قصة حقيقية حدثت سنة 1972 (شاهد الفيديو اسفلاً)، حول سقوط طائرة مدنية ذات مُحَرِكين تَسَع حوالي 50 راكباً، كانت تقل بعض الناس المدنيين مع كامل الفريق الرياضي للعبة الركبي لإحدى جامعات دولة الأورغواي في امريكا اللاتينية، والذين كانوا يُسافرون لخوض مباراة مع فريق دولة تشيلي .
وحين كانت تطير فوق سلسلة جبال (الأندز) وبسبب سوء الأحوال الجوية وشبه إنعدام الرؤية يرتطم ذيل الطائرة وأجنحتها بقمة الجبل الثلجي وينفصل نصفها الخلفي عنها مع بعض الركاب في داخله !، ويستمر الجزء الأمامي في الأندفاع والتزحلق فوق الثلوج في منطقة منبسطة في أعالي واحدة من الجبال الكثيرة، وتستمر في التزحلق وبسرعة ألى أن تقف اخيراً بعد أن ترتطم مقدمتها بقوة بثلوج أعلى منها مما يؤدي لموت الطيار ومساعده ومضيف الطائرة وبعض الركاب وإصابة الكثير من الآخرين بجراح عميقة في رؤوسهم واقدامهم التي حطمتها حدائد أسفل الكراسي التي يجلسون عليها حين زحفت تلك الكراسي بقوة الصدمة وضغطت بينها أجساد وأقدام الكثير منهم .
بعد أن سكنت الطائرة من هول الصدمة نرى هناك ثلاثة انواع من البشر: المذهولين التائهين المرعوبين وكأنهم في حالة هذيان بسبب الحادث، الأقوياء الذين وعوا هول المأساة منذ الدقيقة الأولى وراحوا مباشرةً يُساعدون من حولهم قدر الإمكان، وقلة من اللااباليين الذين راحوا يدخنون سجائرهم خارج الطائرة وكأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد .
بعدها يقوم غالبيتهم بسحب كل من مات ألى خارج الطائرة وتمديدهم فوق الثلوج مع أخراج كل الكراسي والحقائب حتى يكون لهم مساحة كافية للنوم ليلاً داخل ما تبقى من حطام الطائرة، كذلك نراهم يُضمدون جراح بعضهم البعض قدر الإمكان، ثم يقومون بجرد ما في الطائرة والحقائب من أكل وشرب وهي عبارة عن كميات محدودة من الجاكلت وعدد قليل من قناني الخمر (الواين)، وعلب سجائر كثيرة جداً .
واحد من اعضاء الفريق ( فرناندو ) يكون في حالة غيبوبة تامة ولمدة يومين، بينما امه وأخته المراهقة تكسرت اقدامهن بسبب الحادث وماتت الأم في الليلة الأولى للحادث بينما بقيت الأخت تحمل الامها وعذابات قدميها المكسورتين، كذلك كان هناك شابين قد كُسرت أقدامهم وبقوا مقعدين طوال تواجدهم مع الآخرين الأصحاء، لكنهم سيموتون تباعاً فيما بعد .
كل الناجين من الموت كانوا من أعضاء فريق الركبي الرياضي عدى ميكانيكي الطائرة وكان قد أصيب بشبه لوثة عقلية بسبب الحادث ومنذ الدقائق الأولى. كذلك كان من ضمن الناجين رجل وزوجته وهم في العقد الرابع أو الخامس من العمر (هافايير و أريانا) .
يقوم الشاب انتونيو -وهو رئيس الفريق- بتزعم الكل وخاصة في أمر السيطرة المنظمة في توزيع كميات ضئيلة جداً من الجاكلت والواين على الكل ولمرة واحدة يومياً لإبقاء الجميع على قيد الحياة لأطول مدة ممكنة .
بعد يومين يتعافى فرناندو من غيبوبته ويحزن جداً حين يعرف بموت والدته ويقوم بمهمة الإعتناء الفائق بأخته كسيرة القدمين ومحاولة أبقائها على قيد الحياة ولو ألى حين .
بعد مرور 5 أيام .. وفي احدى الصباحات يلمحون طائرة إستطلاع تحوم حول المكان فيقفون جميعاً صارخين وهم يلوحون بما معهم من ملابس ومعادن عاكسة لنور الشمس عسى أن يلمحهم من في داخل تلك الطائرة.
ومن خلال فرحهم وأملهم الكبير في أن النجدة قادمة وبدون علم رئيس الفريق انتونيو يقومون بأكل جميع الحلوى وشرب كل الواين الذي في حقيبة انتونيو معتمدين على ظنهم من أن طائرة الإستطلاع قد شاهدتهم وسترسل لهم النجدة في اسرع وقت ممكن !.
