بسم الله الرحمن الرحيم
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
” وامحمداه! وصبروا يومئذ صبرًا لم يعهد مثله”.
كان هذا شعار الصحابة في الحرب على مسيلمة الكذاب، كأن صداه يتردد في حرب ثوار العشائر على مسيلمة العصر نوري المالكي.
الخيانة مرة كالعلقم لكن مرارتها في القلب وليس الفم ولا تنتهَ ِ مهما طال الزمن، فلا يوجد أمرٌ من أن ينسى الإنسان الصحبة والمعايشة ووأيام الفرح والترح والتأريخ المشترك مع أسرته وجاره وزملائه في الدراسة والعمل، أوعشيرته وشعبه إلا إذا كان مجردا من الغيرة والشرف تماما . ولا شيء يجرح القلب أكثر من خيانة أقرب الناس إلينا على المستوى الشخصي، أما على المستوى العشائري والمواطنة فتلك مأساة أشد ضراوة وفتكا من غيرها، يتوارثها الناس من جيل لآخر في أحاديثهم على مرَ الزمان.
ربما في الوقت الحاضر لا يُكشف غطاء البالوعة عن خيانات العصر الظلامي العفن في العراق لأسباب عديدة، ولكن للتأريخ لسان، ولسانه لاذع لا يرحم الخونة، وهناك الكثير من الشواهد والدلائل. مثلا لم يجرأ أهالي بغداد مع سقوطها بيد المغول عام 656 هـ على الحديث عن خيانة الطوسي وإبن العلقمي لأن مصيرهم سيكون التعذيب أو الموت، ولكن هل إستمروا في سكوتهم؟ التأريخ يقول لا! ولحد الآن مازال العراقيون يصفون الخائن بالعلقمي وإبي رغال وغيرهم من خونة الشعوب رغم مرور عدة قرون على تلك الخيانات. وفي نفس الوقت يشيدون بموقف إبن تيمية في مقارعة الغزاة المغول. والعجب ان عملاء الإحتلال في العراق ابدلوا (مدرسة أبن تيمية) بإسم (مدرسة العلقمي) ربما لأنهم يشاطرونه العمالة وشبيه الشيء منجذبا إليه! قد يكون التأريخ غير حريص في ذكر جميع الأبطال من الثوار والمقاومين لأعداء الأمة، لكنه حريصا كل الحرص في الإفصاح عن الخونة. لذا قليل من العراقيين يعرفون بأن الشيخ إبن تيمية كان من دعاة المقاومة للغزو المغولي، لكن الكثير منهم يعرفون عن خيانة إبن العلقمي.
الخيانة مصيبة الأمم وهي التي تميز رجال الكهوف من رجال القمم، سيما عندما يتعرض الوطن للغزو الأجنبي حيث تُكشف جميع أوراق اللاعبين، نستذكر حرب نابليون مع الإمبراطورية النمساوية، فعندما تجاوزت قواته الغازية أبواب فيينا بالتعاون مع قائد الحامية النمساوية الذي خان بلده طمعا بالمال والجاه، حضر قائد الحامية الخائن إلى نابليون مهنئا أياه بالنصر المبين على أبناء جلدته. وبدلا من المال والمنصب طلب التشرف بمصافحة نابليون فقط. فقال له نابليون: أنا لا أتشرف بمصافحة الخونة! وهذا زعيم النازية هتلر يصف الخونة بقوله ” أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتي هم الذين ساعدوني في إحتلال بلدانهم”. ياإلهي إذن كم حقي في بلادي! هكذا يحدثنا التأريخ، لكننا مع الأسف كما وصفنا المجرم اريل شارون بقوله” كنت واثقا إن العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا فإنهم لا يفهمون”! وقد فاته ان يضيف لها( وإن فهموا فلا يتعضوا).
لم يمر على العراق منذ سقوطه بأيدي المغول بفضل خيانة شيخ الطائفة الطوسي وربيبه العلقمي خيانة أشد من تلك التي صاحبت الغزو الأمريكي ـ الصهيوني ـ الإيراني عام 2003 وقد تحدثنا مرارا وتكرارا على خيانة رموز الشيعة سواء كانوا من السياسيين أو رجال الدين، ربما خيانة رجال الدين ـ رغم قوة تأثيرهم السابق وأفوله في الحاضر ـ تعتبر أقل جناية من السياسيين، فالمراجع الأربعة في النجف ليسوا بمواطنين عراقيين لذا فأنهم قد خانوا العيش والعشرة والواجب والضمير وليس الوطن، مثلا علي السيستاني ومحمد سعيد الحكيم الإصفهاني من أصول فارسية ووطنهم إيران، وبشير النجفي من أصول هندية، واسحق الفياض أفغاني. لذا فإن أمر العراق وشعبه لا يعني لهم الشيء الكثير مهما حاولوا التشدق بخلاف ذلك.
