حدثني صديقي مجتبى عن همومه المتعلقة براتبه البائس, الذي بالكاد يوصله لثلثي الشهر, ويبقى ثلث عليه أن يسده بالديون, وتكلم عن عزمه أن يصبح سائق أجرة في الوقت ما بعد الدوام, فهو يرفض الرشاوى والمال الحرام, وهي الحالة التي تنتشر في دوائر الدولة, بسبب الإجحاف في الرواتب, فيتم دفع الموظف الضعيف لارتكاب الجريمة, أما من عاش على الأخلاق السامية, فيبدأ بالبحث عن عمل أخر يسد به التزامات عائلته.
بالمقابل هنالك وزارات وهيئات يستلم موظفيها رواتب خرافية, وبعيدة عن أي منطق, فموظفي الأمانة العامة لرئاسة الوزراء وموظفي البرلمان وموظفي السفارات وموظفي البنك المركزي وموظفي النفط, كل هؤلاء هم المدللين في العراق, فيستلمون رواتب ثلاث أو أربع أو خمس إضعاف ما يستلمه الموظف المسكين, في وزارات التجارة أو التربية أو التعليم أو الزراعة أو الصناعة, انه التشريع الظالم الذي خلق فجوة في نسيج المجتمع العراقي.
● الطبقة الحاكمة هي من أسست الطبقية
عمد نظام الحكم في العراق الى تأسيس الطبقية بين الموظفين, بخطة شيطانية خبيثة, عبر:
أولا: عبر التفاوت الهائل بين رواتب موظفي الدولة العراقية, مثلا موظف الدرجة السادسة يستلم ستمائة إلف دينار تقريبا في التربية والزراعة والتجارة والتعليم والصناعة والعمل والأعمار, بالمقابل موظف أخر من نفس الدرجة لكن موظف في أمانة رئاسة الوزراء أو في البرلمان أو في البنك المركزي أو في السفارات أو في النفط أو في الخارجية, فانه يستلم ما لا يقل عن مليونان دينار! بمجوع المخصصات الخاصة بهذه الكيانات المدللة, مما جعل طبقة من الموظفين مرفهة وطبقات أخرى تحت عسر شديد, فخزينة الدولة تعطي للبعض وتبخل على البعض الأخر وفق تشريعات باطلة.
ثانيا: توزيع قطع أراضي لموظفي بعض الكيانات المدللة, ومنع باقي العراقيين من استلام حتى متر واحد, مما جعل الموظف المسكين يحس بالغبن والظلم, وان من يحكم ومن يشرع لا يسعى للعدل, ولا يقوم بدوره المطلوب منه, وهو تنظيم حياة الناس على أساس العدل, بل يفسد في الأرض!
ثالثا: الايفادات فقط لموظفي الكيانات المدللة, وهي عبارة عن سياحة بعنوان أيفاد مع هدر للمال العام, فما معنى شخص من وزارة النفط يذهب لروسيا شهرا كاملا ويعود وبجيبه أربعة مليون دينار, انظر لحجم النهب الذي يمارس من قبل الكيانات المدللة, بالمقابل ممنوع منعا باتا على موظفي الوزارات “المغضوب عليها” أي إيفاد, الايفادات فقط لطبقة معينة رسمها المشرع والحاكم لتدمير نسيج المجتمع, انه ظلم غير مسبوق أوجدته الطبقة الحاكمة في العراق.
رابعا: هنالك كيانات موظفيها يداومون يوم ثم يومين أو ثلاث عطلة, بالمقابل على موظفي الوزارات المسكينة أن يلتزموا بالدوام يوميا والى الساعة الثالثة عصرا, فانظر لحجم التفاوت والظلم في مؤسسات الدولة العراقية.
● إصلاحات ألعبادي وعملية سحق المواطن
ثم جاءت إصلاحات ألعبادي والتي هي عبارة عن زيادة في الاستقطاعات من رواتب الموظفين, لتزيد الضغط على الطبقة المسحوقة فقط, هذه الزيادة كان تاثيرها مرعبا على موظفي الوزارات المغضوب عليها, إما موظفي الوزارات والكيانات المدللة فلا تأثير, فتخيل معي (استقطاع ال 3.8 ) كيف يؤثر بشدة على الستمائة إلف دينار, ثم تصور تأثيره الطفيف على راتب يبلغ الملونان دينار.
أي أن عملية الإصلاح التي قام بها ألعبادي غير عادلة بل هي ظالمة, فالمساواة في الاستقطاع هو عين الظلم هنا, كان يجب أن تكون النسب حسب حجم الراتب وليس المساواة بين الكل, مما اوجد ضغوطات كبيرة على طبقة واسعة من المجتمع, بالمقابل الطبقة المدللة من الموظفين فإنها بعيدة عن أي تأثيرات لإصلاحات ألعبادي البائسة.
ننتظر أن يكون الفريق الاقتصادي المرافق للعبادي أكثر حكمة ورحمة بعباد الله, فصرخة المظلومة تخترق السماوات.
● انه أمر دبر بليل
أن ما يجري من فتنة التفاوت في الرواتب ليس من الصدف, بل أمر ممنهج وبإصرار شديد على تنفيذه, والهدف خلق فئة موالية للسلطة لان منافعها مرتبطة ببقاء السلطة, مع سحق باقي المجتمع كي يصبح مجتمع داجن أو اقرب شيء للعبيد ينفذ ويستلم ” الملاليم”, وعليه أن يعيش بها, فيصبح المواطن في دوامة تمنعه من التفكير في التغيير, بل يركض وراء لقمة العيش الى أن يسكت قلبه ويموت, وتتخلص منه السلطة باعتباره موظف مات وانتهت خدمته لها.
● المطلوب
على المنابر الدينية والإعلامية أن ترفع الصوت بهذا الموضوع, وتطالب بتحقيق العدل بين رواتب الموظفين, فالسكوت عن الظلم مشاركه به.
وعلى مؤسسات المجتمع المدني أن تضع برامج وخطط, للضغط على الحكومة, بغية تقليل الفروقات بين رواتب الموظفين وإلا فهي مقصرة في مسؤوليتها.
وعلى الأحزاب الشريفة ” أن وجدت” أن تضع في برامجها قضية القضاء على تفاوت رواتب الدولة.
وعلى الأعلام والفضائيات التركيز على القضية وجعلها محور أساسي الى أن يحصل العدل ويتم حل الفتنة.
لو تحقق المطلوب لاختفى الظلم من بلدي.