بسام جعارة: هافينغتون بوست عربي
أخبرني ضابط أمن مجلس الوزراء أن محمود الزعبي “حردان” ويرفض العودة إلى مكتبه، وأن العماد حكمت الشهابي رئيس الأركان يرى أن نقنعه بالعودة، وبالتالي يتوجب عليّ أن أذهب فوراً إلى منزله وأن لا أعود إلا إذا سبقني إلى مكتبه.
قلت له أنت تعرف أن علاقتي الرسمية به لا تسمح لي بالذهاب إلى بيته إلا إذا طلبني هو إلى هناك، كما كان يحدث بين وقت وآخرعندما يكون هناك أمر يتطلب ذلك. فكان رده: اذهب دون تردد لكي لا يندم على فعلته لأن “الحرد” ممنوع عند حافظ الأسد ونتائجه كارثية.
وصلت إلى منزله وأدخلني الحرس إلى غرفة الاستقبال الجانبية، وبعد دقائق دخل محمود الزعبي مرتديا “الجلابية”، مرحِّبا، ولكن باستغراب من مجيئي إلى بيته، لأنه لم يطلبني.
بعد أن قُدمت لي القهوة، سألني بارتباك عن الطقس، ثم عن أحوالي الشخصية والعائلية، منتظرا معرفة سبب الزيارة المفاجئة.. فقلت له بشكل مباشر: البريد تراكم في مكتبك وينتظر توقيعك والوزراء يسألون عن مصير كتب إيفاد سفر للخارج لحضور اجتماعات ومؤتمرات و.. هنا قاطعني، وقال: ألا ترى أنك قد تجاوزت حدودك!! قلت: أبدا بل عليك الآن أن ترتدي ملابسك وتسرع إلى مكتبك.
هنا أدركت ومن ملامح وجهه أن الرسالة قد وصلته، وبدا وكأنه تلقى “دوش بارد”، فقال لي بلهجة رقيقة وحزينة: حسنا عد إلى مكتبك وسأذهب حالا.
القصة وما فيها أن مفلح الزعبي، دخل كعادته في مشاجرة مع عدد من رواد أحد المطاعم، وكانت الشكاوى حول سلوكه لا تنقطع، لأنه يتطاول على الصغير قبل الكبير، وكان قبل أيام من ذلك قد أصر على تدخين السيجار في إحدى رحلات “السورية للطيران”، رغم اعتراض الركاب ومضيفي الطائرة فتقرر تأديبه.
عندما كانت تقع مثل هذه الحوادث قبل أن يصبح بشار الأسد وليا للعهد، كان باسل الأسد يستدعي مفلح الزعبي ويوبخه ويهدده، بل ويفرض عليه عقوبات مختلفة، منها سحب بعض السيارات الموضوعة تحت تصرفه، وكان يقول له أيضا إن شقيقك همام مؤدب ونحبه ونحترمه، فلماذا تسيء لأهلك، ولنا جميعا بسلوكك الأرعن؟
في ذلك اليوم تولى بشار الأسد بيده تأديب مفلح الزعبي، فأرسل دورية جاءت بمفلح إلى “الطاحونة” وهو مركز للتحقيق والتعذيب يتبع الحرس الجمهوري، ويقع خلف مبنى الإذاعة والتلفزيون في ساحة الأمويين وسط دمشق، واستخدم لذلك قضيبا من الحديد ترك آثاره الدامية على جسده وهو الأمر الذي لم يتحمله محمود الزعبي فقرر أن يحرد في بيته وأن لا يعود إلى مكتبه.
بعد يومين من عودة الزعبي إلى مكتبه استدعاني وقال: لن أنسى لك أبدا ما قدمته لي عندما ذهبت إلى بيتي لإقناعي بالعودة إلى المكتب، وأمس جاء بشار إلى منزلنا وتناول الإفطار الرمضاني معنا بعد أن قبًل مفلح ورطب خاطره بكلمات طيبة..
