مهيار الفارس – العدد (83) – 07 نيسان 2014
قبل أيام نشر ملاذ الزعبي تدوينته الجديدة بعنوان: (عندما يتواصل زعيمان: الرسائل المتبادلة بين هيثم مناع وحسن نصر الله), مُخلّفاً عاصفة جديدة كما اعتاد أن يفعل في مدونته “نكاشة.كوم”, التي أطلقها قبل عام تماماً في نيسان 2013, مع شخصية وهميّة حملت اسم “عبد النافش نكاشة”.
يتخيّل “نكاشة” رسائل متبادلة بين المعارض السوري هيثم مناع رئيس فرع المهجر بهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي, وبين الأمين العام ل”حزب الله” اللبناني حسن نصر الله. حيث يختتم بأسلوبه الساخر رسالة د. هيثم مناع بالتوقيع التالي: (المتحدث باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان، نائب المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي في سورية، مؤلف كتاب: “الإمعان في حقوق الإنسان”). بينما يبدأ رسالة السيد “نصر الله” بالعبارات العاطفية الممجوجة: (سلام سليم، أرق من النسيم، يجري ويروح في القلب المجروح.. صديقي الدكتور هيثم..).
تستند كتابة ملاذ إلى المقابلة التلفزيونية الذي أجراها الإعلامي اللبناني “طوني خليفة” مع هيثم مناع ، في برنامج “سري جداً” الذي يُعرض على قناة “الآن” نهاية آذار 2014، والتي سأل فيها خليفة ضيفه صراحة ومباشرة عن لقاء تواردت أنباء سابقة عنه مع حسن نصر الله الذي تقاتل قواته في سوريا إلى جانب قوّات النظام السوري. وحين ردّ مناع بأنّه لن ينفي ولن يؤكد, أفاده خليفة بتاريخ اللقاء وهو تشرين الأول 2013 في الضاحية الجنوبية في لبنان.
على عادته كذلك تهرّب مناع ليقف خلف اصبعته “الحقوقيّة” -إن جاز القول- إذ اختار مناع أنّ يبرّر أّنه لن ينفي ولن يؤكد اللقاء كي لا يستطيع الدكتور بشار النوم!!, وردّ خليفة إن كان-مناع- يعتقد حقاً أنّ الدكتور بشار لو رغب بمعرفة تفاصيل وحيثيات اللقاء تحتاج كل هذا الجهد أم لا, فقال مناع: لا أعرف. أنا مثل ما يقول منصف المرزوقي, نحن ذاهبون إلى السياسية ونحن نحمل حقوق الإنسان. وإذا حدث العكس, أن أذهب إلى السياسة دون قيم أو مبادئ فسأترك العمل السياسي فوراً.
الاطلاع على هذه التفاصيل هام وضروري لالتقاط النفس الذي يبني عليه “نكاشة” سخريته. فنقرأ مثلاً في رسالة مناع المًتخيّلة:
(عزيزي سماحة السيد حسن..
اسمح لي أن أخاطبك بـ”زميلي في النضال حسن”، فإن كنت أنت قد اخترت منذ ريعان شبابك النضال ضد الإسرائيليين وحلفائهم من اللبنانيين مختاراً لنفسك طريق الخنادق، فإنني اخترت النضال ضد انتهاكات حقوق الإنسان مختاراً لنفسي طريق بعثات تقصي الحقائق وهيئات التحقيق الدولية، فكلانا مناضل في سبيل العدالة، وإن كان كل منا قد اختار أولويات العدالة التي يسعى خلفها).
ويكون رد السيد: (أخجلني حقيقة خطابك الدافئ، وفاجأني اعتبارك أننا زميلان مقاومان في سبيل العدالة، فبتقديري لا مقاومة أبداً أمام مقاومتكم، فالرصاصة قد تؤخر العدو فترة من الزمن، لكن الفكرة وحدها هي من ينتصر عليه، فكيف إن كانت الفكرة هي: حقوق الإنسان).
