عند البطون تعمى العيون

قرر اولاد الملحة اعداد حفل عشاء ليلة امس ودعوة كل سكان الحي والاحياء المجاورة من ضمنهم عابري الطريق.iraqbeforafter (1)
وياتي هذا الحفل الذي ضم اطايب الطعام وما لذ وطاب من الاكلات العراقية والخليجية مستثنين اكلات الدول المجاورة الاخرى بمناسبة تقرير وزارة التخطيط الذي ذكر ان 80٪-;- من النشاط الاقتصادي في العراق ينحصر في المطاعم التي تقدم ومن ضمنها الاكشاك المرصوفة على نهري دجلة والفرات كافة انواع الاطعمة.
ومان مرت حوالي ساعتين حتى تزاحم الجمهور على فراش الطعام الذي امتد عشرات الامتار على جانب الطريق العام.
ومابين الاحاديث المتشعبة والنكات الظريفة كان بعض الحاضرين قد انزووا بعيدين مع صحونهم وملامح وجوههم تنبىء عن غيظ دفين.
وكسر احدهم الصمت حين قال:من هو المجنون الذي قال ان هناك 7 ملايين عراقي يعيشون تحت الفقر وملايين اخرين ينامون بلا عشاء 5 ليال في الاسبوع.
واكمل اخر: فهاهي وزارة التخطيط بجلالة قدرها تقول ان المواطن العراقي يعيش في بحبوحة حتى انه يتناول طعامه خارج البيت كل يوم.
وقال ثالث: الا سدل ذلك على ان العراقي لديه من الدولارات مايفيض عن حاجته بحيث لايفكر ولا زوجته في اعداد الطعام داخل البيت.
ضحك الرابع وهو بالكاد يبلع لقمته :لماذا تتعب الزوجة نفسها وتطبخ وهي تعلم ان بعض واردات النفط تاتي اليهم تباعا.
عاد الاول الى القول : هذا صحيح بدليل ان وزارة النفط ممثلة بالعلاقات العامة بعثت رسايل الى المواطنين ومنهم انا ذكرت فيه ان عهدا جديدا يطل على شعبنا هذه الايام بعد ان تقرر صرف منحة شهرية ثابتة لكل عراقي تستقطع من واردات النفط مع منحة مماثلة للاسر التي تريد ان تتناول طعامها خارج البيت وخصوصا في المطاعم التي سنذكرها لاحقا والتي قدمت خصومات كبيرة على اكلات الباميا والباجة ووحش الطاوة و”مركة”البطاطة والهريس المشبع بلحم الضان.
وسمعوا احدهم يقول: ياسلام هذا هو العراق الصحيح وليس ذاك الذي كنا نعيش فيه قبل سنوات حيث كنا نقرا في الصحف بان واردات النفط زادت بمقدار الربع والنصف وثلاثة ارباع عن الفترة السابقة، حتى ان بعض الصحف نقلت عن مسوولين كبار قولهم”انهم سيهدون براميل من النفط الى الدول العربية الفقيرة حتى تستطيع ان “تمشي امور شعبها”.
ساعتان اخريتان وانغفض القوم بعد ان فرغت الصحون وامتلات البطون بما لذ وطاب.
وتقرر بعد هذا الانفضاض ان يصار الى تقييم هذه الفعالية من قبل ريس اللجنة التنسيقية المشرفة على حفل العشاء.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, كاريكاتور. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.