صلاح عيسى : المصري اليوم
حمدى رزق صحفى موهوب، وكاتب مقتدر يؤمن بأن الصحافة هى أساساً مهنة البحث عن الحقيقة والسعى لنشرها.. وكتابه – الذى صدر هذه الأيام عن دار نهضة مصر بعنوان «فتح مصر.. وثائق التمكين الإخوانية»، هو الكتاب المناسب فى الوقت المناسب لحاجة القراء إليه، ليس فقط لأنه أحد أهم المصادر التى تمكنه من التوصل إلى إجابة صحيحة للسؤال الذى يشغل الجميع: هى مصر رايحة على فين؟.. وهى إجابة خلاصتها أن خطة التمكين الإخوانية، سوف تقود مصر، إلى إقامة نظام استبدادى فاشى معاد للحريات، يحكم بالحديد والنار وبالمشانق والمنافى والسيف والنطع.. ولكن، كذلك لأن ما يضمه الكتاب بين دفتيه من وثائق وما رصده من حقائق يكشف عن أن خطة التمكين قد بدأت توضع موضع التطبيق منذ وصل الإخوان المسلمون إلى السلطة وأن بركاتها لن تتأخر عن المصريين كثيراً.
والأصل التاريخى لمرحلة «التمكين» فى الأدبيات الإخوانية، هو «رسالة التعاليم منّى لإخوان الكتائب»، التى كتبها المرشد المؤسس حسن البنا، فى منتصف الأربعينيات، وكانت توزع سراً على أفراد الكتائب، وهى أشبه بـ«مدرسة الكادر» فى الهرم التنظيمى للجماعة، وفيها حدد «البنا» ثلاث مراحل للدعوة، تبدأ بمرحلة التعريف التى تقتصر على نشر الفكرة العامة بين الناس، عن طريق الوعظ والإرشاد وإقامة الجمعيات والمشروعات الخيرية، تليها مرحلة «التكوين» باستخلاص العناصر الصالحة للقيادة وتحمل أعباء الجهاد، وتنظيمها فى كتائب، ونظام الدعوة فى هذا الطور صوفى بحت من الناحية الروحية، وعسكرى بحت من الناحية العملية، والدعوة خلالها خاصة لا يتصل بها إلا من استعد استعداداً حقيقياً لتحمل أعباء جهاد طويل، أول بوادره هو الاستعداد لكمال الطاعة بلا تردد ولا مراجعة ولا شك، أما الطور الثالث فهو طور التنفيذ، والدعوة فيه جهاد لا هوادة فيه وامتحان وابتلاء لا يصبر عليهما إلا الصادقون.
وفى عام ١٩٩٢ ألقى مكرم محمد أحمد، رئيس تحرير المصور، أمام حمدى رزق جوالاً من الأوراق، يضم محاضر تحقيقات النيابة فى قضية «سلسبيل»، وهى شركة للحاسبات الإلكترونية، وكان يملكها قطبا الجماعة «خيرت الشاطر» و«حسن مالك»، تبيَّن أنها كانت تخزن أوراق الإخوان ووثائقهم السرية على أجهزتها.. ومن بين آلاف الأوراق التى كان يضمها هذا الجوال، استخلص حمدى رزق وثيقة تكشف عن محاولة لتحديث أفكار حسن البنا التى وردت فى «رسالة التعاليم» فى ضوء التطورات التى لحقت بالأوضاع الاجتماعية والسياسية فى مصر، وبأوضاع الجماعة نفسها، خلال نصف القرن الذى فصل بين التاريخين.
وكان من بين عناوين هذه الوثائق، وثيقة بعنوان «نحن جماعة جهادية» وأخرى بعنوان «استحضار النية» وتقرير عن اجتماع المؤتمر السادس للتنظيم الدولى للإخوان المسلمين الذى انعقد بإسطنبول بتركيا عقب حرب الخليج الثانية.. ووثيقة معنونة بـ«الرؤية المستقبلية والخطط الاستراتيجية»، تتضمن خطوطاً لخطة يستغرق تنفيذها ١٢ عاماً، يتحقق فى نهايتها «التكليف الشرعى» الباعث على تأسيس الجماعة!
وكان من بين هذه الوثائق، كذلك، وثيقة بعنوان «خطة التمكين» تقع فى ١٣ صفحة «فولسكاب»، تقوم على ثلاث مراحل وتبدأ بنشر كوادر الجماعة فى خلايا الدولة ومفاصلها الحيوية، وزرعهم فى كل المواقع الرئيسية، وخاصة الجيش والشرطة والقضاء والإعلام، ليقوم هؤلاء الرجال فى المرحلة الثانية بزرع أفكار الجماعة، لتهيئ هذه الأوضاع الظروف الملائمة أمام وضع دستور يفتح الباب واسعاً لحزمة من القوانين تعبّد الطريق إلى التمكين الكامل!
وفى عام ٢٠٠٥ حصل حمدى رزق على وثيقة مهمة، زوده بها أحد مصادره ذات الصلة الوثيقة بمكتب الإرشاد، ومع أنه كان يثق بدقة ما يزوده به المصدر من أخبار كثيرة ثبتت صحة معظمها من قبل، إلا أنه تشكك فى صحة الوثيقة، ليس فقط لأنها كانت تحمل توقيع خيرت الشاطر، النائب الثانى للمرشد العام، وتأشيرة بخط يده بالجهات التى توزع عليها، بل كذلك لخطورة ما ورد فيها، ففضلاً عن العنوان الذى يوحى بأن الجماعة جاءت لإدخال المصريين فى الإسلام، وكأنهم لم يدخلوا فيه منذ ١٥ قرناً، فإن الوثيقة التى تقع فى ثلاث صفحات «فولسكاب» تحدد ملامح المرحلة الأولى لخطة فتح مصر، التى تشمل الوصول بعدد الإخوان إلى ثلاثة ملايين عضو، مما يمكنهم من الاستئثار بمشاعر ٥٠٪ من المصريين، ويساعدهم إلى الدخول فى المرحلة الثانية، وتشمل خطوات من بينها السعى لإقامة علاقات مع الحزب الحاكم «أى الحزب الوطنى»، وشخصيات سياسية نافذة فى العمل السياسى، مع استخدام المسكنات والملاءمات مع الحكم، والعمل على تصفية قيادات الإسلام السياسى الآخرين، بالضم أو التفريغ أو الاحتواء، ليكون الإخوان الممثلين الوحيدين للإسلام وتنفى صلة الآخرين به، وتجريح المخالفين واتهامهم بالرشوة والفساد… إلخ، واكتفى حمدى رزق على سبيل اختبار المصداقية بنشر موجز سريع لها، فلما التزم الإخوان الصمت، أدرك أن النص صحيح، فنشره كاملاً على غلاف «المصور» فى ٢ ديسمبر ٢٠٠٥.
أما المهم فهو أن قراءة هذه الوثيقة وغيرها من الوثائق ذات الصلة بالموضوع، التى نشرها حمدى رزق عام ٢٠٠٥ وما قبله، لها طعم مختلف، عن قراءتها هذه الأيام، ليس فقط لأن صاحبها أضاف إليها تعليقات وإضافات وأسراراً، ولكن كذلك، لأن كثيراً مما ورد فيها يتحقق اليوم، ومن بينه أن جيش الصحابى «خيرت الشاطر بن العاص» أوشك بالفعل على أن ينجز غزوة فتح مصر، فى عهد مولانا أمير المؤمنين «محمد بن بديع بن الخطاب» رضى الله عنه!