عودة الوعي العربي بعد غفوة طويلة 1 ـ2
هل نفضت السعودية يديها من أوباما؟
لم يعد سرأ ان الولايات المتحدة أدارت وجهها في الآونة الأخيرة عن ضفة الخليج إلى الضفة المقابلة مع إبتسامة ماكرة تحت موجة مفاوضات الملف النووي مع محور الشر . ويبدو ان أوباما فطن لسياسة أسلافه وحبذ إعادة سيناريو شرطي الخليج، وإناطة المهمة بنظام الملالي. لكن التأريخ لا يعيد نفسه دائما، وإن أعادها فبصيغ أخرى مختلفة. فالوضع الدولي والإقليمي في الوقت الراهن لا يسمح بذلك، كما إن المساومة بين الملف النووي الإيراني مقابل إطلاق يد الولي الفقيه في المنطقة سيصطدم عاجلا أو آجلا بإرادة الشعوب العربية ومعظمها تؤمن بعقيدة تتعارض مع ولاية الفقيه عقائديا وسياسيا، كما إن إيران في الوقت الذي نجحت فيه بإستقطاب الشيعة العرب، فإنها فشلت فشلا ذريعا في إستقطاب أهل السنة، لقد أسفرت النوايا التوسعية عن وجهها، وتبين إن مبدأ تصدير الثورة البائسة لا يزال يداعب مخيلة الولي الفقيه وأزلامه، كما أن عرب الأحواز وسنة إيران والأكراد والبلوش يعانون الأمرين من سياسة الفقيه، فإن كان الولي الفقيه قد فشل مع سنة إيران بل وشيعتها أيضا ممثلة بعرب الأحواز، فكيف ستنجح سياسته من السنه العرب!
إن الرسائل السرية بين الرئيس الامريكي اوباما والخامنئي قد كشفها الأخير، وليس الإدارة الامريكية، التي تحاشت في البدء التعليق عليها، ولكنها ذعنت للأمر الواقع بعد أن رُميت كل أوراق اللعبة على الطاولة. فقد نقلت وكالة الأنباء الإيرانية (إيرنا) تصريحات آية الله جنتي ” طلب الرئيس الأمريكي خاضعا مشاركة إيران في الحرب الأمريكية ضد الدولة الإسلامية”. مضيفا” أن تواصل الرئيس الأمريكي مع المرشد الإيراني علي خامنئي يعتبر من بركات ولاية الفقيه في إيران، وعندما يظهر شخص مثل أوباما ليمد يده إلى إيران والمرشد خامنئي، هذا يؤكد مكانة خامنئي في العالم”. كما أعلن نائب قائد الحرس الثوري الايراني العميد حسين سلامي في 12 /10 /2014 ” ان نفوذ بلاده في العراق اجبر واشنطن على الانصياع لقرارات طهران”. المثير إن الولايات المتحدة لم تعلق على هذه التصريحات المهينة بل بلعتها على الريق!
إنحرفت بوصلة السياسة الامريكة في المنطقة من دول الخليج الى ولايه الفقيه 180 درجة، سيما بعد زيارة وزير الخارجية الامريكي للمنطقة، وإعلانه صراحا بمد يده الى جزار دمشق، ولم تكن تلك مفاجأة كما زعم البعض، لأنها نتيجة حتمية للتقارب الجديد بين نظام الإستكبار العالمي ومحور الشر. لقد إدرك النظام السعودي الجديد طبيعة المواقف الأمريكية الجديدة، وإن الملف النووي الإيراني ليس أكثر من مسرحية طويلة ومملة لا معنى لها. ويبدو إن التصريحات المعلنة لا تعبر عن حقيقة العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية. عندما صرح رئيس مجلس النواب الأمريكي جون بينر في 18/6/2014 ردا على سؤال للصحفيين في مبنى الكونغرس عما إذا كان يؤيد المحادثات مع إيران “لا! لا أؤيد ذلك مطلقا.” وأضاف ” اتصور فقط ما سيفكر فيه حلفاؤنا وأصدقاؤنا في المنطقة من تواصلنا مع إيران فيما هي مستمرة في دفع أموال للإرهاب ودعم الإرهاب ليس فقط في سوريا ولبنان وإنما أيضا في إسرائيل.” إضافة إلى برقيات الطمأنه التي أرسلتها إيران عامي 2007 و2008 وتعهدت من خلالها ” أن إيران لا تستهدف الأمريكيين في العراق ومستعدة للتعاون، وأن للولايات المتحدة وإيران مصالح مشتركة في العراق وتعملان من أجل النجاح والأمن وضد الإرهابيين”. لقد وجدت المملكة إن توجهات الولايات المتحدة الجديدة تثير الريبة! فقد رفضت تسليح الثوار السوريين الذين تدعمهم الرياض، وكذلك المقترح التركي لفرض مناطق حظر جوي ضد غارات جزار دمشق على شعبه، وتبنت الميليشيات الشيعية وأشادت بدورها في العراق، والمصيبة الكبرى إنها شطبت حزب الله ونظام الملالي من قائمة التهديدات الإرهابية، حسب تقرير رئيس الإستخبارات الأمريكية (جيمس كلابر)، والكارثة إن التقرير الأمريكي للإستخبارات الأمريكية الذي نشرته (بزنز انسايدر) في 26/2/2015 أشاد بصراحة بدور نظام الملالي في محاربة أهل السنة.
