( الخلل الروحي وراء مقاضاة الكنيسة القبطية للدولة ضد حق الزواج المدني للأقباط)
•الشر مكروه من الإنسان عامة ، المؤمن بالله وغير المؤمن ، و بسبب من طبيعة الإنسان المخلوق عليها . فصورة الله الخَيِّرة في الإنسان التي خُلِقَ عليها قد تتشوه فقط و لكن لا تزول . لذلك ينشر الشيطان سمومه بأن يكسوها ثوب النفع و الخير لينجح في مسعاه الشرير.
•آدم – أبو الإنسان – باع نفسه وذريته و مملكته ( العالم المخلوق و الذي سلَّمه له الله و وَضعَه تحت سلطانه ) للشيطان ” نَعْلَمُ أَنَّنَا نَحْنُ مِنَ اللهِ ، وَ الْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ“ (يوحنا الأولي ١٩:٥).
•فصار الإنسان و عالمه متاحاً للشرير و سلطانه ” أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى (أجد) أَنَّ الشَّرَّ حَاضِرٌ عِنْدِي.“ ( رومية ٢١:٧).
•فكيف يُسَخِّر الشيطان العالم ضد علاقة الإنسان بالله ؟
محاولة الشيطان الأولي :
هي أن الشيطان يُسَخِّر العالم لرفض المسيح باحتضان العالم للخطية.
لذلك فرفْضْ المسيحي للعالم هو بسبب رفْضْ العالم للمسيح و ليس العكس .
من هنا صار حب العالم – وبسبب أنه وُضِعَ في الشرير- عداوة لله .
فنصلي في القداس ” لا تحبوا العالم و لا الأشياء التي في العالم “. لأن محبة العالم عداوة لله :
” أَيُّهَا الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي، (التصوير العام للخطية بكل أنواعها هي زني وراء ظهر الله – العريس الحقيقي للنفس الإنسانية ) أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ مَحَبَّةَ الْعَالَمِ عَدَاوَةٌ ِللهِ؟ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُحِبًّا لِلْعَالَمِ، فَقَدْ صَارَ عَدُوًّا ِللهِ. “ ( يعقوب ٤:٤) و لكن المسيحية لا تقول بأن محبة الله عداوة للعالم . إنَْ كل ما في العالم جميل وشهي طالما كان ذلك خلواً من الشرير. ”كُلُّ شَيْءٍ طَاهِرٌ لِلطَّاهِرِينَ“( تي١٥:١) ” وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا.“( تك٣١:١). حب العالم خلواً من المسيح هو عداوة لله ، لأنه طُعْم الشيطان. و لكن من خلال المسيح تحب العالم و تستمتع به و تمتعه.
محاولة الشيطان الثانية :
هي أن الشيطان يلهي الإنسان بالعالم عن المسيح .
” وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلاً قَائِلاً:«إِنْسَانٌ غَنِيٌّ أَخْصَبَتْ كُورَتُهُ،17 فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ قَائِلاً: مَاذَا أَعْمَلُ، لأَنْ لَيْسَ لِي مَوْضِعٌ أَجْمَعُ فِيهِ أَثْمَارِي؟18 وَقَالَ: أَعْمَلُ هذَا: أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَعْظَمَ، وَأَجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غَّلاَتِي وَخَيْرَاتِي،19 وَأَقُولُ لِنَفْسِي: يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ، مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي!20 فَقَال لَهُ اللهُ: يَاغَبِيُّ! هذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟21 هكَذَا الَّذِي يَكْنِزُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ هُوَ غَنِيًّا ِللهِ». من هنا كانت نصيحة المسيح : ” وَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ:«مِنْ أَجْلِ هذَا أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ، وَلاَ لِلْجَسَدِ بِمَا تَلْبَسُونَ.23 اَلْحَيَاةُ أَفْضَلُ مِنَ الطَّعَامِ، وَالْجَسَدُ أَفْضَلُ مِنَ اللِّبَاسِ. ( لوقا ١٢).