وحين يكتشف انتونيو ما فعلوا يصرخ بهم ويشتمهم ويجن جنونه لإنهم سيبقون بدون طعام وشراب، ويتألم كثيراً بسبب فعلتهم وتصرفهم الصبياني اللا مسؤول .
في اليوم التاسع تموت الشابة المراهقة أخت فرناندو وهي بين يديهِ داخل بقايا الطائرة المحطمة. وبعدها بأيام يعثرون في واحدة من الحقائب على راديو صغير، ويروح كابتن الفريق انتونيو يسمع يومياً الأخبار من خلاله، ألى أن يسمع في أحدى الأيام قرار السلطات المحلية بإيقاف البحث والمسح الجوي بعد أن يئست من إيجاد موقع الطائرة المختفية !.
يرفض كابتن الفريق انتونيو أن يقوم بإخبار الكل عن توقف بحث السلطات عن الطائرة المفقودة، ولكن فرناندو يتبرع بمهمة أخبار الجميع، فيقوم بجمعهم داخل بقايا الطائرة ويُخبرهم بقرار السلطات في إيقاف عمليات البحث عنهم . لكنه يعدهم بأن يتولى هو بنفسه عملية النزول ألى أسفل الجبال من أجل الوصول للحياة وجلب النجدة للجميع .
كذلك يقول لهم بأن التحضير لمثل هذه العملية سيستمر لعدة اسابيع ولحين تغير المناخ وقدوم الربيع وإنكسار حدة البرد والثلوج ولو قليلاً !، وأنه والحالة هذه يتوجب عليهم جميعاً أن يبقوا على قيد الحياة، ولكن ….. وكيف سيفعلون ذلك وهم بلا طعام !؟، وهنا ينوه الى أنه هناك طريقة واحدة للحصول على الطعام .. ثم يصمت !.
ويبدأ البعض منهم بالتكهن وإدراك انه يُنوه ويقصد أن عليهم أكل موتاهم الممددين خارج الطائرة فوق الثلوج الرهيبة !!.
برأيي الشخصي أن اجمل مقاطع الفلم هي في تلك اللحظات واللقطات حين يُفكر كل منهم في أمر أن يأكل لحم الأموات كي يبقى على قيد الحياة !، وقد أجاد مخرج الفلم حقاً في تصويرها وإخراجها والتعبير عنها وبطريقة رائعة ومبدعة تصل القمة من كل النواحي.
ويدور بين الجميع نقاش فكري رائع وحاد ومتقاطع بين مؤيدٍ للفكرة ومعارضٍ لها، وفي البداية يكون الغالبية تقريباً معارضين، ولكن .. ومن خلال الحوار يقوم البعض بتغيير رأيه تمشياً مع فكرة أن يأكلوا امواتهم كي يعيشوا !. وأدناه أنقل لكم نتف من بعض ذلك الحوار .. وبتصرف :
يقول احدهم بأنه يرفض أكل لحم الموتى لإنه يؤمن بالله وأن الله سوف يُعاقبهم بسبب فعلتهم القبيحة والشنيعة والمحرمة هذه !.
يُجيبه شاب آخر وبكل عفوية : ولكن الله هو الذي وضعنا في هذا الفخ والمأزق وهذه التجربة فماذا يتوقع منا أن نفعل !!؟.
يقول شابٌ آخر: أكل الأموات ليس سلوكاً إنسانياً أو حضارياً !. يُجيبه شخص آخر : الضرورات تُبيح المحضورات .
يتسائل أحدهم : ولكن … كيف سنأكلهم .. لا استطيع حتى تخيل ذلك !؟. يُجيب أحدهم : افعل ما يحلو لك .. ولن يغصبك أحد على أكلهم، ولكن عليك أن تفهم أنك مُخير بين أن تموت جوعاً أو أن تبقى على قيد الحياة .
يهمس أحدهم بحزن وقنوط : لا أريد أن أموت .
أما السيدة اريانا فتقول بكل هدوء وإصرار وحزن : أعذروني أحبتي لكني أفضل الموت على أن أكل لحم الموتى. يؤيدها زوجها هافايير ويحتضنها بينما المأساة تبدو فوق وجوههم .
في صباح اليوم التالي يقوم روبرتو بقطع قطعة لحم من جسد الطيار الميت ويأكلها بكل صعوبة، ويتبعه الشاب الذي كان يُمانع فكرة أكل الموتى في الليلة الماضية !!! .. يبتلع قطعة اللحم بصعوبة بعد أن يحشو فمه بالثلج ليتم تسهيل عملية الإبتلاع، ويتبعهم آخر ثم آخر ثم آخر ألى آخر واحد منهم .. عدى هافايير وزوجته. وكم كان مقطعاً مُحزناً حين يطلب فرناندو من الكل أن لا يأكلوا لحم أمه وأخته الميتتين !.