ما يتعلق بموقف الولايات المتحدة من نظام الملالي الحاكم في إيران هو نفس موقف الشرعية الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة والرأي العام الدولي من نظام الملالي، وهذا ما عبر عنه الأمريكان أنفسهم، فقد اتهم الكاتب المعروف (جون مونبيوت) المجتمع الدولي” بانتهاج سياسية الكيل بمكيالين، في معالجة القضايا التي تتعلق بالشرق الأوسط، فدول الغرب لم تتخذ مع نظام الأسد نفس ما اتبعته مع تنظيم داعش، كأن ضرب النظام السوري لجرائمه ضد شعبه واجب أخلاقي!”. (صحيفة الغارديان). وهذا يفسر رفض المملكة مقعدها في مجلس الإمن في إشارة واضحة بأنه لا يحل ولا يربط!
كما إن الدبلوماسية الناعمة التي إنتهجها المملكة خلال السنوات الماضية قد أثبتت فشلها بل فاقمت الأوضاع في المنطقة سوءا، وان التقوقع العربي عموما، والسعودي خصوصا في صدفة الترقب قد عرض المنطقة إلى الإنهيار، وعليه لا بد من مقابلة التغيير في المواقف الأمريكية بتغيير مقابل في المواقف العربية أو الخليجية على أقل تقدير. طالما حددت الولايات المتحدة أجندتها بوضوح وجهرا، فعلى السعودية أيضا أن تحدد أجندتها بصراحة وعلنا، وهي تقليم مخالب الولي الفقيه الممتدة لخارج ولايته، وإذا إقتضى الحال نزعها. سيما ان طول النفس السعودي تجاه التخرصات الإيرانية وصل إلى حد الإختناق، وبقدر ما كان للصبر من عيوب، فأن له محاسن أيضا، وهذا ما تجلى بالموقف العربي والدولي المناصر للسعودية في هجومها على ميليشيات الحوثي، أقزام الولي الفقيه.
هذا لا يعني إن العلاقات بين واشنطن والرياض قد تأزمت لحد القطيعة، ولكن يمكن القول إن السعودية إن صح إنها تلكأت في إعلام البيت الأبيض بموعد هجومها على الحوثيين، ولم تبلغهم إلا في الساعات القليلة قبل الهجوم كما إدعى جون ماكين وسناتوران جمهوريان آخران خلال مؤتمر صحافي في واشنطن ” ان العملية العسكرية التي شنها تحالف تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن بدون تنسيق مع الولايات المتحدة تظهر ان هذه الدول لم تعد تثق بالرئيس باراك اوباما، فعملية عاصفة الحزم هي دليل على ان دول المنطقة لم تعد تثق بالولايات المتحدة، او لم تعد تريد العمل معه”. وأقر الجنرال لويد اوستن قائد القوات الاميركية في الشرق الاوسط امام مجلس الشيوخ الاميركي” ان السعوديين لم يبلغوه بالعملية العسكرية الا قبل وقت قصير من انتقالهم الى التنفيذ”. وهذا يعني أما أن السعودية تريد إعادة الموازين إلى سابق عهدها مع واشنطن، وسحب البساط الكاشان من تحت أقدام أوباما، أو إن الإدارة الأمريكية تعمدت هذا التصريح كي لا يؤثر على سير المفاوضات النووية مع نظام الملالي. علما إن التفاوض بين الثعلب الإيراني والخراف الكبرى لا تبشر بخير.
