جاءتنى هذه الرسالة الهامة ، انشرها وأجيب عليها :
يقول صاحبها : ( قرأت مقال مؤثر لك عن التسامح الدينى بين مصر وأمريكا . قرته بالانجليزية ثم باللغة العربية . تأثرت جدا به وبالتسامح الذى وصفته من الكنيسة وقد سمحوا لكم بمراسم الجنازة الاسلامية لشخص أمريكى أسلم بعد أن تزوج مصرية ثم مات على اسلامه . وفى المقال تكلمت عن تعصب المساجد فى أمريكا وتحولها الى تجارة بالدين . هذه المفارقة بين الكنيسة والمسجد فى أمريكا تجعلنى أسأل عن الاسلام وليس عن المسلمين :. ففى القرآن أمر باجتناب الأوثان . والكنيسة فيها تماثيل مقدسة . وإذا كانت الكنيسة قد سمحت لكم بالصلاة فيها وأنت ذكرت فى مقال انك صليت فى كنيسة فى مصر ـ فهل يسمح الاسلام لغير المسلم أن يصلى فى المسجد ؟ . غير المسلم هذا يقدس التماثيل ، ويصلى صلاة بالصليب . هل مسموح له ــ إسلاميا ــ ان يصلى هذه الصلاة فى المسجد . إذا لم يكن مسموحا له بذلك فإن الكنيسة أكثر تسامحا من الاسلام .
2 ـ هناك نهى عن الحضور فى مجالس الخوض فى آيات الله . وأنت شرحت هذا بالتفصيل فى مقالات عن ان البنى ليس معصوم ويقع فى اخطاء ويصحح له الله سبحانه وتعالى فى القرآن . سؤالى الآن : هل يجوز لغير المسلمين أن يعقدوا هذه المجالس التى تخوض فى القرآن داخل مسجد ؟ إذا كان هذا غير مسموح وهو مسموح به فى الكنيسة فالكنيسة أكثر تسامح من الاسلام .
3 ـ سؤال آخر عن الاختلاف الدينى بين المسلمين السنة والشيعة والصوفية . السنيون الوهابيون يرفضون القبور المقدسة . وأنت أيضا ترفض هذا . والوهابيون يرفضون صلاة الشيعة وسجودهم على قطعة حجر من أرض كربلاء ، ويرفضون مساجدهم المسماة بالحسينيات ، وقبورهم المقدسة ومزاراتهم المقدسة فى العراق وايران وغيرها . ونفس الحال مع مساجد الصوفية . أنتم ترفضون هذه الأضرحة وترفضون تقديسها . أنا أيضا متفق معكم لأنه يجب أن تكون المساجد لله سبحانه وتعالى وحده . سؤالى الآن هل يجوز اسلاميا صلاة الشيعة فى مسجد اسلامى ملتزم يرفض تقديس القبور ؟ وهل إذا جاء شيخ صوفى بأتباعه وأقاموا حلقات الذكر الصوفى هل مسموح لهم ذلك ؟ وهل مسموح للشيعة بإقامة طقوسهم التى تعتبرونها مخالفة للاسلام ـ بأن يعملوها فى المسجد الاسلامى ؟
وأقول :
1 ـ فى مصر فى أوائل التسعينيات كنت عضوا فى جماعة الإخاء الدينى ، وكان مقرها فى كنيسة فى جاردن سيتى بالقاهرة . وأحيانا كنت أحاضر فيها . وكنت أصلى فيها عندما يحل وقت الصلاة. وكان فيها غرفة تمتلىء بالسجادات لمن يريد الصلاة . وصليت كثيرا فى كنائس مصرية وأمريكية حين أزورها ويحل وقت الصلاة وأضطر للصلاة خوف فوات وقتها . وهذا بلا أى حرج .
2 ـ فى صلاتى فى الكنيسة لا أقف أصلى أمام التماثيل المقدسة ولا الأيقونات ، بل فى ناحية بعيدة عنها أجتنابا لها ، هذا مع الاحترام لحرية أصحابها فى دينهم ، وتقديرى لهم إذ سمحوا لى بالصلاة فى كنيستهم . فالاجتناب هو للوثن الذى يتم تقديسه ،وهناك مساحات واسعة فى الكنيسة بعيدة عن التماثيل والايقونات التى يقدسونها .
