب حقيقة يعملون لحساب حكوماتهم. يشرح ذلك ضابط سابق في الجيش العراقي بأن «هناك العديد من الشائعات في الحويجة أن ألوية المقاتلين الأجانب تحتوي على مادة فوسفورية ترسل إشارات إلى طائرات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك لا تقذفهم الطائرات أو القواعد العسكرية التي يعملون بها».
ففي النهاية كانت كل من معركة البشير وسنجار الحجة المثالية للمقاتلين المحليين لبدء استرجاع المناصب الإدارية والعسكرية الحيوية في الخطوط الأمامية في محافظة نينوى، بما في ذلك الموصل، لكن لم تكن القوات الأجنبية على استعداد للتخلي عن أماكنها؛ مما أسفر عن نزاع بين مجموعات المقاتلين الفرنسيين والمحليين في أغسطس/ آب، فقد أراد كلاهما إدارة المكاتب الإدارية في منطقة باب حوض؛ مما أدى إلى تبادل إطلاق النار في سوق الموصل المزدحم.
استقرار أم وهم استقرار يسبق السقوط
تمكن قادة داعش من تحقيق استقرار في الوضع بالعراق عن طريق إزاحة المقاتلين الأجانب من كل المناصب الإدارية والسياسية، وعودة اقتصار مناصبهم على تكنولوجيا المعلومات المرتبطة بالعمل الاستخباراتي، والعمل في مصانع العبوات الناسفة والمهام الفنية. علاوة على ذلك، عمد التنظيم إلى إيواء المقاتلين الأجانب في بعض القرى لتقليص أي تفاعل بينهم، وبين السكان المحليين. وكرد على تلك التحركات، لجأ بعض المقاتلين الأجانب المحرومين من مناصبهم إلى الأفعال التخريبية.
في سبتمبر/ أيلول، قام أحد مقاتلي داعش سعودي الجنسية بتدمير أحد الأنفاق الرئيسية التي ربطت بين وسط مدينة الشرقاط، ومنطقة شقرة، كان النفق يعد طريقًا لهروب ميليشيات داعش، لكنه قام بتدميره بعد عبوره وحده؛ مما زاد اتساع الصدع بين السكان المحليين والمقاتلين الأجانب.
ويختتم التقرير بإلقاء نظرة سريعة على بداية تاريخ الصراع بين السكان الأصليين والمهاجرين في الدولة الإسلامية، فعلى حد تعبير كاتب التقرير «ليست المنافسة بين المواطنين الأصليين والمهاجرين على السلطة بأمرٍ جديدٍ في الشرق الأوسط، فعندما توفي الرسول محمد عام 632 ميلادية، بدأ المحاربون المسلمون من مكة -المهاجرون- والسكان المحليون من المدينة المنورة -الأنصار- الصراع من أجل قيادة الدولة الإسلامية حديثة العهد حينها. وفي نهاية المطاف فرض المقاتلون الأجانب من مكة إرادتهم، وعينوا أبا بكر الصديق خليفة».
وعلى الرغم من أن مثل ذلك التاريخ ربما يحفز المقاتلين الأجانب ويلهمهم، يبدو أن الصراع هذه المرة ستختلف نتيجته عما سبق. على الأرجح، سيستمر المقاتلون الأجانب في فقدان سيطرتهم وقوتهم، ومع سقوطهم ستسقط الدولة الإسلامية.
ترجمة من فورين بوليسى: نقلا عن ساسة بوست