(المتأسلمون : الاسلام السياسي ) يتحدثون عن مؤامرة ضد الاسلام منذ كعب الأحبار اليهودي …والقوميون ( البعثيون والناصريون ) يتحدثون عن مؤامرة ضد العروبة منذ مقتل رستم الفارسي في القادسية، واليساريون يعتبرون المؤامرة قد بدأت بالبيان القادري الحنبلي ضد الاعتزال !!!!!
د. عبد الرزاق عيد
أدخل القوميون العرب ( المغاربة ) عنصرا جديدا على مصفوفة المؤامرة الكونية ضد العرب منذ الأزل ، وهو ( التصوف )
بوصفه فكرا عرفانيا غنوصيا باطنيا يدعو إلى استقالة العقل، فاخرج المفكر المغربي الشهير الراحل الذي شغل النصف القرن العربي الأخير ( د. محمد عابد الجابري) في سفره الموسوعي باجزائه الستة ، أخرج أهم منجزات الفكر الفلسفي العربي الاسلامي التصوفي الرفيع وليس الطرقي الشعبوي الرقيع ( ابن سينا- ابن عربي ..الحلاج …الخ ) من نسقه (العربي )، ليعتبره غنوصيا عرفانيا شيعيا معاديا بصوفيته التذوقية الوجدانية للبرهان العقلي والبياني العربي كامتداد للتآمر الفارسي على العروبة والإسلام ….مما أدى إلى وضع الراحل الكبير في مرمى سهام ( البعث الأسدي الشيعي الإيراني ) بأن مشروعه الفكري الكبير كان في خدمة دعم النظام العراقي الصدامي في بدايات الحرب ( العراقية –الإيرانية ) …
ولعل أول ما أثار ريبتنا لهذا البعد التفسيري المؤامراتي السائد والشائع، هو تورط صديقنا الباحث الدكتور ( محمد شحرور) في بعض تقسيرات وتأويلات ( مشدودة الشعر ) لتلائم الراس حسب المثل الفرنسي، حيث يغدوالنص القرآني المعبر عن الاسلام بوصفه ( دين الفطرة ) في مخاطبته الناس على قدر عقولهم ، أي تغدو نصوص القرآن الكريم ملتبسة بين ( كتاب – وقرآن –وذكر – ومصحف … وغيره من الغثاء الأحوى !!! ) باسم التجديد أو بالأدق توريط القاريء المسلم الفطري البسيط في أحجيات وألغاز وطلسمات كهنوتية لا تتناسب أبدا مع استفتاء الفلب الذي أدخل الناس لسلاسته اللغوية العربية في دين الله أفواجا ….بالعكس مما يحدث اليوم مع ( اسلام الذبح ) في خروج الناس عالميا ليس من الدين الإسلامي بل والخروج على الإسلام أفواجا …مع تكفير الفنانين ( أم كلثوم فاسقة) لعورة صوتها وفق الإعلام ( المتأسلم )… بل تكفير العلماء ليس المسلمين كأحمد زويل فحسب ، بل وحتى الانكليزي ( هوبكينغ) الذين لم يقتربوا من الاسلام يوما رفضا أو قبولا كأجنبي ، فإذا كفروا (وألحدوا) فكفرهم على نفسهم الهيا ، ومسؤولية قومهم الانكليز أوالمسيحيين عالميا ( المركز البابوي ) إذا كان ثمة اضرار بشري في الحادهم…فلماذ نحشر أنفسنا فيما ليس لنا سوى البحث عن مزيد من كراهية واشمئزاز وقرف العالم منا ومن حروبنا وصراعاتنا ووحوش حكامنا الذي يعاقبنا الله اليوم على سكوتنا الذليل لهم خلال عقود وقرون حسب تفسير الإمام الكواكبي …
نعم المؤامرة موجود وقائمة وليست تحزورة أو بصارة ، فهي في اللغة القديمة ( الحرب خدعة ) كما عبر عنها إسلاميا وهي مشروعة ، وهي اليوم برامج وسيناريوهات مستقبلية تمتد مدتها ومداها لدى كل بلد وفق مستوى تطور قوى الانتاج والعلوم التكنولوجية التي قد تبلغ قرونا في فلسفتها الاستشرافية المستقبلية الاقتصدية والاجتماعية كالرأسماية التي امتدت قرونا رغم عشرات الثورات التي قامت ضدها ، فهي إذن لم تستنفذ دورها التاريخي في مسيرة التطور البشري، خصوصا بعد أن تكشف نقيضها الشيوعي عن هرم قبل النضج ، وهي خلال هذه المسيرة تضع استراتيجية السيطرة على مجتمعاتها والمجتمعات العالمية القابلة أن تكون الطرف الآخر في معادلة (خطة الآخر / المؤامرة ) أي قابلية السيطرة والخضوع أو ما سماها المرحوم مالك بن نبي ( قابلية الاستعمار) …