3 ـ هو نفس الحال مع المساجد الوثنية للمحمديين . لو حدث إضطرار لقمت بالصلاة فى مسجد به ضريح مقدس ، ولكن بعيدا عن هذا الضريح . ولكن لم يحدث لى هذا الاضطرار . وهم لا يدعوننى اليها . وإذا حلّ وقت الصلاة خارج بيتى وخفت ضياع الوقت أصلى فى أى مكان ، ولو فى السيارة .
4 ـ أبواب المسجد فى الاسلام مفتوحة للجميع ، شأن البيت الحرام الذى جعله الله جل وعلا للناس كافة ومثابة للناس وأمنا . هنا أقصد المسجد الاسلامى الذى يخلو من أضرحة وقبور مقدسة ، وليس فيه أذان يرتفع إلا بإسم الله جل وعلا وحده . لقد دعوت مرارا وتكرارا الى إقامة هذا المسجد فى أمريكا لنصلى فيه نحن أهل القرآن . وهو مفتوح للجميع . وفى مصر أقمنا مسجدين ، وكان معظم الروّاد من السنيين ، الذين يأتون للشجار معنا ، واخيرا إستولوا عليهما وطردونا منهما . وفى مساجد أخرى سنيّة ـ بلا أضرحة ـ كانوا يدعونى للخطبة فأخطب فيها أقول ما يرفضونه ، وتحدث مشاكل كالعادة . بالتالى لو كان لنا مسجد سنرفع فيه الأذان لله جل وعلا وحده ، وسنرحب بمن يأتى للصلاة معنا مهما كانت عقيدته .
5 ـ يقول جل وعلا فى حصانة كل بيوت العبادة : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً )(40)الحج ) ، من هذه الآية الكريمة أحلم بمجمع من بيوت العبادة ، فيه مسجد إسلامى ، ومسجد صوفى بقبر مقدس ومسجد شيعى ، وآخر سُنّى ، وكنيسة وكنيس اسرائيلى ، ومعبد هندوسى وآخر للسيخ و آخر بوذى . يأتى الى هذا المجمع كل مؤمن بدينه يصلى حيث يشاء ، ويدخله الجميع إخوانا مسالمين أو مسلمين بمعنى السلام ، ويخرجون منه إخوانا مسالمين أو مسلمين بمعنى السلام . هنا لا مجال لأحد أن يُجبر آخر على دينه ، لكل فرد حرية الاختيار أن يعبد كيف شاء ، وأن يعتقد ما شاء ، وأن يصلى كيف شاء . والله جل وعلا هو الذى سيحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون .
6 ـ كتبتُ فى تحريم الصلاة فيما أسميته ( مساجد الضرار ) تلك المساجد التى تذيع الأحاديث الشيطانية. وحجتى أنه :
6 / 1 : لا إضطرار فى الصلاة فيها فيمكن للمؤمن أن يصلى في بيته أو فى أى مكان .
6 / 2 :أن المؤمن سيحاسبه ربه جل وعلا عما يسمع : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36) الاسراء )، وطبقا لهذه المسئولية عليه أن يطهّر أُذنيه من سماع الزور.
6 / 3 : خصوصا وأن الله جل وعلا أمر بعدم شهود الزور أى حضور الزور ، وأمر بإجتناب الرجس من الأوثان وإجتناب قول الزور .
6 / 4 : ثم إن صلاة الجمعة تجب على من يسمع ذكر الله ، فعليه أن يسعى الى المسجد الذى يرفع ذكر الله جل وعلا وحده ، قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) (9) الجمعة ) ، لم يقل : إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا اليها ، أو فاسعوا للصلاة من يوم الجمعة . جاء الوصف لهذه الصلاة وما يسبقها من أذان وخطبة بأن تكون ذكرا لله جل وعلا. وذكر الله جل وعلا يعنى قرآنيا : ذكره وحده بلا شريك وبلا تقديس لمخلوق .
6 / 5 : ثم إننا لا نفرض رأينا هذا على أحد ، لأنه لا إكراه فى الدين .
