اكرم هواس
لا اعرف كيف جمعت الاقدار بين نشر مقالتي السابقة عن مصر… الثورة و الحرب… و اندلاع ازمة غزة الجديدة المتجددة… حيث ان الازمة الجديدة اندلعت لحظات بعد نشر المقالة على موقع الحوار المتمدن ( المقالة نشرت فيما بعد في مواقع اخرى)…. في الحقيقة هذا التزامن بين نشر المقالة و اندلاع ازمة غزة لا يعني اي شيء الا اذا قرأنا في المقالة ما يمكن ان يوحي باندلاع الازمة… هنا نتحدث عن ثلاث عناصر مهمة و هي … حرب تحريك…اعادة بناء الهيكل المقدس… و بناء المجد على الجماجم…مع قاسم مشترك هو اسرائيل… و هذه العناصر تشكل طروحات هذه المقالة و التي من خلالها نحاول ان نناقش مأل ازمة غزة الدامية…بعد ان اعلن عن وقف اطلاق النار.. لكن قبل ان ابدأ لي ان اعرب عن اعتذاري المسبق لكل سيغضب مع حبي للجميع…
استراتيجية الحرب..
يمكننا ان نبدأ المناقشة بسؤال يبدو بسيطا و لكنه يلخص كل الدوافع و الاهداف و النتائح المحسوبة و غير المحسوبة…ماذا يمكن لاي حرب بين قوة عسكرية هائلة مثل اسرائيل و منظمة جهادية تستتند الى مجتمع صغير لا يمتلك اي مقومات للحياة حتى دون حرب ان تحقق..؟ هل تستطيع حماس و المنظمات الحليفة لها تحرير فلسطين… ام هل تستطيع اسرائيل الغاء غزة من الخارطة..؟؟ … لابد ان كلا الطرفين لهما خطط و طموحات لكن الواقع لا يدعم باي شكل تغييرات جوهرية بهذا العمق…هناك كلام ينتشر في اوساط بعض لمعارضين للنظام الجديد في مصر عن خطة اسرائيلية و بموافقة من حكم الاخوان و تمويل قطري بازاحة الغزيين و توطينهم في سيناء التي ستقضم من مصر و جعلها امارة اسلامية.. ربما… لكن هناك شيء اخر و هو ليس شيئا جديدا بل يعود الى ايام الفصل السياسي (2007) بين حكومة حماس التي كانت قد فازت قبل اكثر من سنة في الانتحابات التشريعية و موسسة الرئاسة القائمة في الضفة الغربية و التي بدورها تستند الى اعتراف اسرائيلي كونها تمتاز بميزتين مهمتين و هما البعد التاريخي و العقلانية السياسية التي تتمثل في دخول منظمة في حلبة الصراع السياسي مع اسرائيل و تركها الصراع العسكري…
في ذلك الوقت حينما اعلنت مؤسسة الرئاسة سحب الثقة من حكومة حماس ظهرت بوادر تورط مصري في التخطيط المستقلبي لادارة غزة اخذين بنظر الاعتبارقضيتين مهمتين اولهما الاشكالية اللوجستية في التواصل الجغرافي بين الضفة و غزة…و ثانيهما ان الحالة الثورية او الجهادية في هذه المنطقة المنعزلة و شديدة الكثافة السكانية كانت مستحيلة اللجم من قبل سلطات رام الله كما كانت عصية على اسرائيل نفسها مما دفع قوات الاحتلال في وقت سابق للانسحاب منها بشكل (تطوعي)… على هذا الاساس كانت حماس و منظماتها الحليفة قد بصمت من قبل ما يسمى بالمجتمع الدولي بالمنظمات الارهابية… و في هذا الوقت كانت لمصر جولات و صولات سابقة في مكافحة الارهاب… اي انها ناشطة و مدعومة دوليا بشكل كثيف كمركز ضد الارهاب الدولي (المؤتمرالدولي ضد الارهاب في شرم الشيخ 1996) ثم دعت هذا الوقت الى مؤتمر شرم الشيخ الرباعي (الرئيس مبارك- رئيس وزراء اسرائيل اولمرت و ملك الاردن عبدالله) … كما ان خطوط التواصل بينها (اي مصر) و قطاع غزة كانت قد توسعت اقتصاديا و سياسيا رغم الفوارق الواضحة بين الطرفين في الرؤى و المناهج… يومها كان واضحا بان امر غزة متروك لمصر..