مسلسل الاغتيالات لم يتوقف.. وبعد فترة قصيرة من مقتل والده توفي همام الزعبي، وقيل إن سبب الوفاة يعود إلى تناوله “جرعة كبيرة” من المخدرات، ولكن أحد المقربين من عائلته أكد أنه قتل بسبب تفوهه بـ”جرعة كبيرة” من الكلام حول ظروف مقتل والده، واتهامه الصريح لبشار بقتله.
بعد فترة قصيرة أيضا من مقتل محمود الزعبي جاء من يخبر بشار أن زوجته اضطرت لبيع مقتنيات منزلها لتؤمن مصروف العائلة، فكان جوابه أنها تستطيع تأمين مصروف عائلتها من الأموال التي نهبها مفلح الزعبي، ونسي أنه – بشار- يستطيع تأمين مصروف آل الأسد وأحفادهم وأقاربهم لعشرات السنين فقط من مليارات الدولارات، التي ورثها وعائلته من الأموال التي نهبها باسل الأسد ومنها الـ 13 مليار دولار، التي تم استرجاعها من بنوك النمسا بعد مقتله وهي المليارات، التي اتهم محمود الزعبي بفضحها، وكانت سببا رئيسا في مقتله، طبعا عدا المليارات، التي نهبتها عائلة الأسد خلال نحو نصف قرن من الزمن.
بشار الذي تولى بيده تأديب مفلح الزعبي، لم يفعلها مع أبناء عمومته وبقية الشبيحة من عائلته، الذين كانوا يروعون الناس ويعتدون على أملاكهم وأعراضهم ولم يفعلها أيضا مع ابن خالته عاطف نجيب، الذي قلع أظافر أطفال درعا بعد أن كتبوا على جدران مدرستهم “أجاك الدور يا دكتور”، بل قال لوفد وجهاء حوران، الذين استدعاهم الى القصر الجمهوري: هناك قضاء عادل وتستطيعون من خلاله تحصيل حقوقكم، وهذا كل ما أستطيع فعله لكم، لأننا في “دولة مؤسسات” ولكنه نسي دولة المؤسسات هذه عندما تولى بنفسه ضرب مفلح الزعبي و”دولة المؤسسات” هذه هي التي تقول روسيا وغيرها من دول الشرق والغرب إنه يجب الحفاظ عليها لكي لا تنهار الدولة السورية.
بشار لم يفعلها أيضا مع ابن عمه سليمان الأسد قاتل العقيد حسان الشيخ، بل أطلق سراحه وترك الأمر لـ”دولة المؤسسات”، التي تم اختزالها بزيارة قاسم سليماني إلى دار العقيد حسان الشيخ، ومعه رشوة بعشرة ملايين ليرة سورية للكف عن المطالبة بمحاسبة سليمان الأسد.
ولكن وللانصاف فعلها بشار عندما كلف اللواء عبد الفتاح قدسية بتأديب أصف شوكت على طريقة شيوخ “الكتاتيب” الذين كانوا يعتمدون “الفلقة” لتأديب الأطفال المشاغبين وفعلها أيضا عندما كلف العميد أديب شحادة بتأديب اللواء رستم غزالي الذي خرج عن “النص” قبل أن يجهز عليه بحقنة في مشفى الشامي، وربما فعلها في عشرات من الحالات الأخرى التي لم نسمع بها.
ولكن لماذا تولى بشار الأسد بنفسه تأديب مفلح الزعبي بقضيب من الحديد، بدلا من توكيل هذه المهمة لمرتزقته في مركز التعذيب التابع للقصر الجمهوري؟
الإجابة تأتي عندما يتذكر كل من يعرف كيف كان باسل الأسد يتولى بنفسه تأديب بشار بالعصا بعد كل خطأ يرتكبه وكانت الأخطاء تتكرر يوميا!