حدثان يؤكدان غياب الضمير الإنساني وإنزلاق شعوب المنطقة العربية لهاوية التوحش وإنعدام الضمير وتعريتها من ” خير أمة أخرجت للناس”.
الأول وكما هزت قصة تعرية المرأة القبطية الشارع المصري والعربي وإن لم تحظى الحادثة بنفس ما قد تحظاه لو أن إمرأة مسلمة تعرضت لنفس الإنتهاك في أي من دول الأغلبية المسيحية؟ إلا أنها هزتني وأبكتني القصة بغض النظر عن العقيدة. فالتعرية ليست مجرد خلع ملابس بل هي عملية إغتصاب لحق مكتوب في كل الكتب السماوية حق الإحتشام وإخفاء العورة وحق إحترام الكرامة الإنسانية.
الشائعة التي أشعلت عواطف المسلمين من أهل القرية ليست بجديدة , وقد أصبحت وللأسف سيناريو يتكرر كل عدة شهور, بإشاعات مماثلة يروح ضحيتها بيوت أقباط وإفلات الجناة وجلسات صلح يحضرها رجال الدين من الطرفين، ليتباوسوا وكأن شيئا يحرق القلب لم يحدث. ويتم إجبار الأقباط بطريقة ما على قبول الصلح خوفا من إندلاع حرائق طائفية مماثلة يكونون فيها ضحية مرة اخرى؟
اللافت للنظر في الحادثة بطء تحرك الشرطة رغم علمها المسبق من أهل الضحية الذين قدموا بلاغ للشرطة بعد توزيع منشورات بنية اهل القرية القصاص منهم. وبرغم نفي الزوجة لأي علاقة بينها وبين الرجل المسيحي وبرغم إتهامها لزوجها بالتشهير بها بهدف التخلص من عبئهاالمادي حين يطلقها ورفضها طلبه أن تخلعه إلا ان الغوغاء أخذوا القانون بأيديهم بغض النظر عن أي حقائق.
ماحدث للسيدة يؤكد إختفاء أي تفكير منطقي وسيادة قانون الغاب.
وبرغم الخبر المنشور في إيلاف اليوم من أن أقوال الشهود الأقباط نفت تجريدها من ملابسها. بينما أبقت على عملية الحرق لسبعة من منازل الأقباط وبتكلفة ’تقدّر مبدئيا بثلاثمائة وخمسين ألف جنيه, بما يثير العديد من التساؤلات؟؟؟ هل هو خوف الشهود من عمليات إنتقام أخرى مماثلة.. هل إستطاعت الأجهزة الأمنية شراء ذممهم خوفا من فتنة طائفيه اكبر من تلك التي حدثت؟؟؟ هل هي بهدف تخفيف عقوبة المعتدين؟
كلها أسئلة مشروعة.. ولكن السؤال الأهم إلى متى تبقى الأقليات في المنطقة العربية ’معرّضة لمثل هذه الجرائم.. وكيف وصل الحال إلى ما هو عليه من حقد وكره للمختلف. أسئلة مشروعة يجب على فقهاء الدين الذين أثروا من خلال التحريض ونبش قصص التراث السلبية الإجابة وتحمل مسؤولية تحريضهم المبطن والعلني. التحريض الذي همّش القانون من خلال التبريرات الدينية سواء حقيقية أم ’مختلقة.
لا يمكن أن نعمل على سيادة القانون بدون العمل على محاسبة المعتدين محاسبة علنية وشفافة للإعتراف بما الذي دفعهم حقا للإعتداء بهذه الوحشية. التبرير بعلاقة السيدة المتزوجة بإبن هذه المرأة ليست السبب الوحيد بل هي حقد طائفي مكتوم ومؤجل سيحرق قلب مصر على أبنائها بغض النظر عن عقيدتهم.
الثانية – مقطع الفيديو للكفيل الكويتي الذي قام بتعرية العامل المصري والإعتداء عليه بالضرب والإهانة, وهو العمل اللاأخلاقي والذي يوجب العقاب عليه كجريمة الشروع بجريمة القتل. الفيديو المروع الذي أشعل غضب الكويتين أنفسهم, الذين أثبتو مرارا وتكرارا مواقفهم النبيلة في معاملة الفلسطينيين وغيرهم من الأقليات التي عملت ولا زالت تعمل في الكويت.
وأود التأكيد بأن سياسة وجوب الكفيل ليست قاصرة على دولة الكويت.. بل معمول بها في معظم الدول الخليجية؟؟ وللأسف الشديد تتعامل هذه الدول بفوقية وإستعلاء وإن تفاوتت حدته مع المقيمين “العرب” والعاملين من الدول الآسيوية الأخرى. ولا تستطيع هذه الدول أو مواطنيها إستيعاب بأن هنالك مصلحة متبادلة بين الطرفين. بينما كل قوانينها تقوم على التمييز وتبرير كل خروقات للقوانين الإنسانية من مواطنها.
وبرغم أن الشرطة الكويتية ألقت القبض على الرجل بعد ظهورها على الفيس بوك وإشتعال مواقع التواصل الإجتماعي رافضة تصرف الرجل إلا أنني أعتقد بأن إستمرار الحكومات الخليجية في تقنين هذا التمييز هو ما يدفع البعض من ضعيفي النفوس للتعامل بهذا الشكل المهين مع إنسان محتاج للعمل لسد رمق عائلته مهما بلغت الإهانات. وكفيل تخلى عن إنسانيته ’مشرعا حقه الفوقي الذي تحميه قوانين دولته.
كم أتمنى وآمل وأحلم أن يتم تغيير هذه القوانين كلها وإستقاء القيم الأخلاقية من القوانين العالمية للحقوق.
ومع تمنياتي تلك إلا أن كلا الحدثان ملآني بالإشتمئزاز لدرجة الغثيان والهلع أين وصل ضمير الإنسان العربي.
المصدر ايلاف