عواقب انهيار اليونان الوشيك

لورنس سامرزdolar2
عندما تنفصل اليونان ماليا عن أوروبا، كما يبدو مرجحا الآن، لن يكون ذلك ناجما عن خطأ أي طرف على مستوى من المستويات. سوف يوضح القادة اليونانيون أن بعد فرض إجراءات تقشف على أنفسهم على نحو أكبر مما فعلت أي دولة صناعية أخرى عانت ماليا منذ الكساد الكبير، لا يمكنهم القيام بما هو أكثر من ذلك دون وجود أي بارقة أمل في نهاية النفق المظلم يتمثل في التزام واضح بتخفيف الديون. وسوف يوضح القادة الأوروبيون أنهم أخذوا يعدلون مواضعهم بشكل مستمر من أجل احتواء اليونانيين، وسوف يؤكدون أن شعوبهم لن تسمح لليونان باللعب بقواعد مختلفة عن تلك التي تحكم باقي أنحاء أوروبا. وسوف يوضح صندوق النقد الدولي أنه كان ليبارك أي خطة ناجحة توافقت عليها اليونان وأوروبا. المشكلة هي أن كل الأطراف سوف تواجه عواقب من حدوث انهيار تخشاها أكبر مما يمكن أن تحدث بسبب شيء يرونه مواءمة غير مقبولة. يفهم المؤرخون كيف تم السماح باندلاع الحرب العالمية الأولى، لكن بعد قرن، يرون كم كان من السخف أن تندلع. وبالمثل قد ينظر المؤرخون الماليون بعين الماضي على الأسبوع المقبل، ويتساءلون كيف تم السماح بتفكك أوروبا المالي.
لا ينبغي الانخداع بشأن عواقب أي انهيار، فمع نهاية الدعم الأوروبي وما يعقبه من إغلاق للمصارف، ومشكلات في الائتمان، سوف يزداد التقشف سوءا في اليونان عنه اليوم، ومن المرجح أن تصبح اليونان دولة فاشلة مما يؤدي إلى إلحاق الضرر بالشعب والقيادة. وبمجرد ما تخفق اليونان كدولة، سوف تسترد أوروبا ديونا أقل مما كانت ستستردها إذا ما باشرت عملية إعادة هيكلة منظمة. وسوف تمثل هجرة جماعية شمالية لليونانيين عبئا على ميزانيات الدول في مختلف أنحاء أوروبا، ناهيك عن التحديات التي سوف تظهر مع ترسيخ روسيا لوجودها في اليونان.
وقد يواجه صندوق النقد الدولي أكبر عملية تخلف عن سداد الديون من قبل مستدين في تاريخه. صحيح أن هناك أسبابا قوية للتفكير في أنه تم القيام بما يكفي للحيلولة دون وقوع عدوى مالية، مع ذلك كان هذا مؤكدا أيضا فيما يتعلق بإدارة رأس المال طويلة الأجل، وقروض الرهن العقاري ذات سعر الفائدة الهائل، وانهيار مصرف «ليمان براذرز».
وتخفق الدبلوماسية وتقع الكوارث عندما تنشغل الدول بهمومها ومصالحها دون وضع في الاحتياجات السياسية للدول الأخرى في الاعتبار مقتنعين أن تلك الدول لن تتقبل الموافقة. وهناك حكم يقدر على أساس من المعلومات مما ينبغي أن يحدث لتفادي وقوع كارثة. ويحتاج أليكسيس تسيبراس، رئيس الوزراء اليوناني، إلى القيام بما هو ضروري من أجل التوصل إلى اتفاق ذي جدوى سياسية بالنسبة إلى نظرائه الأوروبيين. ويعني هذا التخلي عن خطاب آيديولوجي يتعلق بمقاربة أوروبية جديدة والاعتراف بأن مشكلات اليونان أمر تتحمل هي وحدها مسؤوليته، ويوضح أنه سوف يلتزم تمامًا بالقيام بكل ما هو ضروري من أجل البقاء في منطقة اليورو. وينبغي أن يكون واضحا في تعبيره عن قبوله زيادة ضريبة القيمة المضافة، وإجراء إصلاحات في المعاشات من أجل تحقيق الفائض الأولي المستهدف خلال العام الحالي والقادم، لكنه ينتظر اعترافا واضحا بأنه في حال قيام اليونان بدورها، سوف يتم شطب جزء كبير من الديون.
ويجب على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والحكومات الأوروبية، القيام بما هو ضروري من أجل جعل تعديلات السياسات معقولة ومقبولة سياسيا في اليونان. ويعني هذا الإقرار بأنه تم إنفاق الجزء الأكبر من الدعم المالي المقدم إلى اليونان لتسديد ديون المصارف أكثر مما تم إنفاقه لدعم موازنة الدولة اليونانية. ويجب أن يوافقوا على تخفيف الديون، والاعتراف بمدى التغيير الذي طرأ على إنفاق اليونان، حيث تم تسريح نحو 30 في المائة من العاملين بالدولة. كذلك يعني الإفصاح عن نياتهم بشأن تعزيز النمو الاقتصادي في أنحاء أوروبا.
ينبغي على صندوق النقد الدولي الاعتراف بأن الأمر لا يتعلق الآن بالأرقام، بل بالسياسة العليا لأوروبا. ومهمته هي دعم أي اتفاق يتفادى الانهيار. إنها ساعة حرجة، لكن كثيرا ما تكون السماء أشد حلكة قبيل بزوغ الفجر.

* رئيس سابق لجامعة هارفارد ووزير الخزانة الأميركي بين عامي 1999 و2011
*خدمة «واشنطن بوست»
نقلا عن الشرق الاوسط


This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.