(قصة تعبيرية عن سيادة “طلب الإله” في العقائد الدينية)
شهد تاريخ الديانات الكثير من الغرائب التي اختمرت في ظل الدين واعتبرت تيارات دينية او تيارات “ما بعد الدين”.. امتلأت ببدع جديدة لا جذور لها في اصول الدين.
التاريخ كان مسرحا لتيارات دينية خرجت عن الدين الرسمي ، او الدين السائد وتحولت الى دين جديد يتبعه الملايين.
المؤكد ان تأثير التيارات الدينية كان محدودا، ظلت الديانات المركزية اكثر تأثيرا وما عدا تيارات معينة يمكن ان نذكر منها التيار الذي أنشأه الراهب مارتن لوثر المشهور ب “اللوثرية” او “البروتستانتية”، التي انتشرت بشكل واسع في المانيا ودول اوروبية أخرى كدين مضاد للكنيسة الكاثوليكية المتزمتة.. ويعتبرها البعض كنيسة العصر البرجوازي حيث لائمت بين الدين والتطور الرأسمالي، وربما من هنا تنبع قوتها اذ نشأت في الوقت الفاصل بين العصور الوسطى الاقطاعية وعصر التنوير (الرينيسانس) الذي شهد بداية النمو الاقتصادي والعلمي في أوروبا بالأساس!!
التاريخ الإسلامي سجل الكثير من التيارات الدينية.. لكن التيار السني ظل والتيار الشيعي هما السائدان وبإطرهما نشأت مدارس او فرق مختلفة.
في روسيا القيصرية ظهر تيار ديني مسيحي فلسفي عرف باسم “طالبوا الإله” ، ظهر هذا التيار عام 1907 بعد فشل ثورة 1905 – 1907.ومما يميزه هذا التيار انه جمع بين الدين والفلسفة، وكان من بين مؤيديه عدد من الفلاسفة الروس والأدباء وكهنة مسيحيين وجمهور من المتدينين.
كانت فكرتهم، رغم اختلاف ارائهم ، انه لا يمكن ان تقوم حركة اجتماعية وتنجز ما هو مثمر لمجتمعها بدون الدين.وان الدين يجب ان يكون في جوهر كل العلاقات الاجتماعية، الثقافية، الفنية، العائلية والشخصية وان غاية الحياة هي “طلب الإله”. يمكن وصفهم اليوم بانهم “دينيون سلفيون”.. لا يختلفون عن حركة “طالبان” الا أنهم لم يمارسوا العنف ضد المختلفين عن عقائدهم..وكان هذا بالفعل دورهم بعد فشل الثورة الروسية التي انفجرت في عام 1905.!!
كانوا يعتقدون انه بدون دين لا يوجد تفاؤل حقيقي. بعض الفلاسفة انتقدوا هذا التيار وتيارات دينية مختلفة أخرى ، بل انتقدوا جوهر الدين بقولهم:” كلما اتضح الدين أكثر يصبح اكثر بعدا على آراء غير المتدينين”.
قال فولتير (كاتب وفيلسوف فرنسي 1694- 1778) “لا يستطيع الشخص ان يفهم حقيقة الدين مثل اؤلئك الذين فقدوا القدرة على التفكير”
قال ماركس: “ان الانسان هو منتج الدين وليس الدين هو منتج الانسان”
قال فريدريك شلغال (شاعر الماني 1772- 1829): “بانه يوجد تناقض متبادل ومتوازي بين الدين والأخلاق مثل ما هو بين الشعر والفلسفة”!!
طبعا التفسير البسيط يمكن تلخصيه بجملة واحدة ان الدين (او التدين) يعني ان الآلهة مهما اختلفت تسمياتها وأشكالها ، هي دائما لمصلحة السلطة!!
في القصة التالية تصوير كاريكاتوي لمفهوم “طلب الإله” لدى مختلف التيارات الدينية.. رغم انها تتناول نموذجين دينيين الى جانب نموذج لا يعنيه من الدين غير منفعته الشخصية.. وبالتالي يطرح السؤال: أين يختفي العقل؟ اين يفقد المنطق معناه؟
الأصدقاء الثلاثة../نبيل عودة
تعطلت سيارة أصدقاء ثلاثة في مكان مهجور ، بعد ساعة من السير المرهق بطرق وعرية رأوا ضوءا منبعثا من منزل يقف وحيدا وسط ارض واسعة. شدوا الخطى نحو مصدر الضوء على أمل ان يجدوا مكانا يقضون به ليلتهم حتى الفجر..ولعلهم يجدون أيضا بعض ما يخفف جوعهم وعطشهم…
ما استرعى اهتمامهم وجود منزل وحيد داخل مزرعة كبيرة واسعة بها مزروعات وحظيرة حيوانات واسعة جدا..
