غزة… مرة اخرى… و استراتيجية تأمين الطاقة…

مالذي يجري في غزة… هل هي حرب جديدة.. ؟؟.. ربما تسمى هكذا و لكن ذلك هراء و هروب من مواجهة الحقيقة المرة… متى توقفت الحرب على الفلسطينيين منذ ان بدأت قبل عقود..؟؟.. الجديد في هذه المرة ان اسرائيل لعبت لعبة استدراج الفلسطيين بمسرحية شديدة السخافة من حيث الإخراج و الحبكة و السيناريو… لكن ما نجحت فيه اسرائيل فيه هو تفاعل الطرف الفلسطيني بشكل يثير الكثير من الأسئلة التي قد لا يجد حتى الأجيال المقبلة أجوبة لها اذا ظلت الثقافة السياسية العربية بهذا المستوى البائس الذي تتحكم فيه أقلام المثقفين و شاشات الفضائيات الذي اصبح عددها اكثر من عدد سكان البلاد العربية..

المسرحية الإسرائيلية بدأت برواية اختطاف ثلاثة شبان لم تستطع الماكنة الإعلامية الإسرائيلية إقناع احد بها فكان لابد من تصعيد الدراما فتم الإعلان عن إيجاد جثامينهم مدفونة في غابة لا يصل اليها احد…ثم حضر الرئيس و و مساعديه و أعضاء كل النخب و المطبلين و المتباكين و المنافقين…الخ.. لترسيخ صورة مظلومية بني اسرائيل التاريخية..

لكن النجاح في تمرير هذه الرواية كان ما يزال النجاح ضعيفا ان لم نقل غائبا… فالقضية كانت في أحسن ستسجل ضد مجهول لان لا احد اعترف و لا اي اية أسباب سياسية حقيقية كان يمكن فبركتها… حماس التي اتهمها الإسرائيلييون و بعض الاعلام العربي لم يكن واضحا ان لها اية مصلحة في القيام بمثل هذه العملية خاصة ان الشبان الاسرائيلين المقتولين لم يكونوا عسكريين… ثم ان عملية سياسية جديدة كانت قد بدأت توا و ان حماس كانت متحمسة لها خاصة انها كانت تعتبر مخرجا لعزلتها المطبقة إسرائيليا و مصريا…فلماذا تقوم بقتل أبرياء ليس لهم علاقة مباشرة بالهيمنة الإسرائيلية …؟؟..

امام هذا الفشل كان لابد من إيجاد حبكة جديدة لصنع عدو حقيقي فكان ان تم قتل شاب فلسطيني اما أنظار الناس… هنا بدأت تباشيرالنجاح بالظهور… الشباب الفلسطيني سيقوم بانتفاضة جديدة..ثالثة… و كالعادة وقع بعض العرب في فخ الدعاية الإسرائيلية و نسي الجميع ان الانتفاضة تحتاج الى دعم و لو غير مباشر من السلطة الفلسطينية… و هذا لن يحصل… و التقارب بين فتح و حماس الذي وقفت اسرائيل ضده بشكل مباشر ليس فيه اية فقرة تسمح بذلك..

و الفخ الاخر الذي وقع فيه العرب هو فخ الصواريخ التي تصل تل أبيب و محاولة اعادة انتاج تجربة حزب الله عام 2006… لاشك ان من حق حماس و الفلسطينيين عموما استلهام التجارب في المقاومة سواء كانت حرب فيتنام او جنوب لبنان او غيرها… لكن لكل شيء ظروفه و المشكلة ان الظروف لم تسنح للفلسطينيين أبداً ان يؤسسوا لتجربة ناجحة ضد الاحتلال… و لعل من اهم العوامل المساعدة التي تفتقدها حماس هو الدعم الخارجي المباشر و المكافئ للقوة الإسرائيلية…

و هكذا لم يبقى امام حماس و داعميهم من العرب سوى الصورة التقليدية للصوت العالي و ادعاء القوة و الانتصار…اما ما يثير الريبة حقاً في هذا الموضوع هو ان العرب …. بينما يهللون و يضخمون من شأن صواريخهم التي تتساقط بالمئات و ربما بالآلاف على مختلف المدن و القصبات في اسرائيل او فلسطين المحتلة … لم يستطيع احد منهم حتى ان يثبت ان كل هذه الصواريخ قد جرحت عصفورا مر بالصدفة هناك او نملة كانت تجمع الغذاء لأولادها..