واحدة من اللقطات الذكية التي تحمل الكثير من المعاني الحياتية كانت حين يقومون في الليل وداخل الطائرة بحرق بضعة لوازم لا حاجة لهم بها من أجل التدفئة، ومنها حرق كمية من النقود الورقية !، حيث أحيانا لا يعود للنقود أية قيمة مقارنةً بغريزة حب البقاء على قيد الحياة !.
بعد عدة ليالي وأثناء تجمعهم كالعادة للنوم داخل الطائرة المحطمة وسد فتحتها بالحقائب الكثيرة تفادياً للبرد ، تُخبر أريانا زوجها هافيير بأنها ستقوم بأكل لحم الموتى في الصباح من أجل أن تعيش لترى اطفالهم، يفرح الزوج ويحتضنها وهنا يسمع الجميع اصواتاً مرعبة ناتجة عن تكسر الجليد في اعلى الجبل المحيط بهم بسبب ال ( آفلنج ) إنهيار جليدي عظيم !، وتهجم عليهم اطنان الثلوج المنحدرة نحوهم بقوة لتغطي كل الطائرة وتدخل عليهم في الداخل وهي تحمل معها الموت لبعضهم !.
وخلال لحظات بعد الإنهيار الجليدي يبدأ الأحياء منهم بنبش الثلج عن من غطته الثلوج قبل ان يختنقوا ويموتوا، ولكن عبثاً يحاولون إيقاف يد الموت التي تختطف منهم كابتن فريقهم تونيو وكذلك أريانا زوجة هافيير مع بضعة شباب آخرين .
من خلال الفلم يتم تصوير بعض اللقطات التي تدل على الإيمان الكلي المطلق بالله والصلاة وغيرها من القدسيات وخاصةً في مواقف عجز الأنسان قدام قسوة الطبيعية الغاضبة وضعف الإنسان حيالها، وبرأيي أن هذه الأمور الإيمانية الدينية حدثت فعلاً بين هؤلاء الناجين من الموت ولم تكن محشورة أو مفتعلة من قبل مُخرج الفلم أو كاتب السيناريو، لإن كل أبطال القصة الحقيقيين كانوا من دولة الأورغواي وهي أحدى دول امريكا اللاتينية (الكاثوليكية) والمعروفة بشدة تدينها وتعصبها للدين والله والمسيحية حيث نسبة التدين في مثل هذه الدول عالية جداً .
كذلك لا يخلو الفلم من بعض الطرائف والتي اغلبها جائت عبر شخصية أحد الشباب (كوليتو) والذي كان إيجابياً ومرحاً جداً حتى في أحلك الظروف والدقائق التي مر بها الموت بينهم وهو يخطف منهم من أستطاع إليه سبيلا .
كذلك يتم من خلال الفلم طرح عدة نماذج للشخصيات البشرية وأنواعها وكيف ان من كان قوياً منهم يتخاذل ويضمحل وينضغط تحت الظروف القاسية والتجربة الحقيقية بينما يتعملق آخرون مغمورين ليأخذوا دور البطولة والقيادة والفداء حيثُ لا احد كان يتوقع منهم ذلك !، امثال الشاب فرناندو والذي أنقذ الجميع من خلال جرأته وشجاعته وإقدامه على التضحية بنفسه في سبيل الحياة له وللكل !.
في اليوم ال 61 يقومون بتخييط كيس من جلود مقاعد الطائرة ليكون كافياً لنوم ثلاثة اشخاص في داخله (سليبنك باك – Sleeping bag) تهيئاً لمحاولة نزول ثلاثة منهم لأسفل الجبل من أجل جلب النجدة للأخرين، وهم فرناندو وكنسا وتنتن .
وتبدأ رحلة ومخاطرة النزول لأسفل الجبل من قبل الشبان الثلاثة وبعد إصرار فرناندو وضغطه على كل الآخرين الآخرين، حيث نراه يلعب دور المنقذ والمخلص لجميع من بقى منهم على قيد الحياة، وبدونه لما كان سيحيا أحد منهم .
وبعد مخاطرات جسيمة في عملية النزول يعود تنتن ألى الطائرة بينما يستمر في الرحلة الخطرة الى اسفل الجبل كل من فرناندو وكنسا إلى أن يصلوا الى الوادي حيث يجلبون النجدة لكل الاخرين وبطائرتين مروحيتين .
النهاية .
* كانت الرحلة تحوي على 45 مسافراً من ضمنهم طاقم الطائرة المكون من 4 أشخاص .
* مات منهم 29 شخصاً وبقي على قيد الحياة 16 شخصاً فقط .
* إستمر بقائهم فوق ثلوج الجبل لمدة 70 يوماً
* أخرج الفلم Frank Marshall ، وتم عرضه سنة 1993 .
* طول الفلم ساعتين وسبعة دقائق .
المجد للناس الذين لا يعرفون معنى اليأس .
طلعت ميشو . Sep – 12 – 2018