بقلم حازم الأمين/
للمرء أن يعتقد أن مهمة حزب الله في لبنان صارت أصعب من مهامه في الخارج، ذاك أن تصدر الحزب الحياة العامة والدورة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان تسبب بدفع ركيزته الاجتماعية والمذهبية إلى واجهة المشهد اللبناني، فحل المستثمرون الشيعة اللبنانيون محل مواطنيهم من أبناء الطوائف الأخرى، وطافت الجماعة الشيعية اللبنانية على مختلف الأصعدة، وازدهرت مناطقها في جنوب لبنان، وضاعف من ازدهارها الاكتشافات النفطية على الساحل الجنوبي، والتي خصبت الخيال الاستثماري، ودفعت بطموحات المواطنين الجنوبيين إلى مناطق قد لا تتوافق مع ما يسعى حزب الله إلى تكريسه، ويتمثل في إدامة الاستنفار في مواجهة “المخاطر الإسرائيلية”.
لا يعني هذا الكلام أن نتوقع قطيعة بين حزب الله وبين بيئته الشيعية اللبنانية، بل نوعا من تباعد هادئ في المصالح أو تحويلا لمصالح الحزب، ويمكن للمرء أن يرصد هذا في التفاوت الكبير بين ما يزعم الحزب أنه بصدده بصفته قوة جاهزة للحرب في أي لحظة، وبين التمدد الاقتصادي والسيولة الاجتماعية والمعيشية للجماعة الشيعية. فأينما وليت وجهك في بيروت اليوم ستلاحظ تصدر الشيعة أنماطا من العيش تدفعك إلى التساؤل عما يربط أنماط العيش هذه باستعدادات حزب الله إلى خوض حرب في أي لحظة، على ما يقول الحزب دائما.
مناطق الازدهار الشيعي تشمل اليوم الأسواق التجارية في بيروت ومناطق واسعة في محيطها، ناهيك عن مناطق مثل فردان وبئر حسن ورأس النبع وتخوم الأشرفية. وبهذا المعنى فإن صدام مصالح سيقع في حال قرر الحزب خوض حرب في لبنان. ولكن الأهم من ذلك هو ما يسمعه المرء في هذه البيئة، ويتمثل في أن ثمة اعتقادا يرقى لأن يكون إيمانا في أن الحزب ليس بعيدا عن طموحات جماعته الأهلية لجهة عدم رغبته في التورط في حرب تطيح هذه المكتسبات.
مشاركة الحزب في الحرب في سورية مثلت تسوية لهذه المفارقة، ذاك أنه يقاتل بعيدا عن المصالح المباشرة لجماعته، وهو بذلك حاز دعمها هناك، وانحيازها إلى خياراته السورية، ناهيك عن أن هذه المشاركة عززت من دور الجماعة الشيعية في لبنان، فصارت هذه الجماعة أفقا لاحتمالات الاستثمار في إعادة إعمار سورية في حال رست تسوية لهذه الحرب. لا سيما وأنه من المرجح أن تشمل هذه التسوية دورا للحزب في “مستقبل سورية” على ما تطمح نخب الحزب اللبنانية، وهذه النخب لا تقتصر على مقربين من الحزب، إنما تشمل أيضا مقربين من رئيس مجلس النواب نبيه بري. ويبدو أن الآخرين فتحوا خطوطا موازية، تمثلت في علاقات مع شركات روسية جاء بعضها إلى لبنان ضمن صفقات عقود التنقيب عن النفط مقابل السواحل اللبنانية. ولا يتردد هؤلاء في القول إن الدور الروسي على هذا الصعيد سيتولى ضبط العلاقة بين الحزب وبين إسرائيل وفق معادلة تشبه المعادلة التي أرساها في الجولان السوري.
كل هذا يدفع إلى الاعتقاد أن قضية الجبهة الجنوبية لن تكون ساخنة، على الأقل من الجهة اللبنانية، ويعزز من هذا الاعتقاد ما استجد على المشهد اللبناني والمتمثل في حقول الغاز والقدوم الوشيك لشركات التنقيب. وحزب الله بصيغته ما قبل النفطية لن يكون هو نفسه بصيغته بعدها. فإغراء الازدهار يملي تعاملا مختلفا، والحروب تؤخر تدفق النفط، لا بل قد توقفه. وهنا ربما كان من المفيد الذهاب خطوة إلى الأمام، فثمة تداخل في حقول الغاز في المياه الإقليمية لكل من لبنان وإسرائيل، والتحكيم الدولي قد يفرض نوعا من العلاقات لا يمكن أن تنعقد من دون حد أدنى من التعاون، وهنا على الحزب أن يجري تعديلات في منظومة “مقاومة التطبيع”، كأن تصدر الصحف الموالية له في صباح يوم ما وعلى صفحاتها مقالات عن استبعاد العلاقات النفطية عن حرب التطبيع، أو أن يتم إسقاط أسماء شركات عن لوائح المقاطعة.
للازدهار أثمانه، ومثلما استدرج الحزب لبنان إلى نموذجه وإلى خياراته، ها هو لبنان يستدرجه إلى موقعه. فالقول بأن الحزب عسكر مجتمعه، له ما يوازيه وما لا ينسجم معه. ثمة من يذهب إلى القتال في سورية وثمة من يستثمر في هذا القتال في لبنان. “المنتصر” هناك يضاعف من نفوذ المستثمر هنا. تغير هذه المعادلة سيضع الحزب في صدام مع مصالح الصاعدين من أبناء بيئته. وقد يقول قائل إن الطبيعة الأيديولوجية للحزب لا تقيم وزنا لهذا التوازن، وأن الحزب جزء من منظومة النفوذ الإيراني في المنطقة والحروب ليست خيارات يمكنه تفاديها وليس هو من يقررها، هو قول صحيح، لكن في مقابل ذلك يمكن القول أيضا إن ازدهار الشيعة في لبنان يعطي إيران فرصا موازية لشراكات أوسع. فشركات النفط الروسية التي فازت بمناقصات الغاز اللبناني، هي امتداد لكونسرتيوم روسي باشر عقود تنقيب ومد أنابيب في إيران بعد التوقيع الموازي على الاتفاق النفطي بين موسكو وطهران.
هذه ليست أجواء حروب على رغم المؤتمرات الصحفية المتلاحقة لأمين عام حزب الله حسن نصرالله، وعلى رغم التضامن الكبير مع عهد التميمي.
شبكة الشرق الأوسط للإرسال
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟بقلم مفكر حر
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربيةبقلم حسن محمودي
- الميلاد آتٍبقلم مفكر حر
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :