النهار اللبنانية: روزانا بومنصف
يكتنف انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية مفارقات عدة يصعب عدم التوقف عندها في حمأة الدلالات والمؤشرات لولادة صعبة بل قيصرية لرئاسة الجمهورية بعد سنتين ونصف من الشغور الرئاسي . اذ ستغدو مفارقة مهمة قد لا يكون لها معنى كبير انما لها دلالتها الرمزية ان يعود العماد عون الى قصر بعبدا في 31 تشرين الاول 2016 بعدما كان اخرج منه بعملية عسكرية في 13 تشرين الاول العام 1990 اي بفارق 26 سنة وهي مدة قياسية بالنسبة الى زعيم احتاج كل هذا الوقت لينخرط في تسوية الطائف ويجد مكانا له فيها بعدما كان رفضها بقوة لدى اقرارها في تشرين الاول ايضا من العام 1989 اي قبل 27 سنة وسعى الى اجهاضها من دون طائل. اذ ان الرئيس سعد الحريري في بيان اعلان تأييده ترشيح العماد عون تطرق الى نقطة جوهرية لم يتم التوقف عندها في حمأة الحدث المتمثل بالخطوة – التحول التي قام بها. وهذه النقطة تتمثل في قول الحريري: ” اننا اتفقنا مع العماد عون على الدولة وان ايا من اللبنانيين لن يطرح تعديلات على النظام الا بموافقة جميع اللبنانيين” في اشارة مهمة الى التزام عون اتفاق الطائف في التفاهم الذي جرى بينه وبين الحريري وان الزعيم العوني لن يسعى الى نسفه متى اصبح في الرئاسة. وهي الضمانة التي يفترض ان تقفل الباب امام طموحات في تغيير النظام اقله في المدى المنظور والمقصود به نظام الطائف ، وذلك في حال التزم الجميع مقتضيات التسوية ، باعتبار ان التجارب السابقة لم تكن جيدة على صعيد الالتزامات وعدم نسفها وفق الظروف التي تستجد في المنطقة. واذا كانت هذه النقطة مهمة بالنسبة الى الرئيس الحريري فان ذلك لا يقل اهمية بالنسبة الى العماد عون الذي لم يتوان خلال السنتين ونصف السنة من الشغور الرئاسي عن تقديم اقتراحات متتالية من اجل انتخابه تساهم في الواقع في السعي الى تغيير النظام بين نظام رئاسي وآخر يتعلق بانتخابات مباشرة من الشعب وما الى ذلك عدا عن تلك التلميحات الى مؤتمر تأسيسي وما شابه . في حين ان كلفة وصوله الى الرئاسة تبدو للمفارقة هو التزامه اتفاق الطائف الذي انتفض ضده منذ التوصل اليه العام 1989 خصوصا ان الكثير من المخاوف من وصوله الى سدة الرئاسة تستند الى تاريخه الطويل في محاولة نسف الاتفاق الذي عارضه وعاهد جمهوره على رفضه منذ اكثر من ربع قرن. وحين يصر الدكتور سمير جعجع على القول ان وصول عون سيكون بداية تنفيذ الطائف انما يؤكد ان الفريق المسيحي المؤثر على الساحة المسيحية والذي اخرج نفسه يومئذ من معادلة التسوية قبل ان يخرجه الآخرون من البلد عاد فقبل بها وقبل ان يكون جزءا منها لا خارجها. هذا اقله ما لا يمكن تجاهله في سياق قراءة او تفسير التطورات التي ساهمت في ان تؤول الرئاسة الى الزعيم العوني. لكن ليس سهلا ابدا بالنسبة الى مسار سياسي طويل استغرق 27 سنة لكي يجد عون لنفسه موقعا في هذه التركيبة التي رفضها وحاربها ، من اجل ان يعود ويشكل جزءا اساسيا منها بعدما كان هذا المسار مكلفا جدا للبنان كما كان مكلفا له على الصعيد الشخصي.
وبهذا المعنى فان رفض عون اتفاق الطائف اخرجه من قصر بعبدا في حين ان التزامه الاتفاق يعيده اليه. وبهذا المعنى تستقيم التسوية التي انجزها الرئيس الحريري في اطار دعم تأييد عون للرئاسة والتي لم تكن لتحصل لولاه باعتبار ان اتفاق الطائف التي رعته المملكة العربية السعودية في شكل اساسي لا يزال يشكل نظاما يتم رفض تغييره او تعديله ويتم التمسك به على انه من مكتسبات مرحلة ما بعد الحرب التي حولت الصلاحيات الى مجلس الوزراء مجتمعا بدلا من رئيس الجمهورية. لكن من هذا الباب بالذات تنفذ التساؤلات الصعبة اذا كان العماد عون سيلتزم بنود الاتفاق فعلا ولا يعود الى التذرع بالميثاقية مثلا عند كل محطة ايا تكن صغيرة كوضع جدول اعمال مجلس الوزراء مثلا وما الى ذلك سعيا الى تعديل قسري بقوة الامر الواقع تحت عنوان او ذريعة الرئيس المسيحي القوي التي تترك انطباعات لدى بعض الجمهور المسيحي وكأن الرئيس العتيد سيعيد مجد المارونية السياسية الى قصر بعبدا ولو كان مجدا مقنعا بدعم من اقلية اخرى في المنطقة . فما وراء الخط البياني الاقليمي الذي يؤدي بالعماد عون الى الرئاسة ثمة استفادة اساسية لاقلية اخرى في الجوار تطمح الى ان تبقى قوية في الرئاسة لكي تؤمن لها ضمانة البقاء وتجد سندا لها عبر صيغة مماثلة في لبنان مما يبرر لها تحت ذريعة المخاوف على الاقليات وبقائها في المنطقة السعي الى فرض امر واقع مبني على جملة اعتبارات لا مجال لذكرها راهنا. اذ انها ليست قليلة المفارقة الاخرى التي تتمثل في ان عون الذي اخرجه النظام السوري من قصر بعبدا شكل المحور الاقليمي والسياسي الذي يمثل النظام السوري نفسه جزءا منه الرافعة الاساسية لاعادته الى هذا القصر، ولو دخلت شعارات اخرى تتسم بالشعبية الى البازار السياسي علما انها كانت جزءا من المشهد قبل 27 عاما ولم تنفع وقتئذ وليست هي بالتأكيد من دفعت الامور قدما راهنا لمصلحة الجنرال عون.