من أطرف ما يمكن سماعه هذه الأيام كلام المسؤولين والديبلوماسيين الروس عن “شرعية” بشّار الأسد. آخر من تحدّث عن هذه “الشرعية” السفير الروسي في لبنان في مقابلة مع محطّة “إم. تي. في” الإثنين. لم يقل لنا سعادة السفير الذي يتحدّث العربية بطلاقة كيف يمكن لنظام قتل ما يزيد على ربع مليون سوري في ثلاث سنوات وهجّر تسعة ملايين مواطن آخرين أن يكون شرعيا؟
لم يقل كيف يمكن لنظام يحتقر شعبه أن يكون شرعيا؟ كيف يمكن لنظام يستعين بالأجنبي كي يدافع عن مواقعه العسكرية ويدافع عن أركانه وكي يقتحم قرى ومدنا أن يكون شرعيا؟ كيف يمكن لنظام فعل ما فعله بلبنان واللبنانيين وفلسطين والفلسطينيين أن يكون شرعيا؟
هل مجرّد أن يقتل النظام السوريين بالأسلحة الروسية، وبمشاركة الإيرانيين ولبنانيين من “حزب الله” وميليشيات عراقية معروفة،يعتبر سببا كافيا كي يصير شرعيا؟
لم تكن للنظام السوري شرعية ما في أيّ يوم من الأيّام. هناك طائفة تحكم سوريا باسم حزب البعث والشعارات الطنانة من نوع “المقاومة” و”الممانعة”، مستعينة بالأجهزة الأمنية والقمع والقتل وإذلال المواطن وقهره ولا شيء آخر غير ذلك.
هناك تحوّلان اساسيان طرآ على النظام الذي هو في الأصل نتاج إنقلاب عسكري نفّذ في الثامن من آذار ـ- مارس ١٩٦٣ باسم حزب البعث. يتمثّل التحولان في أن بشآر الأسد جعل النظام عائليا أكثر متخلّيا حتى عن كبار الضباط العلويين الذين خدموا مع والده من جهة، وجعل من سوريا تابعا بشكل كلّي لإيران من جهة أخر.
الفارق بين بشّار ووالده ليس في النفس الطائفي والمذهبي للنظام. الفارق في أنّ حافظ الأسد عرف كيف يقيم توازنا بين العرب، على رأسهم المملكة العربية السعودية… وإيران. رفض دائما أن يكون كلّيا تحت رحمة إيران التي باتت تعتبر، على لسان أعلى المرجعيات فيها، أنّه “إمّا تكون سوريا لنا…أو لا تكون لأحد”. عرف حافظ الأسد الإستفادة إلى أبعد حدود من غباء البعثي الآخر الذي كان إسمه صدّام حسين والذي كان يحكم العراق. إستفاد خصوصا من رعونة الرئيس العراقي الراحل الذي لم يدرك يوما شيئا عن التوازنات الإقليمية والدولية، فأدخل العراق في متاهات يدفع العراقيون ثمنها، حتّى اليوم، من دمّهم.
لم يحسن بشّار الأسد “الشرعي” من وجهة النظر الروسية، والذي لا يشبه نظامه من ناحية التوريث، غير كوريا الشمالية، حتّى التعاطي مع سنّة المدن الكبيرة من حمص وحماة وحلب ودمشق. كان هؤلاء السنّة في مواجهة دائمة مع حزب البعث. وقد استخدم الضباط العلويون في البداية واجهة سنّية لضرب وجهاء هذه المدن. من يتذكّر أن المواجهة الأولى مع حماة كانت في العام ١٩٦٤ حين كان أمين الحافظ ( الضابط البعثي السنّي) رئيسا لسوريا وعبدالحليم خدآم محافظا للمدينة؟
كان الضباط العلويون، على رأسهم محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد من الدهاء إلى حدّ استخدام سنّة الأرياف في المواجهة التي خاضوها مع سنّة المدن بغية التخلّص من كلّ الشخصيات التي لها وزنها سياسيا وعسكريا والإنتهاء من العائلات الكبيرة التي إرتبطت تاريخيا بالفضاء العربي العام، إن في المشرق أو في الخليج.
