إمباتيا (Empathy)
كلمة يونانية معناها الحرفي “القرابة الجسدية”. الفيلسوف الألماني تيودور ليبس – من القرن التاسع عشر
– اقتبس الاصطلاح وأعطاه معنى جديد ” ان نشعر نحو” أو ان “نشعر بداخل” والقصد للآخر…
إذن، ببساطة يمكن القول ان الإمباتيا هي القدرة على تشخيص الحالة النفسية للآخر والتماثل معها. هي رؤية فلسفية ترتبط بالعامل الحسي، تشمل عوامل تتعلق بالمعرفة الإنسانية ومسائل تحصيلها، تصنيعها وتطبيقها.
مثلا في الفلسفة، يمكن مراجعة ما يسمى “فلسفة النفس البشرية” ونجد ان مختلف المذاهب الفلسفية الحديثة التي تناولت طبيعة النفس، استمدت الكثير من آرائها وعناصر تفكيرها من الفلسفات القديمة أيضا.. الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت اعتبر فلسفة النفس “جوهراً مفارقاً للمادة”. الفيلسوف الإغريقي أفلاطون اشتهر بثنائيته عن “النفس والجسم”.
في الإمباتيا يتطور إحساس القلق والاهتمام نحو الآخر.
فسر بعض الفلاسفة الإمباتيا بأنها قدرة الإنسان ان يضع نفسه في تفكير الإنسان الآخر بشكل مؤقت، ليس من منطلق التماثل أو كارتباط كامل ، إنما عبر رؤية مصاعبه والشعور بأحاسيسه وقدرته على تجاوز ما به أو الفشل من الخروج من وضعه، الإمباتيا حسب أطروحات فلسفية عديدة من الفترة الإغريقية حتى عصرنا الراهن قادرة على مد الآخر بشعور الدعم الحسي، لدرجة الشعور بالآخر دون ان التنازل عن الذات.
الفيلسوفة اوديت شطاين ــ 1891 – 1942 – يهودية بالأصل، تنصرت وترهبنت وأُعلنت كقديسة في الكنيسة الكاثوليكية ــ وصفت الإمباتيا بأنها “المتعة العامة للدخول في وعي الآخر- الغريب”
عالم النفس الأمريكي هينتس كوهوت (1913 – 1981)عرف الإمباتيا بأنها “القدرة على التفكير والشعور بالحياة الداخلية لشخص آخر”
آخرون قالوا ان الإمباتيا هي “الضرورة للوصول إلى فهم وقبول موازي من الآخر ومن نفسي بنفس الوقت”.
الفلسفة ميزت بين ثلاثة أشكال من الإمباتيا ، أو “التماثل الإمباتي” وهي تظهر بأشكال عدة في الثقافات والأوقات الزمنية المختلفة والأشكال الثلاثة هي: خيالية، إستعارية واندماجية.
اكتفي بهذا القدر من العرض.. يمكن لمن يهتم بالموضوع ان يتواصل معه عبر الانترنت!! وقد وجدت قصة مناسبة صغتها لتلائم فكرة الإمباتيا.
كيف استوعبت فلسفة الإمباتيا؟
كلمة “إمباتيا” ظلت عالما مبهما أمامي لفترة طويلة قبل أن افهمها.
كثيرا ما سألت نفسي: أين تقع الـ”إمباتيا” في عالم البشر، كيف تظهر؟ كيف تتفاعل؟ وكيف يمكن فهم تفاعلها، أو عدم تفاعلها؟ هل تقع في حقل المعرفة؟ في حقل المشاعر؟ ربما في حقل علم الأخلاق ؟ أو في حقل الطمأنينة النفسية بأوهام الحوريات المنتظرات؟
هل هناك “إمباتيا” في الحياة العملية للإنسان، ضمن مجتمعه، أو ضمن بيته، أو ضمن تشكيلة وعيه السياسي؟
هل لها علاقة بالسلوك البشري؟ أو “مبدأ وحدة النفسية والنشاط”، كما يفسر السلوك فيلسوف “السلوكية” الأمريكي دكتور دافيد واطسون بناء على فكره المادي الميكانيكي، بقوله “ان الأشكال المعقدة للنشاط النفسي هي نتيجة ردود فعل بسيطة”؟ فهل يصنف “النشاط النفسي المعقد” الذي أطلق الربيع العربي تحت مفهوم “ردود فعل بسيطة”؟
ربما أصيب العرب بحالة “أتاراكسيا”، التي تعني طمأنينة النفس وعدم التأفف أو التذمر، بعد عقود من غياب الأمل بفجر جديد، حتى السماء تجاهلتهم رغم ضجيجهم وصراخهم وركوعهم طلبا لرحمة السماء واضطرارهم لتمجيد نفس مومياء الرئاسة خلال عدة أجيال امتنعوا خلالها عن ردود الفعل بكل أشكالها حتى الصامتة مهما تراكمت؟!