7 ـ ضمن الإكراه فى الدين أن يأتى شيخ صوفى بأتباعه فى مسجد لأهل القرآن ـ مثلا ـ ويقيم ذكرا صوفيا بالرقص والغناء فى الساحة التى نصلى فيها . من الممكن أن يفعل ذلك فى قاعة تابعة للمسجد وليس فى نفس المكان الذى نصلى فيه . مثلما أفعل حين أُصلّى فى مكان فى الكنيسة بعيد عن مكان صلاة أصحابها فيها . نفس الحال فى داعية سنى أو شيعى يقول ما نعتبره نحن منكرا من القول وزورا . له أن يخطب بهذا فى مكان ملحق بالمسجد التابع لنا ، وليس له أن يفرض علينا سماعه أو شهوده .نحترم حريتهم فى شعائرهم وأديانهم ، ولكن ليس لهم أن يجبرونا على سماعها ، بنفس الطريقة ليس لنا أن نجبرهم على سماع ما نقول ، مع اننا لا نقول إلا بالقرآن الذى يزعمون الايمان به .
8 ـ ندخل بهذا على مجالس الخوض فى آيات الله ، وهى قريبة مما سبق . يقول جل وعلا للنبى محمد عليه السلام معاتبا : ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ )(68) الانعام ) . واضح هنا أن عليه السلام كان يحضر مجالسهم التى كانوا يخوضون فيها بآيات القرآن لعبا ولهوا . نزل الأمر بالاعراض عنهم حين يبدأون فى الخوض فى آيات الله ، حتى يخوضوا فى حديث غيره . أى ليس أمرا بمقاطعة مجالسهم ، بل الاعراض عن تلك المجالس حين تدخل فى الخوض فى آيات الله القرآنية ثم العودة اليها حين يكفون عن الخوض فى آيات الله .
ليس هنا مصادرة للحرية الدينية وليس مصادرة لحرية الكلمة ، وليس فيه إكراههم على أن يقولوا الحق القرآنى . بل مجالستهم ومشاركتهم الكلام ، فإذا دخل الكلام فى الخوض فى القرآن الكريم والتلاعب به ، فلنتركهم وشأنه لأن السمع مسئولية ، أو كما قال جل وعلا : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36) الاسراء ).
وقد إلتزم النبى محمد عليه السلام بهذا التوجيه ، ولكن لم يلتزم به المؤمنون فى المدينة ، حيث الحرية المطلقة فى الدين ، وحرية المنافقين المطلقة فى المعارضة الدينية والسياسية ( سلميا ) . كان المؤمنون يحضرون مجالس المنافقين بما يدور فيها من كفر وإستهزاء بآيات الله . ونزل قول رب العزة جل وعلا يقول لهم محذرا ومهددا : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140) النساء ).
أخيرا :
1 ـ هذا ملمح من ملامح الحرية الدينية المطلقة فى الاسلام وفى دولة الاسلام التى أقامها النبى محمد عليه السلام .
2 ـ هذا يتناقض تماما مع شرائع المحمديين ، والذين وصل خلافهم الى درجة الاقتتال ، ووصل إقتتالهم الى درجة تفجير المساجد ، وإعتبارها أهدافا حربية ، بعد أن تحولت الى مراكز حربية للحشد والشحن والتوجيه والتحريض .
3 ــ ما نقوله فى موقعنا لا يحظى بقبول المحمديين ، مع إنه مُعزّز بالقرآن الكريم . وما نقوله فى موقعنا قريب مما تمارسه أمريكا والغرب من حرية دينية .
4 ـ النتيجة هى ما أشرنا اليها فى المقال السابق ( بدون الحرية الدينية يكون الفساد فى الأرض ) . ولهذا فالفساد متجذر فى دول المحمديين بنفس تغلغل الإكراه الدينى .
إلسلام عليكم .اعتقد ان مفهوم الاجتناب كما شرحتموه في اجتناب الخمر والاوثان واجتناب الاضرحه يختلف مع تبريركم للصلاة داخل اللكنيسه.مع العلم اني لا امانع في دالك مادام النيه والاتجاه لله .فالله يعلم ما في القلب