هذه القابلية للسيطرة وضعها الغرب الاستعماري كطرف آول في معادلته ( مؤامرته ) في السيطرة على هذه الشعوب عبر الاستعمار المباشر في البداية ، وعندما وجد أن كلفة الاستعمار كلفة بشرية عالية ، عكف على صياغة تصورعن نموذج قابل للانفجار الدائم الموجه عن بعد، وهواختيار نخب أجنبية إما أن تكون ( “هوية” الأقليات القومية ، أو”شعور”الأقليات الطائفية ) الذي يعمق الاستعمار الدولي الجديد اختلافه عن النسيج الوطني العام للمجتمعات التي يتحكم بها ، ليتحكم بهذه المجتمعات عبره كوسيلة وأداة ، ولعل النموذج السوري في استخدام نخب الأقلية الطائفية ( العلوية السياسية ) الأسدية في الهيمنة والقتل المفتوح الذي لم يكن متاحا للاستعمار القديم أو حتى الاستيطان الإسرائيلي ..هذا النموذج صارخ في درجة اعتماده لقابلية الاستعمار الدولي عبر نخب لا شرط لها سوى أن تبفى في الحكم جتى ولو ابادت شعوبها ليس باشكال الاستعمارالاستيطاني القديم فحسب
، بل عبر الابادة ( الجينوسيدية )كإبادة الهنود الحمر، بما يشبه الذي يحصل بشكل يومي في سوريا غابة الأسد ….
مثالنا الذي أشرنا إليه في المقدمة عن نموذج المثقف الوطني ( الدمشقي شحرور) ابن البلد يكمن في حالة الهروب نحو الطلسمات التي تتوارى وتهرب من مواجهة الحقيقة الطاغوتية للنظام الأسدي بتحميل ( الشعب والسلطة ) المسؤولية ذاتها بوصفهما (طرفي صراع أحاديين غير تعدديين)، يدفعه لأن يكون في الوسط كما يتوهم ، لأنه في الحقيقة هو يضع نفسه في موقع ( وسط السلطة )، هذا الموقف الذي يدفعه للخوف في ابداء الرأي بقضية فقهية فرعية مثل (شرعية اتيان المرأة من الدبر) فيقدم أهزل تفسيرلأية ( نساؤكم حرث لكم ) ، ليقول بأن مفردة آية (النساء) لا تعني جمع المرأة، رغم أن كتب التفسير بأجمعها لا تشير إلا إلى خلاف واحد حول هذه الآية ( فأتوا حرثكم أنى شئتم ) ، فكان التساؤل حول (أنى ) هل هي زمانية أم زمانية مكانية !!! ؟؟
صاحبنا الباحث ( في الوسط ) فضل أن يهرب من هذه المشكلة بإلغائها ، بتقريره أن مفردة النساء لا علاقة لها بالمرأة ، رعم أننا إذا عدنا إلى كتب التفسير سنجد أنها تشغل مئات الصفحات وهي تتحدث عن ( النساء / الإناث ) دون أي لبس أو خلاف .. لكن صاحبنا أبى إلا أن يتنكب طريق الحق والفهم البديهي، ليقول بأن النساء في الآية ليست هن النساء في الواقع …وذلك لكي يتجنب ابداء الرأي وليحافظ على موقفه الوسط ( ضد الأحاديين السنة والأحاديين الشيعة ) بالغاء موضوع الدعوى ذاته، وذلك لأن الطرف الشيعي يشرع ويحلل نكاح الدبر!!!!؟؟
ولا نعرف التفسير الشيعي الباطني لـ (تشريع وإباحة نكاح الدبر) إذا كان له علاقة سياسية فكرية بـ (الممانعة/ المماتعة) الأسدية والآيتية والحزب اللاتية … وهذا ماسيكون موضوع حديثنا القادم ….