خروج المملكة من بوتقة إزدواجية المواقف.
الموقف السعودي من العراق حزٌ في نفوس العرب الشرفاء والعراقيين الوطنيين، فمشاركة السعودية في الحملة الأمريكية على داعش، جعلها في موقف مضبب، فهي تختلف عقائديا وسياسيا مع النظام الإيراني وأتباعه من حزب الله والحوثيبن والأحزاب الشيعية الحاكمة، لكنها تقف معهم في نفس الخندق في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، وكان يفترض بالمملكة أن تتخذ موقف الحياد، ولا تنساق مع رغبة الأمريكان فقط، مثلما إنقادت جميع الدول العربية في الحملة الأمريكية على تنظيم الدولة الإسلامية. وإذا إنطلقت المملكة في موقفها بأن عدو عدوي صديقي! فالأمثال تُضرب ولا تقاس، فتهديد داعش على المملكة لا يقارن بتهديد نظام الملالي بأي حال من الأحوال، كما إن تنظيم الدولة الإسلامية لم يتخذ موقفا معاديا من المملكة إلا بعد أن شاركت الأخيرة في الحملة الأمريكية ضده. بلا شك الموقف التركي كان موقفا صائبا من حرب أوباما، وكان يفترض بالمملكة أن تتخذ نفس الموقف.
صارت الأوراق مكشوفة للجميع ولا شيء تحت الطاولة في الموقف الأمريكي من نظام الملالي. فقد ذكر مايكل ويس، الكاتب والمحلل في مجلة فوريان بوليسي الأمريكية، في مقابلة مع(سي ان ان)، إن ” الغرب والولايات المتحدة في مقدمته، باتا بموقع حليف الأمر الواقع للنظام السوري عبر قصف التنظيمات الإسلامية، أخشى أن نكون نساعده بطريقة غير مباشرة، لقد أكدنا على أننا لا ننسق معه ولا نحصل على موافقته، ولكن خلال الأيام الماضية رأينا مسؤولين سوريين يشيدون بخطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما ويعتبرون أنفسهم شركاء لأمريكا بمكافحة الإرهاب، والمشكلة الثانية أننا ننسق مع الحكومة العراقية التي تخضع بشكل شبه كامل لسيطرة النظام الإيراني، والأخير هو الحليف الأول لبشار الأسد في المنطقة”.
كما إن المملكة لم تجابه الأخطبوط الإيراني كما يقتضي الأمر، مثلا عبر الإنفتاح على تركيا وباكستان ومصر لتشكيل حلف مضاد للتوسع الإيراني، أو على أقل تقدير تنسيق عسكري لمواجهة المد الإيراني في المنطقة. فقد ذكر المُستشرق الإسرائيليّ، بروفيسور إفراييم ” أنّ المُحافظة على باب المندب، وعدم السماح لجماعة أنصار الله من السيطرة عليه، هو مصلحة إستراتيجيّة لكلٍّ من مصر وإسرائيل”. وهذا يعني إن لمصر شأن كبير في دعم المملكة من جهة، وحياد الكيان الصهيوني تجاه الهجوم السعودي من جهة أخرى.
أو من خلال دعم ثوار الأحواز بشكل معلن سيما جبهة تحرير الأحواز ، فقد تزامن الهجوم السعودي مع تصاعد وتيرة الإحتجاجات في الأحواز، وقد أشار الموقع الإعلامي لحركة النضال العربي لتحرير الأحواز (أحوازنا) الى ” الفرحة الكبيرة التي عمت الشارع الأحوازي إثر سماع خبر البدء بعاصفة الحزم التي تستهدف أذناب الاحتلال الفارسي في اليمن من الحوثيين وأتباعهم، واعتبروها عملا مشروعا لقطع الطريق أمام الفرس وتدخلاتهم في الجزيرة العربية”. وطالبوا المملكة العربية السعودية والدول المشاركة معها في عملية عاصفة الحزم بتوسيع نشاطها العسكري ليشمل مناطق عربية أخرى، وتوجيه ضربات إلى الميليشيات الموالية للدولة الفارسية في العراق ولبنان وسوريا. كما أكدوا على ضرورة تقديم الدعم الكافي للشعب العربي الأحوازي الذي يناضل من أجل طرد الاحتلال الفارسي ونيل حريته. وانتشرت مؤخرا صورا لأحوازيين يرفعون لافتات مكتوب عليها عبارات مؤيدة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وعملية عاصفة الحزم، بالإضافة إلى عبارات تطالب القمة العربية الذي عُقد في شرم الشيخ باتخاذ موقف لصالح القضية العربية الأحوازية”. ويمكن للمملكة أن تفتح مكتب لجبهة تحرير الأحواز في الرياض فتثير جنونه، مثلما يفعل نظام الملالي من خلال دعم شيعة العراق وسوريا ولبنان ودول الخليج جهارا وبصلافة.