عبر مُتخيّله هذا يختار ملاذ صوتاً هو صوت ناطق الخطاب الأول, ليقدّم نقدّه لكل ذلك الخطاب. نقدّه السياسي والفكري الذي يُميّز مدونة ملاذ “نكاشة. كوم” رغم عمرها القصير نسبياً عن مدوّنات سورية عديدة اختارت مهاجمة التابوهات القديمة “الكليشية” مثل الدين والجنس, فكان أن وقعت فريسة شبكاهما. أو غرقت في أيديولوجيا انتمائها السياسي المؤيد أو المعارض, حتى بات الأمر مساحةً للذم والتهجّم العنيف الخارج عن ضوابط الكتابة, الساخرة أو الناقدة, ليقارب التشبيح الأدبي.
ففي معرض انتقاده لما قاله مناع في اللقاء عن رغبته الصريحة في لقاء السيد نصر الله, (أريد أن أقابل المقاوم, لأنّ قناعتي الأساسيّة أنّ “حزب الله” في الجنوب مقاوم, ولكن في سوريا سيُختزل إلى حزب شيعي), يصيغ ملاذ العبارات التالية من رسالة مناع: (أعذرني بداية لأنني لن أقوم بتهنئتك على الانتصار الذي تحقق أخيراً لمقاتليك في يبرود، فهو وإن كان تحقق على جهة تكفيرية لا تريد خيراً للشعب السوري ولا لمثقفيه أو منظماته المدنية وهيئاته التنويرية، إلا أن مجرد قتالكم على الأرض السورية سيشرعن للجهاديين الأجانب التواجد على الأرض ذاتها بحجة الدفاع عن السنة في حرب طائفية.
يعنون ملاذ تدوينته بالرسائل المتبادلة, وذلك لما قاله منّاع في المقابلة التلفزيونية تهرّباً من سؤال مُضيفه حول الحديث الذي دار مع نصر الله, فقال انّه أوصل إليه رسالة (أنّ رصيد “حزب الله” الذي تكوّن خلال عقدين من الزمن سيخسره في سوريا, وهذا من حرصنا على المقاومة). ورد السيد نصر الله بأنّ: (نحن لسنا مع انتصار النظام السوري, ولسنا مع انتصار المعارضة. نحن مع تسويّة سياسية في البلد).
يستند ملاذ إلى معرفته ومتابعته للشأن السوري من خبرته كمحرر أخبار سياسية, وعمله في أكثر من صحيفة سورية وأجنبية, فيستعير لاءات هيئة التنسيق الثلاث, وظرافة السيد حسن نصر الله, لإنشاء قاعدة تحمل الخطاب الذي يريد قوله عبر الرسائل المُتخيّلة.
في رسالته يقول الأمين العام لحزب الله مثلاً: (أعتذر لأنني ربما خرقت واحدة من لاءاتك الثلاث، ألا وهي: لا للعنف، حيث اضطر مقاتلو الحزب في غير مناسبة لاستخدام القوة دفاعاً عن أنفسهم ضد التكفيريين، لكنني حريص كل الحرص على أن لا أخرق أي من اللاءتين الأخريين فنحن ضد أي تدخل خارجي في الشأن السوري اللبناني العراقي الإيراني المشترك، وضد الطائفية التي قد تحاول استهداف نظام حكم طائفي وحلفائه الإقليميين.)
تبدو كل رسالة من الرسالتين متماسكة في بُنيتها, ابنة بيئتها التي تعبّر عنها, وإن كانت مقابلة منّاع التلفزيونية أفسحت مجالاً معرفياً أوسع أمام ملاذ لتكوين مُتخيّل أكثر انضباطاً والتصاقاً بحالة مناع, في حين بدت رسالة السيد حسن نصر الله تفيض بالسخرية من الأول أكثر من كونها ردّاً جاداً, خاصة ختامها الذي يقول: (بعيداً عن الشأن السوري المعقد، أود أن أنقل لك تحيات مجموعة من الحقوقيين المنتمين إلى كوادر حزب الله، بعضهم حالياً يتواجد في سورية، فيما آخرون يستعدون للانتقال إلى هناك، مستغلاً هذا الخطاب لأكشف لك عن استعدادنا لإطلاق جامعة “آل البيت لدراسات حقوق الإنسان” والتي ستتخذ من مسجد “السيدة زينب” سلام الله عليها مقراً لها).
علماً أنّ مجرّيات اللقاء الواقعيّة التي تهرّب منّاع من البوح بحقيقتها تفتح من حيث تهرّبه من البوح بها مجالاً قابلاً ويحتمل مثل هكذا رد.