عندما كنت شاباً، كنت أحلم ببلادي وقد عمت فيها الحرية والديمقراطية.
وكنت أعتقد وفق نظرية المؤامرة أن ذكاء شعوب بلاد الشام وقدرتها التجارية ومبادراتها الصناعية، تجعل اسرائيل ومن وراءها يخشون أن نتطور بشكل صحي، فالمنافسة على المدى الطويل لن تكون لصالح أعدائها.
كان يتراءى لي في أحلامي فارس أنيق يعلو حصاناً أبيض ويقود جيشاً من المثقفين، لتحرير بلدي.
دارت الأيام، فرأيت رجلاً ملفوفاً في رداءٍ من الماضي وكأنه شوندرة تنضح دماً يعدني بقادسية التحرير.
ثم سمعت أن الإسرائيلي يدعمه ويشد أزره.
‘ من تحت الدلف لتحت المزراب’
من قال لكم أن شعوب بلاد الشام التواقة إلى الحرية والكرامة الإنسانية والمواطنة ودولة القانون، مستعدة لإستبدال الفارس المتحضر الأنيق وحصانه الأبيض الموعود بملفوفة متخلفة مشوهة.
تبين لي أن نظرية المؤامرة لم تلحظ تكاتف التكفير الديني والإستبداد السياسي لتمزيق الحلم الجميل …
عدت إلى نومٍ دون أحلام بإنتظار يقظة الأمة.
تذكرت الجواهري حين كتب:
وسِرْتُ قَصْدَكِ لا كالمُشْتَهي بَلَداً
لكنْ كَمَنْ يَتَشَهّى وَجْهَ مَن عَشِقا
دِمَشْقُ عِشْتُكِ رَيْعاناً، وخافِقَةً
ولِمَّةً، والعُيونَ السُّودَ، والأَرَقا
وها أَنا، ويَدي جِلْدٌ، وسالِفَتي
ثَلْجٌ، ووَجْهيَ عَظْمٌ كادَ أو عُرِقا
وأنتِ لم تَبْرَحي في النَّفْسِ عالِقَةً
دَمي ولَحْمِيَ والأنْفاسَ، والرَّمَقا
دِمَشْقُ صَبراً على البَلْوى فَكَمْ صُهِرَتْ
سَبائِكُ الذّهَبِ الغالي فمااحْتَرَقا.