هنا دعوة للحكمة في الحياة . فلا تلتهي بالوسيلة ( الطعام و اللباس ) وتنسي الهدف منها ( الحياة و الجسد) . لذلك ، مِثل هذا الإنسان الذي يتوه عن الأهداف بالإستغراق في الوسائل ، وصفه الكتاب أنه غبي و لم يقل أنه خاطئ . و في موضع آخر يصفه هكذا ” لأنك تقول : إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ.” ( رؤيا ١٧:٣).
و محاولة الشيطان الثالثة :
هي أن الشيطان يحاول أن تقتصر علاقة الإنسان بالمسيح علي هذا العالم فقط ( عولمة الإيمان بالمسيح ) .
” فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ:«إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزًا».4 … ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ، 6 وَقَالَ لَهُ:«إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ».7 .…8 ثُمَّ أَخَذَهُ أَيْضًا إِبْلِيسُ إِلَى جَبَل عَال جِدًّا، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا،9 وَقَالَ لَهُ: «أُعْطِيكَ هذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي».“ ( متي ٤).
فالذي يعتقد أن الإيمان بالمسيح هو مجرد الإيمان و التبعية العامة و التفاخر بالإسم و.. هو مخطئ . لأن الإيمان بالمسيح هو بالأساس يخص الأمور السمائية الآتية التي لا تُري – والسبب كما قلنا أن ” الْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ“. وبالتالي و بناءً عليه ، فإن المسيح و من له ، ليسوا من العالم ” أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مِنْ هذَا الْعَالَمِ“ (يوحنا ٢٣:٨) ، ” لَوْ كُنْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ لَكَانَ الْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ، بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ مِنَ الْعَالَمِ، لِذلِكَ يُبْغِضُكُمُ الْعَالَمُ “. (يوحنا ١٩:١٥) .
لذلك كانت الأية الحارسة ” إِنْ كَانَ لَنَا فِي هذِهِ الْحَيَاةِ فَقَطْ رَجَاءٌ فِي الْمَسِيحِ، فَإِنَّنَا أَشْقَى جَمِيعِ النَّاسِ. “ ( كورنثوس الأولي ١٩:١٥).
فتعريف الإيمان بالأساس هو ” وَ أَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى.“ ( عبرانيين ١:١١) .
هنا تتضح خطورة إيمان المعجزات ( و ليس رفض المعجزات كحقيقة ) . و لكن بالدرجة الأولي تتضح القيمة الروحية لمبدأ حمل الصليب في المسيحية : ” فَإِذْ قَدْ تَأَلَّمَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا بِالْجَسَدِ، تَسَلَّحُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهذِهِ النِّيَّةِ. فَإِنَّ مَنْ تَأَلَّمَ فِي الْجَسَدِ، كُفَّ عَنِ الْخَطِيَّةِ “ ( بطرس الأولي ١:٤).
فالإيمان المسيحي يسمو فوق العالم و محدوديته و يتطهر منه بحمل الصليب .
فعندما يتوحد المسيحي في آلآمه مع المسيح و صليب المسيح – مع أن الآلآم هي من صنع الإنسان و تخصه ، والمسيح منها برئ – نتنقي من خدعة الشيطان الثالثة التي تضرب الكنيسة بقسوة – من حيث أن الإيمان بالمسيح صار عالمياً ، فحجبت السماء وجهها عنه : ” وَأَمَّا يَسُوعُ فَإِذْ عَلِمَ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَأْتُوا وَيَخْتَطِفُوهُ لِيَجْعَلُوهُ مَلِكًا، انْصَرَفَ أَيْضًا إِلَى الْجَبَلِ وَحْدَهُ.“ ( يوحنا ١٥:٦).
والسبح لله
بقلم د. رءوف إدوارد .
يناير ٢٥. ٢٠١٦