طلال عبدالله الخوري 28\10\2012 حصريا مفكر حر
هناك معايير كثيرة تستخدم لتمييز الدول المتحضرة من الدول المتخلفة, منها على سبيل المثال لا الحصر مستوى دخل الفرد, العدالة والحرية وحقوق الانسان, حيث تكون قيم هذه المعايير عالية جداً بالدول الراقية, بينما تكون قيمتها متدنية جداُ في البلدان الهمجية ذات الأنظمة الإستبدادية والإرهابية.
في هذا المقال سنتطرق الى معيار جديد لتقييم مستوى تحضر البلد وهو مبادئ فلسفة الحكم, حيث نلاحظ بأن فلسفة الحكم بالدول المتحضرة تقوم على تعاريف محددة وواضحة وراسخة بالداساتير والقوانين, ومن خلال البرامج الانتخابية لكل حزب من الاحزاب السياسية ضمن كل بلد, وتكون هذه الفلسفة في الحكم معروفة ومفهومة للجميع, وتحظى على قبول ومباركة الجميع من خلال الانتخابات الديمقراطية.
اما في البلدان الهمجية, فيكون مبدأ الفلسفة المحددة والمفاهيم الواضحة تضر بالنظام الحاكم الفاسد, لذلك تلجأ الأنظمة الفاسدة بتكليف فقهاء النظام بإختراع مبادئ فلسفية ونظريات غير محددة وحمالة اوجه ومفاهيم عمومية واسعة فضفاضة , يمكن تدويرها وتلبيسها بأي معنى يريده الحاكم, وذلك حسب الظروف والزمان والمكان, ويتم تبني هذه الفلسفة والمفاهيم المبهمة بحيث يعتبر الخوض فيها من التابوهات والمحرمات على عامة الشعب, وتسند مهمة التفسير بشكل حصري لفقهاء النظام وترزية دساتيره, ويقومون بلوي عنق الكلمات والتي هي بالاصل حمالة اوجه, بحيث تتلائم مع مصلحة أولياء نعمهم من الطغاة والمستبدين.
في هذه المقالة سنقوم باستعراض بعض هذه المفاهيم والنظريات الغامضة والتي تبنتها الانظمة الشمولية في فترات تاريخية مختلفة وضمن دول واماكن مختلفة, وسننهي المقالة بأخر ما توصل اليه النظام الحاكم بالسعودية من هذه المفاهيم العمومية الغامضة والتي كانت السبب وراء كتابة هذه المقالة.
اولاُ: الشريعة الاسلامية:
ونكتفي هنا بقول علي بن ابي طالب (رض): بان القرآن حمال اوجه ولا يمكن اتخاذه حكما بأي مشكلة سياسة او اجتماعية, حيث تعتبر الشريعة الاسلامية الحمالة للاوجه من اكثر الشرائع التي تم استخدامها واستغلالها لمساعدة الحكام المسلمين الفاسدين في التحكم بشعوبهم واستعبادهم, على مدى اكثر من 1400 عام, منذ عهد الخلفاء الراشدين الى الامويين والعباسيين والعثمانيين مرورا بصدام حسين ومبارك والاسد الاب والابن, وملوك السعودية والاردن والقذافي…الخ من هؤلاء الطغاة من دون ان نستثني الجيل الجديد من الحكام العرب والتي افرزتها ثورات الربيع العربي.
لقد وصل الاخوان المسلمون للحكم بمصر وهم يستميتون, الآن, من اجل إدخال الشريعة الاسلامية في كل مواد الدستور وذلك لكي يستغلوا ميزة ان الشريعة حمالة اوجه لكي تساعدهم بتثبيت حكمهم للبلاد ربما الى الأبد.
من هنا نرى بأن حكم الشريعة الاسلامية اصبح عملياُ وكما نلمسه على ارض الواقع هو كالتالي: ان كل من يعترض على الحاكم الموجود بالسلطة يعتبر كافرا بالشريعة ومشركاُ بالله, وما عدى ذلك فيمكن التساهل به والإجتهاد بإيجاد فتوى له.