اتصور ان الفكرة كانت تقوم على اساس اعادة غزة الى حكم مصر و ليس الى جعل سيناء وطنا بديلا للاهل غزة… لاننا ببساطة نعرف مدى قدسية الاراضي المصرية التي قال عنها الرئيس السادات … لن نتنازل عن شبر واحد من ارض مصر… فكيف يمكن توقع التنازل عن شبه قارة من اراضي مصر..؟؟… كما ان المصريين كانت لديهم خبرة طويلة و معرفة جيدة عن كيفية ادارة مسائل الارهاب…
الان هل يمكن تصور بان هذه السيناريو هي التي ستقام في النهاية.. من المؤكد انه من الصعب الجزم بذلك لكن الدلائل تشير الى ادماج مسألة غزة اكثر و اكثر في التطور السياسي في مصر و خاصة فيما يتعلق باعادة تنشيط الدور المصري عربيا و دوليا.. و في هذا ربط بين نقطتي الحرب التحريكية و اعادة الهيكل المقدس التي ذكرتهما في المقالة السابقة..
السؤال المهم… ما هي الميزات الجديدة في الدور المصري بعد الثورة… او مالذي لم يستطع نظام الرئيس مبارك القيام به و الذي يمكن للنظام الجديد ان يديره بفاعلية افضل او مختلف على الاقل..؟؟…لكن فلننظر قبل ذلك في الجانب الاخر من المشهد في هذه المعضلة الكبرى اي من ناحية وجهة نظر حماس… نتسائل…اذا كانت طموح اسرائيل و الرئاسة في رام الله هو التخلص من عبء غزة… فماذا عن طموح حماس و الجهاديين و الثوريين الاخريين..؟؟..
في هذا الاطارهناك مؤشرات عديدة تطل برأسها و لو بشكل خجل مؤداها ان الارث الجهادي و الثوري يبدو انه اصبح عبئا على حماس و المنظمات الاخرى… و من هذا المنطلق يمكن ان نقرأ زيارة امير قطر و ملايينه التي تستثمر في التنمية و التي جاءت قبل ايام قليلة من اندلاع الازمة الجديدة في غزة و في الحقيقة في ظل مؤشرات كثيرة من احتمال احتدام الصراع… لابد في هذه المناسبة ايضا ان نتذكر زيارة هذا الامير ( الشهم) الى جنوب لبنان بعد حرب 2006 و التي ساهمت في اعادة البناء و خلق استقرار ما يزال ساريا رغم صراع الكلمات و الخطابات بين حزب الله و اسرائيل… ( في مناسبة مقبلة سنكتب عن ما يبدو و كأنه ظاهرة قطرية).. المجتمع الغزاوي شهد تطورا رأسماليا حادا في السنوات حيث تراكمت الاموال و المصالح لدى طبقة صغيرة استطاعت ان تبني لنفسها خطوطا تجارية مع مصر و اسرائيل بينما تزداد الغالبية من اهل فقرا و يزداد احتقانها من القوانيين المحافظة او المسمى الاسلامية و التي تتناقض بشكل عمودي مع اهتمامات الشباب في الحرية و الموسيقى الغربية العبثية و جنون الموضة… نعم مثلهم مثل الكثير من الشباب في العالم… كل هذا وضع نظام حماس في مأزق شديد… و البحث عن مخرج يبدو اكثر منطقيا حتى و ان بدا هذا المخرج انسلاخا من الوعود التاريخية… اما تحرير فلسطين فامره متروك الى ارادة الله… التي ستحل يوما…
وسط هذا المأزق متعدد الابعاد فان دور مصر يبدو مخرجا للجميع….و ميزة النظام الجديد في مصر هي انه يلتقي في الكثير من الرؤى و الاستراتيجيات البعيدة مع حماس… فهو ايضا حكم اسلامي يهدف الى بناء دولة اسلامية عالمية و انه من اعظم الاعمال عند الله ان تكون حماس شريكا في انشاء نواة دولة الله على الارض مع الاخوان و الجماعات الاسلامية الاخرى… اما مصر… فان الحكومة فيها تواجه اسئلة جوهرية حول امكانياتها الفعلية لتغيير وضع الناس… فالفقر التاريخي قد تفاقم و زاد عليه اندحار النظم الامنية و الخدمية فانتشرت الفوضى و البطالة و تقليص الحريات…الخ.. في هذا الاطار كان هناك كلام عن الشروط و الشروط المقابلة لتوفير قرض بقيمة ملياري دولار من المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي و صندوق النقد الدولي التي تملك مصر خزينا مؤلما من الذكريات معها… الان و في خضم مساعي مصر لايجاد حل لازمة غزة لم تتصاعد فقط الكلمات التي تحمد حكمة الرئيس مرسي في الاعلام العالمي و انما ايضا هبطت (فجأة) اخبار قرض بقيمة خمسة مليارات على القاهرة..