استبشروا خيرا وهم يقتربون من المنزل، الذي ينطلق من “داخونه” رائحة شواء ذكية.
قال الصديق الأول: بما اني رجل دين يهودي ولا اعرف نوع اللحوم التي يشويها صاحب البيت، وخوفا ان تكون لحمة خنزير او لحمة غير ملائمة للشريعة اليهودية، لذلك سامتنع عن الطعام.. وليكن الله بعوني!!
قال الصديق الثاني: بما اني هندي، انا ايضا لن اتناول من هذه اللحمة التي نشم رائحتها خوفا ان تكون لحمة بقر .. وكما تعلمون فإن للبقر عندنا قداسة خاصة.. قداسة البقر أهم من إسكات جوعي!!
قال الصديق الثالث: بما اني محامي فانا ساقوم بالواجب بدلا منكما ، وسآكل ما يشوى ولو كان خنزيرا او بقرا او حتى لحم بشر!!
قرعوا باب المنزل، بعد برهة اطل وجه رجل في منتصف العمر. قالوا له ان سيارتهم تعطلت ويرجونه منه ايوائهم حتى الصباح .. حتى مقابل اجر يُدفع له بطيب خاطر.
رحب بهم صاحب المنزل ، وقال انهم ليسوا اول من يقصدون بيته ولكنه لا يقبل ان يتلقى اجرا على فعل الخير.. اهلا وسهلا بكم.. العشاء جاهز اذا شئتم..
شكروه وتقدم المحامي لوحده وتناول قطعة لحم كبيرة أكلها بتلذذ ظاهر وصديقيه يبلعون ريقهم معتذرين عن تناول الطعام بحجة انهم ليسا جائعان.
بعد انتهاء العشاء اعتذر صاحب المنزل بأنه لا يستطيع إلا إيواء اثنين منهما داخل منزله وانه على الثالث ان ينام على القش في حظيرة الحيوانات.
قال رجل الدين اليهودي، انا سأنام هناك .. كان تفكيره انه سيبتعد بذلك عن رائحة الشواء لعل ذلك يخفف وطأة جوعه وسيلقى بالتأكيد رعاية وتعويضا من اله إسرائيل الذي يرعى شعبه المفضل اينما حل . اعطاه صاحب المنزل “بطانية” وخرج لينام في الحظيرة..
استعد الزميلان للنوم واذا قرع قوي على الباب. فتح صاحب المنزل الباب وكان هناك رجل الدين اليهودي واقفا وهو مكتئبا جدا.
قال انه يعتذر عن عدم تمكنه من النوم في الحظيرة بسبب وجود خنازير تعتبر حيوانات نجسة حسب الدين اليهودي، ولا يمكن له ان ينام في الحظيرة خوفا من ان يعتبره الإله نجسا بسبب نومه بقربها..
تبرع الرجل الهندي ان ينام بالحظيرة بدل صديقه اليهودي.
بعد دقائق قليلة عاد القرع على باب المنزل. فتح صاحب البيت باب منزلة متسائلا “ما الحكاية الآن؟”.. كان الهندي يقف على الباب كئيبا ومعتذرا انه يوجد في الحظيرة بقر وان الهنود يقدسون البقر ولا يستطيع ان ينام ملاصقا للبقر المقدس ويزعجهم بشخيره… هكذا هي تعليمات المعلم غورو ناناك وخلفائه التسعة من الغورو البشر.
وكان الحل ان يذهب المحامي للنوم في الحظيرة.. فهو لا اله له.. بعد تردد وانتقاد صديقيه وتفكيرهم الغيبي ومحاولات اللحظة الأخيرة باقناعهم انهم على ضلال يتناقض مع منطق القوانين والحياة .. أخذ البطانية وذهب للنوم في الحظيرة مهددا زميليه بانه سيعرف كيف يقاضيهم على تفكيرهم غير الإنساني بما يخص التعامل مع الحيوانات وإخلالهم بقانون الرفق بالحيوان.
دخل صاحب البيت وضيفية للنوم.. ولكن لم تمض ربع ساعة والا ضجة كبيرة في ساحة المنزل.. وجعير بقر مدو وزعيق الخنازير يزعج الآذان.. قفز صاحب المنزل منزعجا.. وكذلك فعل الصديقان، فتح صاحب المنزل الباب فاذا حيوانات الحظيرة قد اندفعت خارج الحظيرة تطلق اصواتها بطريقة مزعجة بينما المحامي يغط بنومه سعيدا في حظيرتها!!
nabiloudeh@gmail.com