عندما يتقمص القادة في الشرق الاوسط ثوب الآلهة!

assaderdoghanعبدالله جاسم ريكاني

كثير من القادة العرب و غير العرب و خاصةً الشرق الاوسطيين، و بعد مضي فترة طويلة على بقائهم في سدة الحكم، تأخذهم العزة بالاثم و تضيف عليهم الحشود المسلوبة الارادة و المتملقين من حاشياتهم ووعاظ السلاطين الفاسدين و المتزلفين هالات من المعجزات و القدرات الخارقة و الافعال العظيمة عليهم الى درجة تشبيهم بالآلهة و الانبياء. مثلاً قال الشاعر شفيق الكمالي في بيت من قصيدة طويلة يمدح فيها الدكتاتور العراقي صدام حسين “تبارك وجهك الوضاء فينا، كوجه الله ينبض بالجلال”، كما وصف الاراجوز عزت الدوري نائب الدكتاتور مادحاُ سيده ” سيدي لولا ان الرسول محمد قد قال ” لا نبي بعدي، لكنت انت نبي العرب و المسلمين لهذا الزمان”. و لا ننسى الرئيس معمر القذافي و كيف كان يسمى نفسه رسول الصحراء و يقارن نفسه و كتابه الاخضر بشخصية الرسول و القرآن. و لكي لا يخلو شرقنا ” الاوسخ” من هؤلاء المرضى السايكوباثيين و المهووسين والمصابين بإنفصام الشخصية، طلع علينا مؤخراً نبي من نوع آخر من سلالة المغول في تركيا.

خلال فتره حكمه كرئيس للوزراء، إعتاد السيد أردوغان على إلقاء الخطب الطويلة كل اسبوع في اجتماعات حزب العدالة و التنمية و كانت معظم القنوات الفضائية التركية، تبث هذه الخطب بصورة حية على الهواء. و عندما صعد على منصة رئاسة الدولة التركية، تم تبديل مستمعيه و الذين كانوا يتشكلون في معظمهم من الاكاديميين و المشرعين المنتمين لحزبه، استبدلهم هذه المرة “بالمختارين” و هم القادة المختارين من اهالي القرى و يبلغ عددهم 53000 في تركيا. و حالياً، يتم اختيار المئات من هؤلاء المخاتير و جلبهم الى القصر الرئاسي للاستماع الى خطب السيد الرئيس حفظه الله و التي تبث هي الاخرى حيةً على كافة القنوات الفضائية.

و في احدى هذه الاجتاماعات في اوائل العام الحالي، دافع الرئيس عن حالة العزلة و الحصار الدولية التي تعانيها تركيا حالياً على المستوى الدولي و الناجمة عن سياسة الطرق المسدودة التي يتبعها السيد الرئيس في سياسته الخارجية، و مطمئناً المخاتير ان لا يأبهوا بذلك لان العون و المساعدة سوف تأتيه من ” الفوق” و يعني “الأعلى”.حيث قال: هذه الدولة او تلك قد تقف ضدنا و تعارضنا، و لكن كل هذه الامور لا تهمنا، و أردف قائلاً” حسبنا الله و نعم الوكيل و هو على كل شيئٍ قدير، لولا هذا الايمان الذي نتحلَى به لما انتصرنا على البيزنطيين الذيم كانوا أقوى جيش على الأرض في ذلك الوقت في معركة مانزيكرت. لولا هذا الايمان لما تمكنا من تأسيس أقوى و أكبر دولة في التاريخ و الحفاظ على قوتها لأكثر من 600 سنة.

يبدوا ان السيد اردوغان أحس بحاجته الماسة الى ان يدفع بشخصيته الحالية الى “المرتفعات السماوية” و هي نزعة او دافع أكبر بكثير من مجرد “الله معنا” و هو الشعار او الخطاب الذي اعتاد اردوغان على التشدق به عندما تلاقيه الصعوبات و التحديات.

لقد وصل الحد الى ان تبث قناة الخبر الحكومية و الموالية لحزب السيد اردوغان قبل حوالي شهر، شريطاً وثائقياً عم ما سماه “أزمة السابع من شهر شباط من سنة 2012، و التي جلبت الاضواء الى الصراع الذي كان قد بدأ يتخمر بينه و بين حركة فتح الله غولين. في هذه الازمة الحادة، حاول الحكام و المدعون العامون التابعين لحركة غولين، اعتقال السيد هاكان فيدان، رئيس الاستخابرات التركية و أحد أقرب الاشخاص الى اردواغان و المأتنم على اسراره. بحسب الشريط الوثائقي، فإن تدخلاً سماوياً هو الذي أفشل المخطط الغوليني.

و منذ ذلك الحين، توالت التصرفات و الاقوال التي تضيف هالة من الابعاد العلوية و المقدسة على الشخصية الاردوغانية.فعلى سبيل المثال، لننظر الى الملاحظات المدهشة التي اصبغها النائب البرلماني السيد ياسين أكتاي، في مناقشة برلمانية الاسبوع الماضي على السيد اردوغان، عندما قال: إنه احد أفضل الاشياء و احد أفضل الاشخاص في هذه الدولة، بحيث عندما نراه، نقول كلنا “اللهم صلي على محمد”. و لا يخفى علينا ان الصلوات في الاسلام تتلى على شخص الرسول محمد (صلعم) فقط.

