لم يهتم كثيرون بالتصريحات الرسمية المصرية على لسان وزير الخارجية سامح شكري، التي صورها البعض على أنها إيجابية تجاه نظام بشار الأسد، ولم تثر الحساسية التي ربما كان البعض يتوقعها في بعض العواصم الخليجية، لماذا؟
ما هو تأثير التصريحات، وما الذي يمكن أن تضيفه، في وقت تتزاحم في أجواء سوريا عشرات الطائرات المقاتلة الروسية والأميركية وعلى أرضها آلاف الجنود والمرتزقة الإيرانيين؟ لا شيء على الإطلاق.
والحقيقة أن مصر اختارت، مبكرا، أن تبتعد عن الأزمة السورية منذ بداياتها قبل خمس سنوات، لأنها مشغولة بثورتها وتداعياتها الداخلية. ولأنها لا تتفق مع سياسة حلفائها في سوريا، فلا تقود عملية سياسية، ولا تمول المعارضة، ولا تدعم النظام وتسمح بدخول بعض المعارضة وتمنع بعضها، وتستخدم لغة دبلوماسية مطاطة. والقاهرة، تحت ثلاثة أنظمة حكم في خمس سنوات، أعلنت مرات عن حياديتها الذي تكرر تفسيرها، على أنها انحياز لنظام الأسد، منذ الحكم العسكري بعد قيام الثورة المصرية، وكذلك في فترة حكم الإخوان المسلمين، والآن في فترة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
ولعل أخطر المواقف كان في مطلع عام 2013 عندما استضاف الرئيس، حينها، محمد مرسي، رئيس إيران، أحمدي نجاد، الذي زار القاهرة كأول رئيس للثورة الإيرانية يطأ ترابها. وحتى تلك الخطوة تجاهلتها الحكومات الخليجية، مدركة أن علاقة الإخوان المسلمين في مصر وغزة بالإيرانيين عميقة ومتجذرة، وهي ترد الجميل لهم. وقد استمر محمد مرسي يقاوم الضغوط السعودية والقطرية ممتنعا عن اتخاذ موقف معاد للأسد، حليف طهران، إلى شهر يونيو (حزيران)، أي قبيل المظاهرات التي طالبت بعزله بثمانية عشر يوما، عندما حضر مؤتمرا مثلته جماعات إسلامية خليجية مضادة، وأخذ سياسة مضادة لدمشق، لكن الوقت كان متأخرا.
ومع أن البعض يعزو سياسة القاهرة هذه إلى أنها مضادة لكل ما هو «إخواني» أو حليف له، لكن الحقيقة هو موقف سابق لهذا كله. كما أن إخوان سوريا ليسوا مع إخوان مصر وغزة نتيجة الانقسام حول إيران. محمد فاروق طيفور، نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، قال إنه يرفض إلحاق حركته بهم «لسنا ملزمين بمنهج الإخوة في كل من مصر وفلسطين، ونحن في صراع عنيف مع الإيراني».
فقط الرئيس المصري الأسبق والمعزول، حسني مبارك كانت سياسته متشددة ضد نظامي طهران ودمشق، بشكل دام نحو ثلاثين عاما. أما الآن فيبدو أن سياسة القاهرة تفضل تقليص دورها الإقليمي، مكررة أنها تتمنى تقليص الحروب والفوضى في المنطقة. لكنها تبقى أمنية رومانسية، لأن الفتن لا تستمع «لصوت الحكمة وسط الركام». فالأضرار كبيرة على أمن مصر نفسها، أولا نتيجة الحرب الأهلية في ليبيا، وهي مصدر خطر مستمر وتكلف الخزينة مليارات الدولارات، في حين كان يمكن لمصر أن تعتبر ليبيا مسألة أمنية لها، وهي بالفعل كذلك، وتشارك في فرض حل عسكري بدعم سلطة مركزية. خطوة كهذه كان لها أن تقطع الطريق على المتدخلين الآخرين، وكانت ستضع مصر لاعبا مهما في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك للأمن الأوروبي. لكننا نتفهم رغبة القيادة المصرية في الابتعاد عن الأزمات ورغبتها في التركيز على الوضع الداخلي.
*نقلاً عن “الشرق الأوسط”