(صحيفة لوموند ديبلوماتيك) ترجمه من الفرنسية مالك عيطة لصالح كلنا شركاء
نجيب جورج عوض ( أستاذ مشارك في علم اللاهوت المسيحي ، هارتفورد ، كونيتيكت ، الولايات المتحدة الأمريكية )
منذ اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، في الشرق كالغرب ، ارتفعت الأصوات المنادية لحماية المسيحيين من جحيم الحرب وحمايتهم من التطهير العرقي و الديني التي قد تحدث حتماً في حال سقوط نظام الأسد و مجيء الإسلاميين المتشددين إلى سدة الحكم . لكن في الواقع ، وجدوا المسيحيين أنفسهم في ثورة شعبية حولها نظام مستبد و حركات متطرفة إلى حرب مفتوحة لم يسبق لها مثيل .
ونتيجة لذلك ، أصبحت أرض سوريا ساحة مفتوحة للتصفيات التاريخية والإستراتيجية و السياسية لجميع اللاعبين في المنطقة .أما المسيحيين فقد وجدوا أنفسهم سجناء بين اختيارات وتوجهات مختلف الأساقفة من جهة ، و من قبل وسائل إعلام بشار الأسد التي تقوم على الفبركات والترويع من جهة أخرى .
نظام “ديماغوجي” و صارم :
معظم رجال الدين في سوريا ، سواء كان مسيحيا أم مسلماً ، كان يخضع لديماغوجية و رعاية قوية جدا من النظام السلطوي – الذي أشرف عليها حافظ الأسد شخصياً و أورثها لأبنه.
وهكذا فمع اندلاع الثورة ، أعطي لهؤلاء الكهنة جميع التسهيلات الممكنة في وسائل الإعلام الرسمية للترويج بأن التصفيات الجسدية والتطهير العرقي لجميع المسيحيين ستحصل مباشرةٍ في حال سقوط النظام السوري . ومن هنا يصبح الأسد المسيح “المخلص ” لكنائسهم ، و عائلته ضمان لسلامة مسيحيي الشرق .
على الأرض السورية منذ 1400 سنة ، عاش المسلمين و المسيحيين جنبا إلى جنب في وئام تام . فمن هنا نتساءل ما المانع من استمرارية هذا التعايش بعد رحيل النظام الديكتاتوري ؟ ولماذا المسيحيين السوريين ليس لديهم مصير الا مصير أشقائهم من مسيحيي العراق ؟ منذ الأيام الأولى للثورة ، بدأ النظام آلته الدعائية القوية و المصممة لإرهاب الأقليات وإقناعهم بأنّ في حال نجاحها ، ستكون كارثة ,فهنا بدأ العالم أيضاً بتصديق البروبوغاندا .
عندما فتحت الحدود وسمح لتدفق الإرهابيين والجهاديين و المتطرفين من جميع الأنواع، من أجل زيادة تأثير التعصب والتطرف الديني الأكثر وحشية . شعر المسيحيون في سوريا بقمع وإرهاب النظام الذي أخد بعاتقه معاقبة كل من يقف مع الثورة . وقد تسارعت مؤخراً وتيرة المقابلات التي أجراها بشار الأسد مع وسائل الإعلام الأجنبية ذات التوجه المسيحي . فمهمتهم بسيطة: يطلب منهم ,بكل مصداقية, تصوير الإسلام على أنّه يقوم بذبح الأطفال المسيحيين . وهذا ما ينافي كل الحقائق التاريخية والثقافية ، والاجتماعية. ولكي ينجح في طرح معادلته فقد قام بإعطاء صورة سلبية لغير المسيحيين على أنهم عنيفون ومفترسون .
الخضوع لنظام إجرامي :
هذا النظام المهيمن ، يستخدم المسيحيين –بدهاء- كبطاقة في لعبة بقاءه على قيد الحياة . أنه لا يحمي الأقليات بل العكس تماماً فهو يستخدمهم لحماية نفسه . يجب إنقاذ المسيحيين السوريين من المواقف المدمرة الذي تبناها كبار رجال الدين في التسلسل الهرمي الكنسي و الذي أختار الخضوع لنظام دموي إجرامي بدلاً من احتضان المجتمع السوري ككل ، وأن يقف مع المظلومين في مواجهة الظالم . علينا أن نعي أن الأنظمة وقادتهم فانون، وأما التعايش بين الشعوب فهو أبدي.
لأصدقائنا في الغرب من المسيحيين و غير المسيحيين ، أعني ما أقوله : عندما تسمعون عن سوريا ، تأكدوا من سماع الصوت الحقيقي لا صوت التي تريدون أنتم سماعه- بشكل إرادي أو غير إرادي – . إذا كنتم حقاً تريدون إنقاذ المسيحية في السورية ، أتوسل إليكم ، أن لا تنصتوا للأكاذيب أو الفبركات التي يصنعها رجال الدين المتحالفة مع النظام السلطوي . تذكر أن خضوعهم لبشار أي مسيحهم المدمر هو خضوع مطلق . لا يمكن للمسيحيين السوريين أن يصدقوا البروبوغاندا التي تتباهى بحماية الأقليات ، وأن سكوتهم هو مجرد الخوف من الانتقام.
عندما تفكرون لمصلحتهم، تجنبوا إسقاطا مشاكلكم مع الإسلام. تماماً كإخوانهم وأخواتهم في مصر فهم يدعمون تطلعات شعوبهم المسلمون و العلمانيون و سوريا مجردة من الإرهاب والاستبداد و الجهاديين ، دون تعصب ، و دون تكفير ، و القضاء على الفساد . أنقذوا مسيحيو سوريا ، قبل كل شيء ، من الإرهاب والتخويف التي تخنقهم هذه العائلة .