و في حادثة اخرى حديثاً، نشر رئيس فرع :شباب حزب العدالة و التنمية في اسطنبول” في موقعه على تويتر، صورةً لكأس من الماء يستعمله السيد اردوغان و كأنه يمثل “شيئاً وثنياً: قائلاً، هذه هي الكأس التي يشرب منها الرئيس اردوغان عندما يلقي خطبه. و أردف قائلاُ، في الحالات الصعبة و المحرجة، يقول الاتراك، خليها على الله، و بإمكاننا ايضاً ان نقول، إن السياسة الخارجية للرئيس اردوغان هي الاخرى تنبع من الله!! هل هذا يعني ان تركيا بحاجة الى معجزة الهية للتخلص من عزلتها الدولية التي سببتها السياسة الخارجية الفاشلة لاردوغان؟!.

و مع روسيا و منذ اسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر 24، 2015، دخلت تركيا في حالة حرب باردة مع روسيا و هذه الحرب قابلة لان تتحول الى مواجهة حارة بين البلدين في أي وقت. كما ان العلاقات التركية مع الامريكان و الاوروبين، قد دخلت في مأزق عميق من ان بدأت تركيا في قصف وحدات حماية الشعب الكوردية و فشلها و ترددها في تقديم اي مساعدة للحلفاء في حرب داعش.

و مع تزايد المخاطر الخارجية على تركيا، تزداد الاحوال الداخلية فيها سوءاً ايضاً. و في محاولة من الحكومة التركية للسيطرة على كافة خيوط اللعبة و الحكم، و عدم تحملها لأي نقد داخلي، يبدوا ان السيد اردوغان سيسبب لحزبه تصدعاً ان لم يكن إنشقاقاً. ان عدم توافقه مع رئيس حكومته في العديد من المواقف بدأ يزداد و يظهر للعيان. كما ان عدداً من “ذوي الوزن الثقيل” في حزبه و من ضمنهم نائبه السابق، السيد بولنت أترينج، قد شكلوا كتلة معارضة لاردوغان قد يقودها الرئيس التركي السابق عبدالله غول.

في المناطق ذي الاغلبية الكوردية، و منذ ان بدأ اردوغان حربه ضد حزب العمال الكوردستاني في تموز الماضي، فإن الاضطرابات التي تشهدها المدن الكوردية و التدخل العسكري و الامني بالدبابات و المدافع في المدن، خلقت مظاهر من التدمير تذكر الاتراك بمشاهد التدمير في المدن السورية. و مع تزايد عدد الضحايا بين الطرفين، فإن المخاوف من ان تمتد تلك الحرب والتي تنحصر حالياً في المدن و تتوسع لتشمل مناطق اوسع و اكثر في الربيع قد تصبح حقيقية. و لا يبدوا ان هناك اي بارقة أمل من ان تضع تلك الحرب أوزارها في الامد القريب.

و في خضم هذا الجو الملبد بالغيوم و المآزق، فإن السيد أردوغان لا يبدوا عليه انه قد يتخلى عن حلمه في تحويل نظام الحكم التركي الى نظام رئاسي تنفيذي و الذي بموجبه سيتحول اردوغان “دستورياً” الى الرجل ألأوحد في تركيا. و للتغلب على المصاعب و المعوقات الداخلية و الخارجية والتي قد تعرقل تحقيقه لهذا الحلم, فإنه يحاول ان يحظى بدعم القاعدة الاسلامية السنية المحافظة في تركيا و التي يعتبرها سنده القوي.

و بينما ينشغل الداعمين لاردوغان للرفع من شأنه، أرتفعت نبرة اجنداته الدينية و الاسلامية في احاديثه و خطبه الاخيرة. ففي آذار 5، و عندما كان يخاطب اعضاء احدى الرابطات التي تحارب الادمان و العادات السيئة، تحدث اردوغان عن كيف أن “تركيا الجديدة تحت قيادته” ستمنع الكحول، و قال’’ الرهبان الدومنيكان في عصر الحزب الواحد بعد تأسيس تركيا الحديثة في عام 1923، شجعوا الناس على شرب الكحول تحت يافطة التغريب و التحضر. ان الكحول استخدم كأداة لتغيير المجتمع إجبارياً و نزع هويته المجتمعية و تفريغه من قيمه،،. وأردف قائلاً’’ اليوم، نحن كأمة و كوطن، نعيش في مرحلة بناء تركيا جديدة، و الحمدلله، ان تلك العقلية قد تم إبطالها رغم العوائق العرضية. و في 27 من شباط، و من خلال خطابه في مؤتمر لاحدى المؤسسات الدينية، أكد أردوغان على اهمية مدارس تخريج الأمة و الخطباء و التي تدرس القرآن الكريم و قال: ان هدفنا هو تخريج جيل متدين.

السؤال: لماذا على السيد اردوغان ان يمارس السياسة في الدنيا من منظور المقدس؟ و هل الرئيس التركي الاسلامي يعتقد فعلاً بأنه في مهمة دينية مقدسة؟ في الحقيقة، ما يعتقده الرئيس شخصياً ليس بالأمر المهم، و لكن الخطير في الامر هو ان يؤمن أتباعه بذلك، اي ان يؤمنوا بأن رئيسهم هو فعلاً في مهمة دينية مقدسة!!

المصدر ايلاف

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.