من المعروف والمثبت تأريخيا إن أهل السنة هم من رفعوا راية الجهاد ـ المعطلة شيعيا في إنتظار المهدي ـ ضد الإحتلال وهذا بإعتراف قوات الغزو نفسها. وكان للفلوجة الدور الكبير في الإنسحاب الذليل لقواتهم بعد أن تكبدوا خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات، وما تزال لعنة الفلوجة تطاردهم في ديارهم حيث ينتحر المئات من المرتزقة سنويا. مع إننا لا نبخس الأطراف المقاومة الأخرى في بقية المحافظات ذات الأكثرية من أهل السنة. فقد وصل الأمر بأن يصف بول وولفووتز، نائب وزير الدفاع الأمريكي أهل الفلوجة “إنهم نازيون”، وحورها المندوب الإمامي الأمريكي بول بريمرـ رئيس سلطة التحالف الدائمة مع مرجعية النجف بقوله” كل سُنّي بعثي، وكل بعثي صدّامي، وكل صدّامي نازي”. (المصدر/ تقرير نشرته صحيفة آسيا تايمز للمحلل السياسي آلين كويك). وصمود وبطولة أهل الفلوجة كأشعة الشمس لا تخفى بغربال، وغيرهم من يدعي بأنه له الفضل في إنسحاب قوات الغزو هو أشبه بمن يبيع الثلج في الأسكيمو. كما أن ما فعله الأمريكان بهم من أفعال وحشية تطأطأ الإنسانية رأسها خجلا منها، والصحفة التي تلتها من قبل قطعان المالكي وميليشياته ليست بالأمر الجديد عليهم! فقد قال الرصافي منذ عدة عقود:
إيها الانكليز لـــــن نتناسى بغيكم في مساكن الفلوجة
فالفلوجي يستحق بجدارة أن يكون تاجا على رأس العراقيين الشرفاء، وسيأتي اليوم الذي يطلق فيه المثل على أصحاب الغيرة والشرف والشهامة بالوصف” أصله فلوجي”.
عندما جرت عملية الإنتخابات والتصويت على الدستور الملغم طائفيا وعنصريا، كانت أكثرية أهل السنة خارج رقعة الشطرنج الأمريكية، صحيح إنهم دفعوا ثمنا غاليا لهذا الموقف الرافض لمخلفات الإحتلال، لكنه يبقى موقفهم هو الموقف الصائب وطنيا وشرعا. وهم في كل الأحوال ـ كما أثبت أفعال حكومة آل البيت فيما بعد ـ كانوا سيدفعوا نفس الثمن، ويلاقوا نفس المصير سواء شاركوا أم لم يشاركوا في العملية السياسية فالأمر سيان عند حكومة المالكي. وقد رأينا النواب والوزراء من أهل السنة لدورتين سابقتين وكيف يرتعدون كالفئران أمام أقرانهم من الشيعة. ولم يقدموا لأهل السنة أية حسنة تذكر طوال السنوات السابقة. أما من كان له موقف معارض فقد تمت تصفيته من قبل الديمقراطيين الجدد! الحقيقة إن التأريخ أعاد نفسه! فقد نبه العلامة عبد الملك السعدي حفظه الله بأن الإنتخابات الجديدة سوف لا تختلف عن السابقتين فيما يتعلق بأحوال أهل السنة! وقد إمتعض بعض العلماء من أهل السنة على دعواه، لكنها الرؤية الثاقبة المستقاة من التجربتين المريرتين، وستثبت الوقائع القادمة صحة رأي سماحته، فله بإذن الله أجرين.
لكن هذا لا يعني إن من يسمون أنفسهم ممثلي أهل السنة كانوا جميعا أصحاب مواقف وطنية ومخلصة للشعب العراقي أو الطائفة على أقل تقدير. وهذا ما يصدق على حكومة المالكي التي لا علاقة لها لا بالشيعة ولا بآل البيت. فالذين خاضوا في وحل العملية السياسية لا يختلفون عن أقرانهم من بقية الطفيليات والطحالب البشرية. فهم جميعا بلا إستثناء قد خانوا الضمير والشعب والوطن والشرف والطائفة التي تشدقوا بحمايتها. لكن ممثلي أهل السنة كانوا في إعماق الخسة والنذالة، فقد قدموا ناخبيهم قربانا للمالكي ليذبحه في محراب آل البيت، ويغرق الأرض ببحر من الدماء، من ثم تباكوا عليهم بدموع التماسيح. يا لخيبتهم! فهم لم يدركوا بعد بأن الدمع لا يغسل الدم ولا يمسحه.
بلا أدنى شك إن خيانة أهل السنة لقضيتهم أشد وجعا من غيرهم، لأن نمر يقف أمامك خير من ذئب يقف خلفك.
