نسمات لاذعة يكتبها : زهير دعيم
منظر الشيخ الجليل، ذي الّلحية البيضاء ، واللباس الأحمر ، والحنان يقطر منه، وهو يحمل كيس هداياه إلى الأطفال في عيد الميلاد ، منظر جميل ، رائع، يأخذ بمجامع القلوب ، ويشدّكَ إليه فيدخل إلى النفوس ، ويستحوذ على القلوب دونما استئذان .
إنّه يمثِّل المحبّة المسيحيّة والعطاء والتضحية.
ولا يقلّ عنه جمالا ، منظر شجرة العيد الخضراء تحتل صدر كلّ بيت مسيحيّ .
وكيف تقلّ وهي المُزركشة والملوّنة بالزّينة والشرائط الكهربائية الخلابة، والمنسّقة بصورة مدهشة ، فالكلّ يفتنّ في تجميلها وتنسيقها وتلوينها ، ويتباهى بأنها الأجمل في الحيّ والأحلى في البلاد.
فلا يبخل عليها بالزينة تأتيه مستوردة من ايطاليا أو اليابان وبثمن يعلو فوق السّحاب، انّها تحتلّ صدر البيت وتحتل القلوب !!
أمّا عن الاحتفالات في الميلاد ورأس السّنة الميلاديّة ، فحدِّثُ ولا حَرَج ، فما من مطربة أو مطرب أو مُتنزّه إلا ويحتفل بهذه الذكرى !! يحتفل بمَن ؟ ….لست أدري …المهمّ الدّعايات تملأ الفضائيات والصُّحف والمواقع الالكترونيّة ، فالمطربة فلانة ستغرّد بهذه المناسبة ، وسيكوْكب إلى جانبها النجم علان صاحب الصوت الجبليّ ، وسيكون العَشاء ملوكيًا ، والجوائز ما لا تخطر على بال ، أمّا الحضور فهو مقصور على الأزواج والعائلات..والسَّهَر سيكون ملوّنًا ، ساهرًا ، وسيشرب الجميع نخب السّنة الجديدة ونخب بابا نويل ونخب المطربة التي تلبس ولا تلبس !!
سهرة حتى السويعات الصُّغرى من الليل !!
ستكون ليلة الليالي ..
ليلة ترتسم وتنطبع في الضمير والوجدان ….هكذا تقول الدّعاية ، وهكذا يُخبّر القائمون عليها ، وتفكيرهم ينصبّ فقط في الجيوب والجزادين ، والأوراق الخضراء.
لا يهمّهم الطفل يسوع صاحب العيد ، والذي لأجله غنّت جوقات الملائكة لأوّل مرّة ،ولأجله فرحت السّماء ، وفرحت الأرض ، وفرحت الملائكة .
لأجله ، ولأجله فقط .
حقًّا الأمر محزن ومحزن وألف محزن ….فالعيد فقدَ لونه وجوهره ، فغدا هذا العيد ، عيد ميلاد ربّنا يسوع المسيح عيد بابا نويل ، وعيد الشجرة المزركشة ، وعيد الزّينة والمظاهر والاحتفالات الصّاخبة ، أمّا الطفل الإلهي فنسيناه ، وتركناه خلفنا ، وما دعوناه إلى بيوتنا ، والى احتفالنا وقلوبنا ، وهو هو صاحب العيد.
ونفتح الهدايا ، ونشرب نخب فلان وفلانة ونضحك، وننسى أن نُعيّد على السيّد ، صاحب العيد، وننسى ان نهديه ولو هدية صغيرة.
هو لا يريد شيئا منّا ، لا يريد هدايانا ، يريد فقط أن يكون في فكرنا ، وفي مغائر قلوبنا ليعطينا الدفء والأمان ، يريد فقط أن نقبله في ضمائرنا، وأن نغنّيه ونسبِّح له ونُرنِّم مع الملائكة : “المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السّلام ، وفي النّاس المسرّة “.
كثيرًا ما يحضر الطفل الإلهي إلى بيوتنا ، فيبقى جانبًا ، ولا نلتفت إليه ، ولا نهتمّ بحضوره ، فيخرج كما دخل بهدوء ، والألم يعتصره.
قد يقول قائل ، صدّقني ما رأيناه ، وما شاهدناه ، وينسى الأحبّاء أنّ يسوع قد يأتي بثياب طفل صغير لجارنا الفقير ، وينسى الأحبّاء أنه قد أتى في ثياب يتيم مدّ يده الراجفة فزجرناه !!
أحبّ بابا نويل ، وأحبّ أن أزيّن شجرة في بيتي ، ولكنني أموت حُبًّا بربّ الميلاد ؛ ربّ المحبة ، الطفل الذي جاء في ملء الزّمن ، ليغرّد في مغائر قلوبنا ، ويدفّئ سراديب حياتنا ، ويرفعنا إلى الأعالي ، لنرنّم مع جوقات السماء ، ترنيمة ما زال صداها يرنّ في جنبات اليهودية والى أقاصي الأرض.
يسوع ستبقى أنت العيد .
يسوع ستبقى أنت الفرح .
يسوع ستبقى أنت الطريق والحقّ والحياة. زهير دعيم (مفكر حر)؟