لم يحط حافظ الأسد نفسه، بعد ١٩٧٠، الّا بسنّة الأرياف أو المدن غير المهمّة. كان بين هؤلاء السنّة عبدالحليم خدّام ومصطفى طلاس وحكمت الشهابي وناجي جميل وفاروق الشرع، لاحقا، وغيرهم. كانت هناك بعض الإستثناءات، لكنها كانت نادرة وفي سياق تنفيذ أغراض معيّنة. وضع هذه الشخصيات السنّية في الواجهة وتركها تستفيد إلى أبعد حدود من كلّ ما تقع يدها عليه، حماية للمظاهر. كانت السلطة الحقيقية في يده وفي يد الضباط العلويين، خصوصا أوالئك الذين ساعدوه في التخلّص من شقيقه رفعت، الذي كان على عجلة من أمره في الإستيلاء على السلطة والذي كان سبّاقا إلى الكلام عن “حلف الأقلّيات” في المنطقة.
هذا هو النظام الذي يعتبره الروس “شرعيا” ويقدّمون له كلّ أنواع الأسلحة من أجل ذبح شعبه والقضاء على كلّ معلم حضاري في البلد.
هذا النظام كشف أخيرا عن وجهه الحقيقي. سقط القناع في اليوم الذي إعتبر فيه “حزب الله”، وهو ميليشيا مذهبية لبنانية تابعة لإيران، أنّه يخوض في سوريا معركة “وجود”. لم يعد سرّا أن روسيا إختارت الإنضمام إلى حلف مذهبي يستخدم الغرائز لتجييش بعض الناس، خصوصا في لبنان والعراق، في الحرب التي يخوضها النظام السوري مع شعبه.
في النهاية، لا يمكن تغطية السماوات بالقبوات. هناك شعب سوري يقاوم الظلم. يفعل ذلك منذ ما يزيد على ثلاث سنوات. لو لم يكن الشعب السوري يقف بأكثريته الساحقة ضدّ النظام، لكانت الثورة توقفت بعد كلّ القتل الذي تعرّض له. لم يسبق لشعب، في تاريخ المنطقة، أن تعرّض لما يتعرَض له الشعب السوري، فيما الأدارة الأميركية تتفرّج وفيما تحوّلت أوروبا إلى مجرّد شاهد زور.
ما تسعى إليه الإدارة الأميركية من خلال موقفها المستغرب يصبّ في خدمة التطرّف والمتطرّفين. هل بات تشجيع التطرّف سياسة أميركية؟ ألم تتعلّم واشطن شيئا من الإستثمار في الحركات الدينية في أفغانستان حيث أرادت، في ثمانينات القرن الماضي، محاربة الإتحاد السوفياتي عن طريق التطرّف الديني، مستخدمة أسامة بن لادن ومن على شاكلته؟
المؤسف أن روسيا التي تدّعي أنها تشارك في الحرب على التطرّف والإرهاب في سوريا تخدم، من حيث تدري أو لا تدري، والأرجح أنّها تدري، كلّ ما من شأنه تشجيع التطرّف والإرهاب. من يقول أن النظام السوري “شرعي”، هو ومن على رأسه، إنّما يضحك على نفسه أوّلا ويضحك على العرب عموما. فالطفل المولود في المنطقة يعرف طبيعة هذا النظام ومقدار شرعيته… المستمدّة من الموقف الإيراني القائل:” إما تكون سوريا لنا…أو لا تكون لأحد”. هذا الموقف الذي يدعمه الروس يصب في مكان واحد هو تفتيت سوريا والإنتهاء من الكيان السوري. أوليس هذا ما تريده إسرائيل؟
المصدر ايلاف