بقلم بابكر فيصل بابكر/
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي بالتعليق حول الحادث العنصري الذي تعرض له طفل سوداني مقيم في لبنان، حيث رفضت مديرة إحدى دور الحضانة في منطقة كسروان (جبل لبنان) قبول الطفل مبررة موقفها بأن بعض ذوي الأطفال الموجودين في الحضانة اعترضوا على قبوله وهددت بعض الأمهات بسحب أطفالهن من المؤسسة في حال تم قبول الطفل صاحب البشرة السوداء.
وأصدرت الملحقية الإعلامية بسفارة السودان في بيروت بيانا تأسفت فيه غاية الأسف “لحدوث مثل هذه الممارسات في القرن الحادي والعشرين”، وشجبت “بأشد العبارات هذا المسلك العنصري المؤسف والذي يتنافى مع كل تعاليم الديانات والقيم الإنسانية والقوانين الدولية وحقوق الطفل في التعليم”، كما حضت “الجهات المعنية بالدولة اللبنانية على اتخاذ ما يلزم في مواجهة من تسبب في شرخ نفسي لأسرة الطفل”.
يتوجب على الحكومات في الدول العربية عدم التهاون مع الممارسات العنصرية
ولم تكن حادثة الطفل الأولى من نوعها التي يتعرض فيها مواطنون سودانيون لممارسة عنصرية في لبنان؛ حيث تكررت حوادث الإهانة العنصرية للسودانيين وكانت أشهرها قد وقعت في العام 2010 بمنطقة الأوزاعي (منطقة شعبية ملاصقة لمطار بيروت الدولي) عندما قام بعض رجال الأمن اللبنانيين بضرب مجموعة من السودانيين كانوا يشاركون في حفل غنائي ووجهوا لهم سيلا من الإهانات والسباب العنصري بسبب لون البشرة. وقد كاد الحادث أن يؤدي لقطع العلاقة بين البلدين عندما رفضت الحكومة اللبنانية تقديم اعتذار رسمي.
وفي حقيقة الأمر فإن تعرض السودانيين للإهانات العنصرية لم يكن مقتصرا على لبنان، فقد عانى السودانيون في العديد من الدول العربية من هذه الآفة. وفي العام الماضي فتح الاتحاد الإفريقي تحقيقا في حادثة تعذيب سودانيين في ليبيا، حيث تم تداول مقاطع فيديو تظهرهم تحت وطأة التعذيب والإهانة والانتقاص من قبل بعض الليبيين.
وكذلك تداولت مواقع التواصل الاجتماعي قبل فترة قصيرة مقطعا صوتيا لطبيب سوداني يعمل في السعودية تعرض لموقف عنصري من مواطن سعودي بسبب رفض الأول تحقيق رغبة السعودي في الحصول على إجازة مرضية، وتضمن المقطع إساءات عنصرية بالغة وجهها المواطن السعودي للطبيب السوداني، مما حدا بوزير الصحة السعودي للاجتماع بالطبيب السوداني والاعتذار له.
وفي شهر رمضان الماضي ثار السودانيون على المسلسل الكوميدي الكويتي “بلوك غشمرة” بسبب تصويره للسودانيين بأنهم كسالى ويميلون للنوم والرقاد، ولا يجيدون نطق الحروف العربية، كما يظهر ذلك في نطق الأرقام، وكذلك أعطى المسلسل إيحاء سلبيا إلى صورة المرأة السودانية وبأنها بدينة ووصفها بـ”البقرة”.
عرفت البشرية خلال تاريخها الممتد أنواعا متعددة من التفرقة بين الناس تضمنت التفرقة على أساس من الجنس أو الطبقة والوضع المالي أو اللون وقد ارتبطت الأخيرة بحقبة في التاريخ الإنساني كانت فيها العبودية أمرا مشروعا ومستساغا خصوصا تلك المرتبطة باللون الأسود، وما زالت رواسب تلك الحقبة موجودة حتى اليوم في مختلف أنحاء العالم.
وتعكس الثقافة ـ التي هي مرآة المجتمعات ـ تصورات مختلف الشعوب تجاه لون البشرة وما يترتب على ذلك من أوضاع اجتماعية واقتصادية وسياسية. وفي الثقافة العربية فإن محمولات اللون الأسود كانت على الدوام سالبة وشريرة وقبيحة ومتشائمة في مقابل اللون الأبيض الذي ارتبط بكل ما هو إيجابي وجميل ومتفائل.
إن الكراهية المتأصلة للون الأسود في الثقافة العربية يعبر عنها بمقولات دالة من شاكلة “سود الله وجهك” التي تقال للمغضوب عليه، و”القرش الأبيض لليوم الأسود” التي تعبر عن نفع المال المدخر عند الحاجة، وفي لغة أهل الشام والخليج يطلق على الفول السوداني “فستق العبيد”.