خيانة ما يسمى برموز أهل السنة يمكن حصرها في ثلاثة إتجاهات:
1. رموز الخيانة من السياسيين الذين جاءوا مع الدبابات الأمريكية الغازية، وكذلك الذين تعاونوا معهم على الإثم والعدوان أثناء الغزو وبعده. وابرز العملاء: أياد السامرائي، ووفيق السامرائي، عدنان الباجه جي، غازي عجيل الياور، محسن عبد الحميد، سمير الصميدعي، سعدون جوير الريشاوي، أيهم السامرائي. حازم الشعلان. مشعان الجبوري، سلام الزوبعي، قتيبة الجبوري، قاسم الفهداوي. احمد عبد الله الجبوري، رافع العيساوي، أسامة النجيفي، فالح العيساوي، محمود المشهداني، محمد تميم، صباح كرحوت الحلبوسي، مثال الآلوسي، الأخوة كربولي، وغيرهم.
2. الخونة من رجال الدين. أبرزهم مهدي الصميدعي، خالد الملا، احمد الكبيسي. احمد عبد الغفور السامرائي.
3. الخونة من زعماء الصحوات الذين باعوا المذهب والعشيرة بثمن بخس وانضووا تحت مظلة المالكي المثقوبة: أبرزهم حميد الهايس، وسام الحردان، حميد الشوكه، آل أبو ريشة احمد ومحمد خميس، خميس العبطان، محمود فرحان الجميلي وغيرهم.
يمكن الرجوع إلى مقال الأستاذ الفاضل د. عبد الإله الرواي(الثورة العراقية على الأبواب)، فقد أعد جزاه الله خيرا، قوائما مهمة بأسماء العملاء بصنوفهم الخيانية من نواب ووزراء واعلاميين وغيرهم من العملاء قبل وبعد الغزو، ونتمنى منه أن يديمه بإستمرار فالقوائم بحد ذاتها تعتبر وثائق تأريخية دامغة.
بالطبع ليس هولاء العملاء السنة من حملة العقيدة ولا الدين، وليسوا من المتأثرين بعقيدة آل البيت التي تفسدهم وتعتبرهم أولاد زنا. إذن الذي يدفعهم إلى التآمر على أبناء جلدتهم هو الجاه والمال لا أكثر! رحم الله الفاروق، عندما وردت أخماس فارس بعد الفتح المبين وكان فيها ثروة كبيرة من الجواهر واللؤلؤ والذهب والفضة، ما أن رآها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حتى بكى. فقال له عبد الرحمن بن عوف: هذا من مواقف الشكر. فما يبكيك؟ أجابه الفاروق: أجل! ولكن الله لم يعطِ قوما هذا إلا وألقى بينهم البغضاء والعداوة. (كتاب الخراج لأبي يوسف/47).
فعلا كان المال سببا للبغضاء وإنشقاق الصف، ولكن ليس البغضاء فحسب وإنما الخيانة أيضا، ولا عجب من فعل الخونة! فمن تهون عليه خيانة الوطن تسهل عليه خيانة العقيدة والعشيرة والأهل. وهذا ما فعله بعض الشيوخ المحسوبين على عشائر الأنبار كآل ريشة والهايس وغيرهم. ولا أعرف كيف سيتمكنوا هؤلاء السفلة بعد خيانتهم من العيش في الأنبار؟
وبأي وجه سيقابلوا أهل الأنبار وقد تلطخت أياديهم بدماء أهلها الأبرياء، وتلطخت ثانية بالحبر البنفسجي لصالح جزار الفلوجة؟
لا أفهم أي ضمائر تلك التي تقبل أن يُقذف المدنيون الأبرياء بالبراميل الحارقة والقصف المدفعي الثقيل والدبابات والطائرات؟ دع عنك مقاتلي داعش والقاعدة، نحن نتحدث عن المدنيين وليس عمن يحملوا السلاح ويقاتلوا قوات المالكي وميليشياته.
أليس لهولاء الخونة أهل وأقارب وجيران وأحباب وأصدقاء داخل الفلوجة؟ كيف يقبلوا بقتل الأبرياء، دون ان يصدر تصريح واحد أو طلب إلتماس للطاغية المالكي بأن لا يشمل قصفه الأبوي المدنيين الأبرياء الذين لاذنب لهم في الحرب الدائرة؟
ماذا يا ترى يرتسهم على وجوههم القبيحة وهم يروا أفلاما وصورا عن الضحايا من النساء والشيوخ والأطفال؟
ما يقولوا لأنفسهم وهو يروا سقوف الجوامع والمدارس والمؤسسات والبيوت تنهار على أهلها جراء قصف قطعان المالكي وقائدهم الكردي فاضل جميل برواري؟
ماذا سيقول أحفاد الخائن الشيخ حميد الهايس لأحفاد الصنديد الشيخ رافع مشحن الجميلي؟ فعلا هناك فرق كبير بين الذكور والرجال. المرأة تنجب الذكور، لكن المواقف تنجب الرجال.
علي الكاش