صمت المواطن العربي تواصل حتى لو اضطرته دولته الاشتراكية الوحدوية الثورية المعادية مع الترصد وسبق الإصرار للاستعمار والصهيونية والرجعية إلى البحث عن طعامه بأكوام القمامة؟ وبيع شرفه وشرف عائلته لشيوخ نفطيين، من أجل القضية الكبرى: تحرير الوطن المحتل.
إذن كيف نفهم معنى “امباتيا” ودورها في العلاقة بين الناس ؟
في دراستي للفلسفة لم أجد الكلمات التي أشرح بها بدقة مصطلح “إمباتيا”.
ظلت حيرتي قائمة، حتى سمعت حكاية من امرأة قالت أنها وصلت لوضع ميئوس لم تعد الحياة تعنيها، الفتور والزهد بطيبات الحياة لم يعد يفارقها، زوجها لم يعد يعني لها شيئا، معاشرته وخدمته هي آخر ما يهمها. الموت لم يعد يرهبها، تتمناه وتنتظره لعله المنقذ من حياة لم يعد فيها ما يستحق التمسك به.
واصلت حديثها الحزين، قالت:
– أنا متزوجة منذ أربعة عقود.. لم أعد أشعر برغبة في الاقتراب من زوجي.. رغم إلحاحه الدائم… اتهمني أني باردة جنسيا، عربد وهدد بالضرب.. من كثرة عصبيته وإلحاحه ذهبت للعلاج لدى طبيبة مختصة.
سألتني:
– ما مشكلتك بالضبط؟
– ربما برودة جنسية.. أو ملل من حياة الخضوع، لا أشعر بجاذبية نحو زوجي ولا برغبة في معاشرته، أو الاستجابة لطلباته حتى البسيطة.. أراه عالة علي وعلى بيتي لدرجة لم يعد يهمني أمره، ولا اشتاق لمعاشرته أو خدمته، ولم أعد أحتمل وجوده ولا سماع ثرثرته.
– احضريه معك في المرة القادمة، وسأجري الفحوص المناسبة لأرى ما يمكن ان أفعله.
وواصلت السيدة الحديث:
– بعد أسبوع عدت مع زوجي إلى عيادة الطبيبة. قالت له الطبيبة انه من أجل علاج برودة زوجته الجنسية وصدها له وابتعادها المتواصل عنه.. وعدم تلبية أوامره وطلباته، عليها أن تفحصه أولا، لتفهم اسباب تمرد زوجته، هل بسبب سطوته في البيت أم بسبب جحودها وخيانتها للأمانة؟
أضافت الطبيبة مخاطبة زوج المرأة:
– رجاء اخلع ملابسك.. لا حاجة للارتباك.. أنا طبيبة ورأيت آلافاً مما تظنه مميز رجولتك.. تأكد، رغم انك رئيس بيت، أو حتى لو صرت رئيسا لجمهورية عربية، فلا فرق، لن تزداد رجولة أو سحرا. هل تعرف، عندما كنت صغيرة استغربت أني لا أملك ما يملكه أخي ويفخر به. شكوت لوالدتي، فماذا قالت لي والدتي؟ قالت أني بما أملكه استطيع عندما أكبر أن أملك وأسيطر على آلاف مثل الذي عند أخي.. لذا لا ترتبك، وليكن واضحا لك ولمعشر الرجال، أنكم لستم الأفضل بهذا الشيء الذي تفخرون به… الرب منحكم هدية التبول وقوفا، لكنه منحنا القدرة على الوصول للمتعة الجنسية مرات متكررة… فما هو الأفضل حسب رأيك؟ لنفترض أن أذنك تحكك بشدة، ما العمل؟ ستدخل أصبعك وتحكها، بعد ذلك تخرج أصبعك، قل لي من يشعر بالمتعة أكثر؟ أصبعك أم أذنك؟
وواصلت الزوجة حكايتها:
– خلع زوجي ملابسه.. بان عاريا كما ولدته أمه.. رغم اشمئزازي من منظره، خجلت عنه.. ولكننا في عيادة للعلاج.
قالت الطبيبة:
– الآن در حول نفسك دورة كاملة.. مرة أخرى.. سر خطوة للأمام.. ارجع خطوتين إلى الخلف.. تقدم كأنك رئيس عربي يستعد لإلقاء خطابه الملكي. حسنا. الآن استلق على السرير من فضلك.. لا تستر عورتك.. لا تخجل.. استلق.. حسنا.. يداك على الجنبين.. الآن أرى.. قم وارتد ملابسك وانتظر زوجتك في الخارج.
قامت تسجل ملاحظات في دفترها.
خرج زوجي وبقيت لوحدي مع الطبيبة. قالت:
– يا سيدتي آنت لا تعانين من برودة جنسية أو من حالة نفسية تجعلك ترفضين النوم معه أو استمرار سيطرته على البيت.. أنا أيضا لم أشعر بجاذبية نحو زوجك ؟!
nabiloudeh@gmail.com