وكذلك فإن العرب يطلقون على الشعوب الزنجية ذات البشرة السوداء اسم “الغربان” تشبيها لهم بطائر الغراب الذي يعتبر سواده نذيرا للشؤم. إن الصورة النمطية للإفريقي الأسود في المخيلة العربية هي أنه كريه الرائحة، كسول، ومنحرف عاطفيا، ويقول المثل العربي إن “الأسود إذا جاع سرق وإذا شبع زنا”.
واقع الحال هو أن السود في المجتمعات العربية تطلق عليهم مسميات ذات دلالة عنصرية ازدرائية تعكس تصورات سالبة وأوضاعا اجتماعية متدنية، فهم في بلاد اليمن “أخدام”، وفي السعودية والخليج هم “أخوال” و”كور” و”كويحة”، وفي بلاد الشمال الإفريقي هم “كحاليش”، وفي مصر “بوابين”.
هذه النظرة العنصرية تم التطرق إليها في الكثير من الأعمال الأدبية العربية، ومنها رواية “الحمام لا يطير في بريدة” للكاتب السعودي يوسف المحيميد، وهى رواية ناقدة للأوضاع السياسية والدينية والاجتماعية في السعودية، حيث تجلت عنصرية المجتمع لبطل الرواية “فهد” عندما توقف مع صديقته ثريا بسيارتهما في أحد الأحياء وتوقفت أمامهما سيارة خرجت منها فتاتان سوداوان فعلقت ثريا بالقول :”يا الله شكل الحارة دي كلها سوداء” وعندما يقول لها فهد : “إنت اللي شكلك عنصرية” ترد عليه بالآية الكريمة “وفضلنا بعضكم على بعض درجات”! وتضيف “الله، رب العالمين قالها مو أنا”، كل ذلك جعل فهد يردد ” يا إلهي، كيف يعيش الإنسان في مجتمع عنصري متآمر، مجتمع يكره ويغش ويكيد وينم ويسرق ويقتل”.
تطلق على السود في المجتمعات العربية عليهم مسميات ذات دلالة عنصرية
وقد أتيح لكاتب هذه السطور قراءة مقال لأحد الزملاء الكتاب في موقع الحرة هو منصور الحاج، يتحدث فيه عن العنصرية في السعودية، ويشير لحادثة وقعت معه شخصيا تقول تفاصيلها الآتي:
“قبل سنوات، كنت في إدارة الجوازات بمدينة جدة لاستكمال إجراء يتعلق برخصة إقامتي. أثناء وقوفي في الصف أنتظر دوري للدخول إلى مكتب المسؤول، اقترب مني أحد رجال الجوازات، وبلا مقدمات، وصرخ في وجهي قائلا: ارجع إلى الوراء “يا العبد”. أغضبني ما قاله فشتمته وتبادلنا السباب”.
ثم أردف تلك الرواية بالقول “من المؤسف أن نتعلم في المدارس أن “الناس سواسية كأسنان المشط” فيما نرى تمييزا ممنهجا وعنصرية بغيضة في كل مناحي الحياة في بلاد دستورها القرآن والسنة”.
بالطبع لا يجوز تعميم القول بأن المجتمعات العربية بأسرها تحمل ذات النظرة المتعالية تجاه السود، إذ أن قطاعات كبيرة منها ما عادت تنساق خلف ذلك السلوك البغيض بسبب من تأثرها بالتطورات العالمية التي أصابت الإنسانية في قضايا الحقوق والمواطنة والمساواة، وكذلك فإن هناك آخرين جافوا هذه النظرة العنصرية بدافع من إيمانهم بالأديان والتعاليم الرسالية الداعية لعدم المفاضلة بين الناس بسبب لون بشرتهم.
وبما أن التغيير في ثقافة المجتمعات وسلوكها لا يقع فقط بقرار حكومي بل تسهم فيه عوامل عديدة عبر تراكم زمني طويل، فإن التشريعات لن تكفي وحدها لتبديل نظرة العرب للسود، فالمطلوب هو إحداث تحولات في الثقافة والتعليم والآداب والفنون والإعلام تهدف لتغيير الصورة النمطية لأصحاب البشرة السوداء.
ومع ذلك فإنه يتوجب على الحكومات في الدول العربية عدم التهاون مع الممارسات العنصرية عبر سن القوانين الرادعة وتطبيقها عن طريق الأجهزة العدلية والشرطية بكل حزم لمنع تكرار مثل هذا السلوك. وفي هذا الإطار فإن السلطات اللبنانية مطالبة بالتحقيق في واقعة الطفل السوداني بكل شفافية وبضرورة إيقاع العقوبات اللازمة على دار الحضانة المعنية متى ما تمت إدانتها في تلك الحادثة المؤسفة.
الصورة لملكة جمال السودان فاطمة علي تعرضت للعنصرية في مصر
شبكة الشرق الأوسط للإرسال