ثانيا: مفهوم عدو الشعب
تم اختراع هذا المفهوم خلال الحكم الشيوعي بالاتحاد السوفياتي المنهار, ولا احد يعرف حتى الأن معنى محدد له وكيف يمكن لاي إنسان أن يكون عدواُ للشعب؟
من اشهر الناس الذين تم اتهامهم بجرم العداوة للشعب هو الموسيقار الروسي سيرجي بروكوفييف, مؤلف موسيقى”روميو وجولييت”, حيث قام الطاغية جوزف ستالين باتهام الموسيقار سيرجي بروكوفييف بأنه عدو للشعب, والسبب انه قام بتأليف موسيقى صعبة على الشعب, فاعتبر ستالين بان هذه الموسيقى الحزينة التي يؤلفها بروكوفييف هي شتيمة لستالين وتعني بان بروكوفييف غير مسرور بحكمه, وهكذا كان يفهمها الناس بان هذه الموسيقى هي تعبير عن رفض حكم ستالين من خلال الموسيقى؟ وكان بروكوفييف يصيح غاضباً: أنا من الشعب فكيف اكون عدواُ للشعب؟؟
من هنا نرى بأن مصطلح جريمة “عدو الشعب” هو مماثل لاتهام الكفر عند الحكام المسلمين, اي كافر بشريعة الشيوعية كل من يعترض على الحاكم الموجود بالسلطة.
ثالثاُ: نظرية المؤامرة, ومن اشهر من استخدم هذه النظرية ادولف هتلر عندما اعتبر اوروبا واليهود يتآمرون على الشعب الالماني من اجل تدميره, ولذلك يجب محاربة اوروبا وإبادة اليهود.
استخدم المسلمون أيضا نظرية المؤامرة , عندما حملوا سبب الفرقة والقتال بين المسلمين على كاهل شخصية يهودية وهمية هو عبدالله ابن سبأ حيث تم اتهامه على أنه مشعل الاضطرابات والاحتجاجات ضد الخليفة الثالث عثمان بن عفان.
ومن الصدف بأن بشار الأسد يستخدم نفس نظرية المؤامرة اياها ويدعي بأن هناك مؤامرة كونية ضد حكمه, ومن النظريات التي تفتأت لها قريحة منظري السياسة عند عائلة الأسد هي نظرية المقاومة والممانعة ضد اميركا والغرب والامبريالية والصهيونية, مع العلم بانهم يستثمرون كل ثرواتهم التي نهبوها ببلدان وبنوك الغرب.
رابعاُ: مفهوم الفتنة: وهذا المصطلح هو فضفاض وعريض بحيث أصبح سلاحاُ فعالاُ يشهره اي رجل دين من وعاظ السلاطين ومن هم بالسلطة ضد اي معارض لحكمهم او أي شئ يمكن ان يزعجهم ويقض مضاجعهم, مع العلم بان لا احد يستطيع تحديد معناُ وضحا له؟
الفتنة لغويا هو من فعل فتن, فالمرأة الجميلة والمال والسلطة يمكن ان تفتن الرجل بحيث تجعله يقوم بأفعال غير محترمة.
وبالتراث الاسلامي يتم لعن مثيري الفتنة, حيث يقال: ان الفتنة نائمة لعن الله من ايقظها؟
ولكي نفهم إشكاليات مفهوم الفتنة سنستعرض بعض المواقف التي تم استخدمها به :
قام وعاظ السلاطين والحكومة المصرية ابان حكم حسني مبارك بأتهام شباب الثورة المصرية بأنهم يشعلون الفتنة لمجرد انهم طالبوا بالحرية والكرامة, وكذلك الامر ايضا مع حكم القذافي في ليبيا, وبشار الاسد في سوريا وصالح في اليمن وملك البحرين مع شعبه, حيث ان هؤلاء الحكام اتهموا ايضا شعبوهم الثائرة للمطالبة بالحرية والكرامة بانهم يشعلون الفتنة؟؟
لقد تم الضغط على الاقباط بمصر لكي يتنازلوا عن المطالبة بالقصاص من مفجرين كنائسهم وقاتلين ابنائهم وخاطفي بناتهم القاصرات بدعوى عدم اثارة الفتنة, فهل هناك من يستطيع تحديد معنى الفتنة هنا؟ ببساطة ما ارادوا ان يقولوه للاقباط بانه عليكم بالسكوت والا سنقتل منكم اكثر واكثر في كلتا الحالتين ان سكتم او لم تسكتوا سنقتل منكم وعليكم ان تدفنوا قتلاكم وانتم صامتين لكي لا تثيروا الفتنة؟
قام حزب الله باغتيال رفيق الحريري وجبران تويني والكثير من افضل رجال لبنان كان اخرها اغتيال اللواء حسام الحسن الذي كشف عدة عمليات ارهابية كان يخطط لها حزب الله والنظام السوري ضد الناس الامنين بلبنان, وعندما حاول بعض احرار لبنان بمجرد المطالبة بادانة حزب الله تم اسكاتهم بدعوى عدم ايقاظ الفتنة؟ اي بكلام اخر يجب ان ترضى ان تعيش كالغنمة تحت تسلط جبروت النظام السوري وحزب الله, واذا نبست بكلمة فسيتم اتهامك بانك تثير الفتنة؟
والآن نصل الى السبب المباشر الذي دفعني لكتابة هذا المقال, بعد ان تقاعست لزمن عن كتابته مع انه قد اختمر برأسي منذ مدة, وهو اني قرأت بالصحافة اليوم: بأن ملك السعودية عبدالله خادم الحرمين الشريفين قال بخطبة عيد الاضحى, ونقتبس: “إن الفتن تحيط بنا من كل جانب ولا رادع لها إلا بالتوكل على الله والوقوف في وجه كل من تسول له نفسه أن يعبث بأمن ووحدة وسيادة بلادنا، لذلك علينا أن نكون على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقنا”.
ونحن نريد ان نعرف ماذا يقصد خادم الحرمين بالفتنة؟ لأن هذا يذكرنا بالقذافي وبشار الاسد وحسني مبارك وصالح والذين استخدموا نفس المصطلح الفضفاض وهو الفتنة؟
واضاف خادم الحرمين ونقتبس: «من مكاني هذا، وبجوار بيت الله الحرام، أطالب هيئة الأمم المتحدة بمشروع يُدين أية دولة أو مجموعة تتعرض للأديان السماوية والأنبياء وهذا واجب علينا وعلى كل مسلم تجاه الذود عن حياض ديننا الإسلامي والدفاع عن رسل الحق».
طبعا كلام خادم الحرمين هو كلام فارغ وللإستهلاك المحلي فقط, اما في الغرف المغلقة وفي المباحثات الرسمية فلن يقول مثل هذا الهراء لانه يعرف بان هناك اديان غير سماوية, فلماذا يتم التمييز لصالح الاديان السماوية, وهو يعرف بان هذا التمييز لن يقبل به احد!
وقال الملك عبدالله ايضا ونقتبس: “إن الحوار تعزيز للاعتدال والوسطية، والقضاء على أسباب النزاع والتطرف”
وتعليقنا: ما معنى الوسطية والاعتدال؟ مرة اخرى يلجأ الملك عبدالله الى المفاهيم المبهمة والغير محددة او واضحة وهي مجرد هراء وللإستهلاك المحلي فقط لا غير.
من هذا البحث نستنتج بأن هناك معيار جديد لتحديد الدول المتحضرة وتمييزها عن الدول الهمجية المتخلفة وهي ان في الدول المتحضرة تكون مبادئ الحكم واضحة وموثقة بدساتير وقوانين وبرامج انتخابية, بينما في الدول المتخلفة ذات الانظمة الفاسدة فأنهم يلجأون الى اختراع مصطلحات ومفاهيم فضفاضة تقبل التأويل ويمكن تحميلها اوجه مختلفة ويجعلون من هذه المفاهيم تابوهات ومحرمات لمنع المواطنين من الخوض بها, وبناءا على ما سبق فاننا نقول بان كل سياسي او رجل دين,
يرفع نظرية المؤامرة
او نظرية الممانعة والنضال ضد الامبريالية واميركا والغرب واسرائيل
او نظرية الفتنة
او نظرية الوسطية
او نظرية الدفاع عن الدين والأنبياء
هو كاذب رخيص وفاسد, ولقد حان وقت لاسقاطه, بواسطة الشباب الثائر المطالب بالحرية والكرامة, لأن عصر العزل والخوف والخنوع قد ولى ونحن نعيش بعالم مفتوح بفضل التكنولوجيا الحديثة والتي سمحت للعالم بالتواصل فيما بينهم وكأنهم يقطنون بقرية صغيرة.