ليونيد بيرشيدسكي
وجهت محكمة في لاهاي ضربة للاقتصاد الروسي تتخطى كل العقوبات المتعلقة بأوكرانيا مجتمعة. قضت المحكمة الدائمة للتحكيم بأن على روسيا دفع 50.02 مليار دولار للمساهمين السابقين بشركة «يوكوس» للنفط، التي جرى تفكيكها بواسطة حكومة الرئيس بوتين عام 2004. يذكر الحكم بأن بوتين لم يكن مختلفا قبل عقد من الزمن عن الرجل الذي ضم حديثا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، ويستمر في إثارة الاضطرابات الانفصالية في ذلك البلد.
هناك قدر من العدالة الخيالية في هذا القرار. رغم نشره قبل أيام، جرى تسليمه في هولندا بعد يوم من إسقاط الطائرة الماليزية (الرحلة رقم «MH17»). وعلى ما يبدو، فإن متمردين موالين لروسيا في شرق أوكرانيا هم من قاموا بذلك.
ورغم أن الحكم لا علاقة له بجرأة بوتين الجيوسياسية، فإنه يعاقب الزعيم الروسي على نهج عدواني على غرار السياسة الداخلية، خلال الفترتين الأولى والثانية اللتين قضاهما في السلطة من عام 2000 وحتى 2008. وفي الواقع، فإن المحكمة التي أنشئت لحل النزاعات الدولية بعثت برسالة لبوتين مفادها أنه في العالم الحديث لا يمكنك الاستيلاء على الممتلكات دون تعويض أصحابها.
فبعد أن تسلم السلطة في عام 2000 من سلفه المريض، بوريس يلتسين، كافح بوتين لإظهار أنه هو المسؤول. وكانت قلة من المليارديرات تعد أقوى من الكرملين إبان حكم يلتسين. وبحلول خريف عام 2003، أصبح لبوتين اليد العليا. فسجن ميخائيل خودوركوفسكي أكثر الروس ثراء في ذلك الوقت ومؤسس شركة «يوكوس»، أكبر شركة نفط في روسيا وقتها، إثر تهم تتعلق بالضرائب إلى حد بعيد. وكان يمكن أن يواجه هؤلاء الأفراد اتهامات مماثلة، ولكن سجن خودوركوفسكي جعلهم ينصاعون لبوتين، الذي اقتصر على أن يجعل من شخص واحد عبرة للجميع.
أخبرني الشهر الماضي خودوركوفسكي الذي يعيش حاليا في سويسرا، بعد أن أطلق بوتين سراحه على نحو غير متوقع في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بأن المحققين الروس غير الأكفاء فشلوا في الاستيلاء على ثروته الشخصية، مما أتاح له عندما كان في السجن بيع حصته في الشركة إلى بعض الشركاء. وظل المساهمون الجدد، بقيادة ليونيد نيفزلين شريك خودوركوفسكي، يخوضون معركة خاسرة مع الحكومة لوقت طويل. وباعت شركة «يوكوس» مثقلة بفواتير ضريبية تصل لمليارات الدولارات أصول استخراج النفط.
بينما كان خودوركوفسكي يخيط قفازات في معسكر السجن، واصل نيفزلين وبعض المديرين التنفيذيين السابقين بشركة «يوكوس» القضية في لاهاي، محتجين بأن الدولة الروسية قامت بمصادرة ممتلكاتها. واحتجت الحكومة الروسية في بداية الأمر بأن المحكمة ليس لها ولاية، وبعد ذلك بقولها إن «يوكوس» تعرضت للإفلاس بسبب فشلها في دفع الضرائب. وخلص المحكمون إلى أن شركة «يوكوس» لم تكن مثالية في دفع الضرائب، ولكن تلك الضرائب ليست سوى ذريعة لإفلاس الشركة، وإعادة توزيع أصولها.
تمثل عقوبة المحكمة التي وصلت إلى 50 مليار دولار نحو 2.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا. وتهدد العقوبات المتعلقة بأوكرانيا بخصم نحو 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الروسي. وحتى إذا وافق الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات أكثر صرامة، فلا يتوقع أن يكلفوا روسيا أكثر من 1.5 في المائة إضافية من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وعلى أي حال فإن مثل هذه التقديرات ليست إلا تخمينات مدروسة. وعلى النقيض، فإن حكم لاهاي بالعملة الصعبة، ومطلوب من روسيا سداده قبل الأول من يناير (كانون الثاني) من عام 2015. وتعهد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف باستئناف الحكم، ولكن إذا ظل هذا القرار نافذا، فإن الممتلكات الروسية في الخارج قد يجري الاستيلاء عليها لإرضاء المدعين.
في الواقع، ربما لم يفهم الروس حتى الآن، ولكن في نهاية المطاف سيكون عليهم أن يدفعوا ثمن مصادرات بوتين، وما قام بضمه. إن الأوهام من هذا القبيل لا تدوم إلى الأبد.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
نقلا عن الشرق الاوسط