بقلم جويس كرم/
إلى حين صدور جميع النتائج الرسمية في الانتخابات العراقية البرلمانية الرابعة منذ سقوط نظام صدام حسين، هناك عنوان واحد لها هو فوز مقتدى الصدر وتياره، ليحمل باستثنائيته وتموضعه الداخلي والإقليمي حقبة مختلفة للعراق.
فازت لائحة الصدر (44 عاما) “سائرون” بـ 45 مقعدا بحسب النتائج الأولية التي نقلتها “الحرة”، أي 16 في المئة من حصص البرلمان فيما منافسه الأول أي لائحة الفتح فازت بـ 13 في المئة من المقاعد. يعكس الفوز، الذي لم تتوقعه الإحصاءات، نجاح الرسالة الشعبوية التي خاض فيها الصدر حملته وقد تؤسس لمفاجآت أخرى في بوصلة العراق الداخلية والخارجية.
سيكون شكل الحكومة المقبلة من أهم مفاصل الحياة السياسية في تاريخ العراق الحديث
جرائم جيش المهدي ووحشيته في أوج الحرب المذهبية لن تنسى؛ إنما نجاح الصدر جاء بسبب التحول في وجهة تياره داخليا وإقليميا في السنوات الأخيرة وتخطيه تدريجيا تلك المرحلة. فداخليا، وبعد معارك عسكرية خاضها الصدر بداية ضد إياد علاوي ثم نوري المالكي ثم عاد ليتحالف مع علاوي لإسقاط المالكي، أعاد تركيزه على قاعدته الشعبية ومحاولة تأسيس حركة وطنية أكبر من الزعامات المرحلية في العراق. فمنذ 2014 أعاد التيار الصدري تركيزه على الورقة الاقتصادية، وقاد في 2016 التظاهرات المليونية ضد الفساد داخلا المنطقة الخضراء ومخاطبا العراقيين بنبرة وطنية جامعة تنقلب على الطبقة السياسية الحاكمة.
وتلك هي اللحظة التي أسست لفوزه اليوم، مستفيدا من تحالف مع شيوعيين وعلمانيين، ومن تصالحه مع السنة ومحاربته “داعش” وانضباط داخل قاعدته الانتخابية.
اقرأ للكاتبة أيضا: حرب أكثر من باردة بين روسيا وأميركا
إقليميا، استمر الصدر بهذه الاستقلالية، يرفض التدخل الخارجي سواء كان من إيران أو أميركا أو غيرهما، وينفتح على دول عربية مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة التي زارها العام الفائت. وبخلاف الطقم السياسي العراقي وحتى العربي، لدى الصدر جرأة سياسية جعلته يدعو بشار الأسد للتنحي بعد مجزرة خان شيخون الكيميائية العام الفائت، وينبذ ديكتاتورية البعث التي قتلت والده وأعز أقاربه.
بالنسبة للأميركيين، مقتدى الصدر كان خارجا عن القانون ومتمردا بعد سقوط صدام. أما اليوم فهناك براغماتية تحيط بالرجل وانفتاح قد يساعد العراق في جهود إعادة الإعمار التي ستبلغ تكلفتها ما لا يقل عن 80 مليار دولار.
قد يلجأ الصدر إلى اختيار اسم من تيار آخر أو شخصية مستقلة لفتح صفحة جديدة
ولذلك سيكون شكل الحكومة المقبلة من أهم مفاصل الحياة السياسية في تاريخ العراق الحديث؛ إما لمساعدة بغداد للانتقال نحو خط أكثر استقلالية وحداثة أو الغرق بمستنقع ميليشياوي مرتهن لدول خارجية. لا نعرف بعد شكل التحالفات عدا عن أن الصدر قال إنه يريد حكومة تكنوقراط، وغرد بأسماء تكتلات قد تتحالف معه بينها “الحكمة”، و”تيار النصر” الذي يقوده حيدر العبادي وائتلاف “الوطنية” الذي يقوده علاوي وغيرهم.
اقرأ للكاتبة أيضا: تصعيد أميركي مرتقب ضد إيران
اللافت كان من لم يذكره الصدر في تغريدته. وأبرز هؤلاء، الحشد الشعبي والمالكي أي الحلفاء الأقرب لإيران. وفيما قد تغير الاستشارات الكثير من مجريات الأمور في العراق كما حصل في 2010، حين فاز علاوي بأكبر عدد من الأصوات إنما نجح المالكي في ترؤس الحكومة بسبب التحالف الانتخابي، فإن الصدر سيسعى إلى عدم تكرار هذه التجربة اليوم.
ومن السيناريوهات المرجحة عراقيا إعادة تكليف حيدر العبادي بسبب حضوره البرلماني وأيضا الدولي واعتداله في القضايا السياسية والاقتصادية. إنما قد يلجأ الصدر أيضا إلى اختيار اسم من تيار آخر أو شخصية مستقلة، لفتح صفحة جديدة.
الخيارات كثيرة في مرحلة تشكيل الحكومة العراقية إنما معظم الأوراق هي بحوزة مقتدى الصدر لشق طريق أكثر استقلالية وحيادية للعراق. فهل ينجح في ذلك حفيد جبل عامل؟ أم هل تقوى المحاصصات الدولية والتفتت الداخلي على القرار العراقي؟ الجواب في شكل وبرنامج الحكومة المقبلة والتي لن يشارك فيها الصدر شخصيا إنما ستحيطها عباءته.
شبكة الشرق الأوسط للإرسال