الخروج من الازمة هو خروج الى تكريس الذات… و هذا هو ايضا خطوة مهمة نحو المجد و ان كان على جماجم من نحب…هذا ما تفعله الاطراف الاخرى…الاسرائليون الذين يريدون تجربة قبتهم الحديدية…و الايرانيين الذين يريدون تجرتبهم قدرة صواريخهم في اختراق المنظومات الاسرائيلية المختلفة…صانعو الاسلحة… من هنا و هناك… الذين يريدون تسويق اسلحتهم… الشيوخ و الامراء الذين يريدون ان يتصدقوا بشيء من اموالهم لعل الله يغفر لهم ذنوبهم المطرد مع ازدياد ملايين البترول جيوبهم كل يوم… الامريكان و الغرب… الذين يريدون ان يؤكدو هيمنتهم حتى لا يغفل عنها الغافلون…و الروس و الصينيون الباحثون عن الامجاد… هكذا.. و هذا ما يفعله المصريون.. اليوم كما في عهد مبارك…
مصر تغيرت و استعادت دورها العربي… مصر لم تتغير…فكرتان متناقضتان… مصر تغيرت داخليا… نحو الاحسن او الاسؤأ… هذا كلام اخر… اما خارجيا فانها لم تتغير كما توقع البعض و رغب اصحاب المشاريع القومية و الاسلامية و غيرهم …. بل ربما اعادت تعريف المشروع السابق (مصر اولا) و التي كان احد اهم ملامحه عربيا هو شرعنة التدخل الدموي الامريكي في العراق… هذا على ما قاله رجل يعرف الكثير من اسرار القصر… محمد حسنين هيكل… اما من لا يرضى او ربما يرضى فليس له سوى البكاء على الاطلال… و الاجساد المتناثرة…
مرثاة الضمير…!!
يقال ان اردوغان و زجته اجهشا بالبكاء من هول منظر الدماء المسفوحة في غزة… ربما… و لا اعتقد انها تماسيح كما يقال… اردوغان هو انسان.. قبله فعلها صدام حسين مرارا على شاشة التلفزيون اثناء الحرب العراقية الايرانية… تاريخيا يقال ان هارون الرشيد كان يفعلها مرارا.. و قبله فعلها يزيد بن معاوية و هو يستقبل رأس الحسين ابن علي بعد معركة الطف المشهورة في كربلاء… يزيد فعل ذلك رغم انه هو الذي امر بقتل الحسين… كما ان هارون الرشيد كان يفعلها رغم انه هو الذي يأمر بقتل معارضيه و سجنهم و جلدهم بهمجية…و هكذا فعلها صدام رغم انه كان يأمر بالفتك بمعارضيه و منهم الكثير من اهله كما انه بدأ الحرب على ايران و انه استخدم السلاح الكيمياوي ضد الايرانيين و ضد المواطنين الكرد في حلبجة… و هكذا ايضا يذرف اردوغان دموعه على جثث الاطفال المنتشرة على انقاض غزة رغم انه يساند المقاتلين في سوريا و الذين تحولت حربهم العبثية ضد النظام الى اكبر طاحنة لارواح مئات الالاف من السوريين… كما انه هو الذي يأمر جنوده بقتل الاكراد في تركيا و عبر الحدود داخل كردستان العراق …. كما انه ما لبث يعربد ليل نهار بانه سيحمي غزة.. و ها هو يرى ان اطفال غزة يدفعون ثمن شعبيته…سيد اردوغان… و مجده السياسي على الساحة الشرق-اوسطية…
الباحثون عن المجد لا يهمهم اسماء الضحايا و عناوينهم… عمرهم… جنسهم.. او درجة قرابتهم او حبهم… ما يهمهم هو دورهم… انهم يختارون اكثر الضحيا ايلاما لدى الضمائر… و اكثرهم وجعا لدى الناس… و اكثرهم صدى في الافاق… فالابطال لا يكونو ابطالا الا عندما يصرعون ابطالا… و اطفال غزة ليسوا اقل صوتا… و ليسوا اقل بطولة…فلماذا لا يبكي اردوغان…؟…هي فرصة العمر له…. كما كان ذلك عبر التاريخ….الذين قتلوا عمر بن عبد العزيز… و كانوا ايضا من اهله… لم يقتلوه لانه كان ظالما… بل لانه كان عادلا…هذا الدرس العظيم يعلمنا ان العدالة و السلطان لا يلتقيان… لم يستطع ان يجمعهما لا الضمير الانساني… كما يسمى هكذا…و لا الاديان…
سنتابع… أكرم هواس (مفكر حر)؟