المصري اليوم: أميرة عبدالرحمن
«عن يهود مصر» فيلم وثائقى تمنيت أن أشاهده وأكتب عنه منذ شهور، قبل أن يختفى فجأة من دار العرض الوحيدة التى بثته، بضعة أسابيع، لجمهورٍ لا يَبدو أنه شـُغف به كثيرا، رغم عبقرية رسالته.
فى حوار بديع نشرته «المصرى اليوم»، أمس الأول، تحدثت ماجدة هارون، رئيس الطائفة اليهودية فى مصر، عن أوجاع يهود مصر. مِـن مُدرسة تصف اليهود بـ«الكلاب» داخل الفصل الدراسى إلى موظفى حكومة يفزعون أمام خانة ديانتها اليهودية، فيستدعون رؤساءهم لطلب المشورة فى تلك المعضلة، وصولا إلى تعطل صدور الأوراق الرسمية وبطاقات الرقم القومى لشهور وربما سنوات، نتيجة ذلك الجهل الفاضح.
تحدثت ابنة المحامى اليهودى الراحل، المعروف منذ ستينيات القرن الماضى بمواقفه الوطنية ونضاله ضد الصهيونية، عن أحلامها فى «فك الشيطنة والعتمة» التى تم صنعها حول الطائفة اليهودية فى مصر. وجدتنى أشاركها حلمها فى أن يُـفك الحصار الأمنى عن المعبد اليهودى؛ يعود كالكنيسة والمسجد؛ دار صلاة، ومزارا تاريخيا، وقبلة آمنة لعشاق السياحة الدينية.
تمنيت معها أن نرى قريبا «المتحف اليهودى» فى مصر، كما المتحفين الإسلامى والقبطى. لن يتحقق ذلك دون فك الحصار أولا عن الأذهان، تجفيف منابع الإرهاب، تحرير العقول من الأمراض المتوطنة الكارهة للآخر، المذعورة من الاختلاف.
كيف وصل الحال بمصر «فاطمة وماريكا وراشيل» إلى أن يحَار مواطنها اليهودى فى كتابة نعى أبيه، دونما الاستعانة بآية عزاء من التوراة. لماذا يجد اليهودى نفسه مضطرا إلى تبرير أو إخفاء ديانته؟ ببساطة، لأن المناهج الدراسية وكتب التاريخ والدين تم حشوها بمعلومات مضللة لا تفرق بين اليهودى والصهيونى، حتى الآن رغم مرور أكثر من ٦٠ عاما على قيام دولة إسرائيل.
شىء ما آلمنى، ورئيس الطائفة اليهودية تقول فى الحوار: «الحمل ثقيل جدا، والمسؤولية كبيرة، مسؤولية أن أتولى تسليم المفتاح.. سأكون آخر من يغلق الباب على تاريخ اليهود فى مصر». ماجدة هارون تبلغ ٦٠ عاما، وهى أصغر مصرية يهودية تعيش على أرض مصر. يعنى ذلك أننا بصدد شريحة كاملة من الشعب المصرى مشرفة على الانقراض. سيكون الحديث عنهم بعد سنوات قليلة من قبيل الترحم على الذكريات.
يهود مصر ليسوا شياطين، كافحوا الصهيونية، تمسكوا بهويتهم الوطنية، لم يغادروا مصر إلى دولة إسرائيل. اختاروا البقاء غصباً عن كل محاولات التهجير والتهميش وتجريف العقول. فرفقاً يا صناع التاريخ!