كذلك من خلال الإنفتاح السعودي على منظمة مجاهدي خلق داخل وخارج إيران ودعمهم سياسيا وإعلاميا وتسليحيا، وفتح مكتب لهم في المملكة وبقية دول الخليج، مثلما هناك مكاتب لشيعة اليمن والبحرين والسعودية في العراق. فقد بينت السيدة مريم رجوي بشفافية تامة كيفية التعامل مع نظام الملالي بقولها” ان جذور الأزمات في هذه المنطقة من العالم وبؤرة التطرف ومصدر الارهاب والتشدد هو نظام الملالي اللا انساني ولا حل له الا اتخاذ سياسة الحزم أمام هذا النظام وقطع دابره في المنطقة واسقاط نظام ولاية الفقيه في ايران”. كما أكدت السيدة مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المقاومة الإيرانية ” على ضرورة توحيد العمل ضد الديكتاتورية الدينية والارهابية الحاكمة في إيران وضد تصدير الارهاب وعدوانها على المنطقة قائلة: كان تشكيل التحالف ضد احتلال عملاء النظام الإيراني اليمن امرا ضروريا للغاية ولا يستغنى عنه الا انه يجب ان يتوسع هذا الدفاع العادل والمشروع في المنطقه برمتها بدءا من العراق وسوريا ومرورا بلبنان وغيرها من الدول وان يتم قطع دابر الفاشية الدينية الحاكمة في إيران وعملائها في هذه الدول”. إن إضعاف النظام الإيراني من الداخل سيفسح المجال لقوى المعارضة في الداخل لكي تنشط وتواجه النظام القمعي بعمليات عسكرية ترهقه، سيما إن الوضع الداخلي في إيران حاليا يشكل فرصة ذهبية لقوى المعارضة للإطاحة به.
وهناك قرصات أخرى تجعل النظام الإيراني يئن من وجعها لا تخفى على ساسة المملكة ومفكريها، وكما يقال الباديء هو الأظلم. يفترض أن تَنصب إستراتيجية المملكة بالدرجة الأساس بقطع براثن الولي الفقيه في المنطقة العربية أولا وبقية الدول العربية والأفريقية ثانيا. وهذا ما عبر عنه مُحلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة (هآرتس) د. تسفي بارئيل بتأريخ 27/3/2015 ” أنّ الهجوم السعوديّ على اليمن هو جزءٌ لا يتجزأ من الإستراتيجيّة العامّة، والقاضية بوقف انتشار التأثير الإيرانيّ في منطقة الشرق الأوسط”.
الخلاصة إن المحافظة على الأمن الوطني والقومي السعودي لا يتطلب الإذن من أحد! وهذا ما عملت به المملكة، ولا أحد يلومٌها في ذلك. ومن ينظر للأمر من زاوية طائفية بحته، عليه أن يستذكر دخول القوات الإيرانية 40 كم داخل الأراضي العراقية بحجة المحافظة على الأمن القومي الإيراني. فقد صرح قائد القوة البرية في الجيش الإيراني، العميد أحمد رضا بور دستان، أن ” خمسة ألوية من القوات الإيرانية دخلت الأراضي العراقية بعمق 40 كيلومترا لصد هجوم محتمل من قبل داعش. وإن المنطقة الواقعة على عمق 40 كيلومترا داخل الأراضي العراقية، تعتبر خطاً أحمر بالنسبة للقوات المسلحة الإيرانية”. هل المحافظة على الأمن القومي الايراني حلال، وعلى الأمن القومي السعودي حرام؟
علي الكاش