هناك طرفة يتندر بها السوريون تقول: أن أحد الرجال فاجئ زوجته مع عشيقها بالفراش, فأستل العصى الكبيرة المتوفرة بمنزله وأخذ يضرب العشيق ضرباً مبرحاً, فوقفت الزوجة الى جانب رجلها الذي هو معه العصى وبموقع القوة قائلة له:” أحسنت يا حبيبي, اضربه ولا تقصر به, لكي يتربى ويتعلم عدم معاشرة زوجات الآخرين وانتهاك اعراضهم”, فعندما رأى العشيق موقف الزوجة الفاسقة والتي كان يركبها للتو, تدفق الدم بعروقه وانتفض على الزوج وخلصه العصى الكبيرة من يده وأخذ يضربه ضرباً مبرحاً وأقسى من ضرب الزوج له, وهنا ادركت الزوجة بأن عشيقها هو الذي بموقع القوة الآن, فوقفت إلي جانب عشيقها قائلة:” أحسنت يا حبيبي, اضربه ولا ترحمه, فهذا الخرقة لا يريد ان ينكح ولا يدع الآخرين ينكحون”.
بالواقع هذه الطرفة هي ملخص لمسرحية شكسبير “هاملت “, حيث تقف الزوجة مع الرجل الذي بيده القوة بغض النظر عن اي شئ آخر, وأيضاً هناك امثال سورية تعبر عن نفس المعنى ومنها المثل القائل:” الذي يتزوج من أمي أناديه يا عمي” والمثل القائل:” القادم نهلل له, والذاهب نبعص له”.
للأسف, فإن هذه الطرفة والأمثال يعبرون بشكل واقعي عن مشكلاتنا مع الاسلاميين واليساريين العرب! فمن المعروف بأن الإسلاميون كانوا يقفون مع الطغاة المستبدين ويدعمونهم بالفتاوي الإلهية على نمط:” اطع ولي الامر ولو جلد ظهرك” وغيرها من الفتاوي والإجتهادات التي لا تعد ولا تحصى, ولكن عندما سقط اولياء امورهم وفقدوا قوتهم لصالح ثورات الشباب العربي , تحولوا مباشرة واصطفوا الى جانب الثورة بنفس الطريقة التي وقفت بها الزوجة الفاسقة مع عشيقها الذي اصبحت العصى بيده وهي رمز السلطة في الطرفة! لا بل كان الاسلاميون اكثر فسقاً من الزوجة, حيث سرقوا الثورة والسلطة من يد اصحابها,..! ولكن هيهات…. نعم نجح الاسلاميون بسرقة السلطة…. ولكن التاريخ يعلمنا بأن الشعوب حية, وستستعيد ما سرقه الاسلاميون منها عاجلاً ام أجلاً, وما يحدث الأن بمصر وتونس ما هو إلا دليل على توق الشعوب لاستعادة ثورتها وتصحيح مسارها, بعد أن انكشف الاسلاميون شعبياً على حقيقتهم البغيضة.
هذا من جهة, ومن جهة اخرى هناك اليساريون العرب والذين كانوا ينظرون لنا على مدى عقود كثيرة عن الثورة والعدالة الاجتماعية, ولكن من دون ان يكون لديهم اي خطة عملية غير النظريات الغيبية والتي آمنوا بها عن آلهتهم اليسارية مثل لينين وستالين وماركس… الخ … ولكن ولسوء الحظ بعد ان تفجرت ثورات الربيع العربي بفضل الانفتاح الذي امنه عصر التكنولوجيا وثورة الانترنت والشبكات الاجتماعية, تقاعس هؤلاء اليساريون ووقفوا ضد هذه الثورات ونعتوها بشتى الصفات المشينة وكأنهم يريدون ثورة تفصيل على قياسهم, وإلا فهم ضدها؟؟ ونحن نقول لهكذا يساريين:” طلما أنه لديكم مواصفات للثورة الحقيقية, فلماذا لم تثورا على مدى عقود كثيرة, وتضربوا لنا مثلاً رائعا عن كيفية القيام بالثورات الحقيقية؟؟
بالفعل, ينطبق على بعض اليساريين العرب المعارضين للثورات العربية القول بأنهم يتفقهون بفلسفة:” عدم النكاح وعدم السماح للآخرين بالنكاح”.
نعم هذا صحيح بأن الثورات في البداية قد تؤدي الى الكثير من السقطات وحتى إلى انهيار بعض البلدان وانتشار الفوضى , ولكن هذا شئ صحي وصحيح ودليل على ان الثورة تسير على الطريق الصحيح والذي سيؤدي بالنهاية الى الوصول للأهداف المنشودة من حرية وديمقراطية حقيقية وكرامة, ولا يمكن بأي حال من الاحوال الانتقال من الوضع المزري الذي كان سائداُ بالسابق الى وضع مستقر من دون سقطات هنا وهناك, وانهيارات هنا وهناك, ولكن على الاقل نحن نتجه ونسير على الطريق الصحيح والذي سيثمر بالنهاية الى ما نصبو اليه, بدلا من الوضع الساكن والصامت مثل القبور والذي كان سائداً ايام الطواغيت الساقطة, والتي كانت تسرق اقتصاد البلدان وتحكم حكما امنيا بقوة السلاح والعسكر.
إن من اهم الاسباب التي تؤدي الى بعض النكسات في الفترة الانتقالية بعد الثورة هو ان المفسدين والذين ورثتهم الثورة من الحكم البائد قبل الثورة حيث يسعوا دائماً الى عرقلة التقدم، وخير مثال على ذلك الاقتتال الداخلي الذي يجري في ليبيا.
لقد مرت الكثير من البلدان بفترات انتقالية بعد القيام بثورة ديمقراطية, ولم تكن هذه المراحل الانتقالية سريعة أو سلسة, فعلى سبيل المثال, فان انجلترا استغرقت مدة طويلة بعد ثورتها المجيدة لكي تتقدم نحو الديمقراطية الكاملة، حيث مهدت الثورة التي شهدتها البلاد عام 1688 الطريق نحو توسعات تدريجية في الحقوق الدستورية في 1832 و1867 و1884، والتي أدت في النهاية إلى الاقتراع العام عام 1928
والاكثر من هذا فقد تواجه الفترات الانتقالية عددا من العقبات الحتمية، ولن يكون من المستبعد حدوث حالات من التتابع بين الديمقراطية والديكتاتورية، كما حدث في كل من الأرجنتين وفرنسا وبيرو وتايلاند ويستمر هذا التتابع حتى الوصول في النهاية الى الديمقراطية الحقيقية الكاملة.
نعم ان الاصلاح والتحول الى دول حضارية له اثمان غالية وعلى الشعوب ان تدفعها اذا قررت ان تنشد الحرية والكرامة, ويجب ان لا تلتفت الى الانتكاسات مهما كبرت ويجب على الشعوب العربية ان تستمر في ضغطها على الاسلاميين الذين لديهم قدرات ومواهب هائلة على خطف التطلعات الديمقراطية للشعوب.