في المقابل … هناك حقيقة لا يمكن إغفالها و هي انه كلما علا صوت العرب و كبرت ادعاءاتهم نزلت صواريخ حقيقية على منازل الفلسطينيين و قتلت و جرحت الكثيرين… و الأعداد في تزايد مستمر و باضطراد مع الصور التلفزيونية عن انطلاق صواريخ صوتية … لا تغني ولا تسمن و لا تفقر و لا تقتل و لا تجرح و لا تزيد و لا تنقص….. من غزة..على اسرائيل….

هذه حقيقة مؤلمة ( مع الاحترام و التقدير لكل الرغبات و الطموح )… اما الحقيقة الأكثر ايلاما من الناحية الاستراتيجية فهي الخشية من ان تحمل اسرائيل العرب مسؤولية توقف العمل في محطة ديمونا و تطالب بالتعويض ليس بالأموال فقط بل بأراضي تضمن صناعة الطاقة الإسرائيلية على المدى القادم من عشرات و ربما من مئات السنين…

هذا يربطنا بما يثيره بعض الباحثين ان حرب غزة الجديدة هي اقتصادية حيث تحاول اسرائيل الهيمنة على حقول النفط و الغازالمكتشفة قبالة السواحل اللبنانية و الفلسطينية و القبرصية… و هناك صراع دولي بدأ يتصاعد … تركيا و مصر و الاتحاد الاوروبي من اكثر الاطراف التي من الممكن ان تدخل بشكل مباشر.. و حرب سوريا التي ما تزال تمتد منذ سنوات هي أيضاً احد إرهاصات صراع الطاقة بين الاتحاد الأوربي و روسيا و الصين… و الذي ادخلت اوكرانيا فيه أيضاً …

لكن حتى نركز على الشرق الأوسط فانه لابد من التذكير ان ايران هي عامل مهم في كل أوجه هذا الصراع و العلاقات الإيرانية القطرية من جهة و المساعي السعودية لاستدراج مصر الى الخليج من ثانية يدخلان بشكل مباشر في الصراع على استراتيجية تأمين الطاقة ( الانتاج و السوق و طرق المرور)… و لعل الأحداث الدموية التي تجري في اكثر من مكان في الشرق الأوسط و اخرها ما يجري في غزة هي بعض آليات المفاوضات الجارية بين ايران ( و معها روسيا و الصين) و الولايات المتحدة و الاتحاد الاوروبي ( و معهما اسرائيل)…

اما العرب فانهم ما يزالون يلعبون في منطقة الفراغ… و الأصوات العالية ..بينما الفلسطينيون ما يزالون يدفعون ثمنا بالدم في كل لعبة يلعبها الآخرون…( لي مقالة سابقة بعنوان… غزة…دبلوماسية الدماء.. نشرت نهاية 2012)…حبي للجميع…

About اكرم هواس

د.اكرم هواس باحث متفرغ و كاتب من مدينة مندلي في العراق... درس هندسة المساحة و عمل في المؤسسة العامة للطرق و الجسور في بغداد...قدم الى الدنمارك نهاية سنة 1985 و هنا اتجه للدراسات السياسية التي لم يستطع دخولها في العراق لاسباب سياسية....حصل على شهادة الدكتوراه في سوسيولوجيا التنمية و العلاقات الدولية من جامعة البورغ . Aalborg University . في الدنمارك سنة 2000 و عمل فيها أستاذا ثم انتقل الى جامعة كوبنهاغن Copenhagen University و بعدها عمل باحثا في العديد من الجامعات و مراكز الدراسات و البحوث في دول مختلفة منها بعض دول الشرق الأوسط ..له مؤلفات عديدة باللغات الدنماركية و الإنكليزية و العربية ... من اهم مؤلفاته - الإسلام: نهاية الثنائيات و العودة الى الفرد المطلق', 2010 - The New Alliance: Turkey and Israel, in Uluslararasi Iliskiler Dergisi, Bind 2,Oplag 5–8, STRADIGMA Yayincilik, 2005 - Pan-Africnism and Pan-Arabism: Back to The Future?, in The making of the Africa-nation: Pan-Africanism and the African Renaissance, 2003 - The Modernization of Egypt: The Intellectuals' Role in Political Projects and Ideological Discourses, 2000 - The Kurds and the New World Order, 1993 - Grøn overlevelse?: en analyse af den anden udviklings implementerings muligheder i det eksisterende system, (et.al.), 1991
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.