قرر النظام السوري عودة مهرجان دمشق السينمائي «الدولي»، في الدورة التاسعة عشرة. الدورة تعثرت عامين في أعقاب الثورة على الرغم من أن نظام بشار أعطى أوامره للمسؤولين بإقامة فعاليات المهرجان، إلا أن الخوف سيطر على الجميع عندما اقترب الموعد فقررت الأجهزة الأمنية تعليق المهرجان، «حتى يقضي بشار وجنوده الشارع على الثورة».
لكن الثورة النبيلة التي تجاوزت عامين استمرت، وانقسم فيها السوريون حتى بين المثقفين والفنانين أو ما اصطلحنا أن نطلق عليهم نُخبة، وصار الصراع يعني لكل فريق الحياة أو الموت.
سلاف فواخرجي ستقدم حفل افتتاح المهرجان، وهي الصوت الأعلى في دمشق بين النجمات لتأييد بشار، وترفض أن تطلق عليه بشار «حاف» فينبغي أن تسبقه ألقاب القائد المفدى الأبدي، بينما «رغدة» صوتها يعلو دائما في القاهرة لتأييد بشار، وهي مثل سلاف تراه قائدا ومفدى وأبديا، وستصبح هي الداعم الأول في التواصل مع الفنانين لدعوتهم للمهرجان، على الرغم مما جرى لها قبل شهر داخل دار الأوبرا المصرية، عندما صعدت على المسرح ومن دون استئذان وألقت قصيدة حب وتأييد لبشار، وتلقت بعدها عبارات استهجان وضربات من عدد من الحضور، وأنزلوها عنوة عن المسرح، وتقدمت بشكوى للنيابة، بينما المجلس الأعلى للثقافة في مصر وجه إليها عتابا شديد اللهجة، لأنها هي التي استفزت الحضور بتلك القصيدة.
مهرجان دمشق المزمع إقامته بعد خمسة أشهر، من المؤكد أنه سوف يزيد مساحات التناحر سوريا وعربيا وعالميا، فقبل عامين أصدرت نقابة السينمائيين في مصر بيانا تحث فيه الفنانين المصريين على مقاطعة المهرجان، وبعدها شاهدنا أكثر من نقابة عربية تصدر بيانات مماثلة، حيث إن رسالة المهرجان ليست عرض الأفلام، لكنه يريد أن يقدم للعالم صورة بث حية على الهواء، تقول إن سوريا بشار بخير والحياة طبيعية، وإن الدماء السورية التي تراق في كل لحظة على الأرض لا تعني شيئا، فهي إما دماء تدافع عن الزعيم والشرعية، ولهذا تنال الشرف، وإما دماء تقف ضد الزعيم والشرعية وتستحق العذاب وبئس المصير.
النظام السوري يرتكن إلى أن هناك من سيلبي النداء حتى بين النجوم المصريين، فمن كان ولا يزال ولاؤهم لمبارك سوف يجدون أن تعضيدهم لبشار يتبنى رسالة مضمرة، تعني أنهم ضد الثورة بكل تنويعاتها مصريا وسوريا. كما أن بعض الفنانين والمثقفين السوريين الذين يقفون الآن في المنطقة الرمادية مرددين نحن مع الحرية ومع الشعب ومع إيقاف النزيف الدموي سوف تفضحهم تلبيتهم دعوة المهرجان، ليكتشف الشعب كم كانوا يخدعونه بتلك الكلمات المائعة.
أغلب النجوم السوريين مترددون في إعلانهم تأييد الثورة، ويفضلون إمساك العصا من المنتصف. إدارة المهرجان السوري تمارس الآن بالضبط ما يفعله الإعلام السوري عندما ينفي أن هناك ثورة، فهم يطرقون الباب قبل إرسال الدعوات إلى الفنانين في عالمنا العربي لحضور المهرجان، مؤكدين لهم أن ما تشاهدونه في الفضائيات هو مجرد تزييف، والتلفزيون الرسمي السوري لا يقدم سوى أغنية شامية «منحبك» وهي تعني «بنحبك».
عار على النقابات الفنية في العالم العربي ألا تصدر الآن بيانا جماعيا بمقاطعة المهرجان الذي يقام تحت رعاية الأسد، وتقام فعالياته في دار سينما الأسد، أي أن الفنانين بمجرد قبولهم للدعوة سوف يتورطون في المبايعة للأسد. الفنان العربي الذي يلبي نداء مهرجان دمشق سوف يصبح سكينا تجرح وتدمي مشاعر كل الشعوب العربية وليس فقط الشعب السوري، إنه «عُرس الدم»، ومن يشارك فيه يرقص على إيقاع الدماء الزكية التي تراق في كل لحظة على تراب الشارع السوري.. فمن يريد الرقص؟!!