سمر مهنا: اللاذقية ـ ‘القدس العربي’ ‘
هل كان سيرسل أولاده ليموتون’، هذا ما قالته أم حسين من قرية في جبلة خلال عزاء ولدها الذي توفي في منطقة دير بعلبا بحمص، فابنها الذي أتم لتوه العشرين كان كغيره من شباب الطائفة الذين تطوعوا في الجيش قبل الثورة لأنه لم يكمل دراسته.
أم حسين، عندما نطقت هذه الجملة، كانت غافلة عن صورة بشار الأسد الموجودة إلى جانب صورة ولدها البكر المعلقة على الحائط وهو يحمل سلاحه باسما في إحدى المناطق التي دخلها النظام في تلكلخ.
لكنها كانت في الكامل وعيها عندما أنهت مشادة كلامية بين ابنتها التي بدأت بشتم ‘الرئيس′ وهي تبكي، وبين إحدى القريبات التي كانت ترد عليها بأنه ‘سيادة الرئيس ونضعه فوق رؤوسنا’، فأم حسين ربما كانت خائفة من الغرباء أو بسبب الخطوط الحمراء التي كبرت عليها والتي تفرضها قدسية ‘تضحيته من أجل طائفته’ كما ترى.
هذا المشهد بات يتكرر كثيرا هنا في قرى الساحل العلوية والتي تقاتل بمجملها ضمن ميليشيات ما يصطلح على تسميتها رسميا ‘جيش الدفاع الوطني’ الموالية للأسد، تستقبل هذه القرى يوميا العديد من مواكب العزاء التي يقيمها الجيش تكريما ‘لشهداء الوطن’.
ففي قرية أم حسين الصغيرة وحدها وصل منذ بداية الثورة حتى الآن أكثر من 50 ضريحا لأشخاص كانوا يقاتلون بمناطق لم يروها قبل ذلك في سوريا.
ليست هذه الحالة الوحيدة التي يطلق فيها أهالي قرى الساحل العنان لأنفسهم للتعبير عن غضبهم لوفاة أقربائهم، فسحر التي توفي زوج شقيقتها في بلدة عقربا عندما دخلها النظام، تقول ‘يرسلهم للموت’، في إشارة إلى الأسد و’يعلم أن هذه الحرب لن تنتهي’ وتتابع القول متنهدة ‘حرم إبنة أختي من أبيها، وهو لم يخسر أي أحد من عائلته’.
أما أحمد وهو دكتور أسنان في دمشق، سافر منذ 5 أشهر تقريبا إلى قريته في طرطوس عندما علم بنبأ وفاة أخيه الضابط في دير الزور، و’لم يستطع إحتمال كلام أحد رجال القرية في مديح الأسد خلال الجنازة’ على حد قوله عندما انتفض في وجهه وجعله يصمت، طالبا منه أن ‘يحترم وفاة أخيه’.
تروي أم رامي وهي من قرية في جبلة أن شابا تم اعتقاله وإرساله إلى سجن عدرا، وهو من الطائفة العلوية، لأنه ‘قام بشتم الرئيس وألقى عليه اللوم باستشهاد العديد من شباب الطائفة’، وتقول بصوت منخفض ‘على الشخص أن ينتبه عن ماذا يتكلم’.
لكن رائد وهو شاب في عمر العشرين لم يكترث لهذا الأمر عندما تحدث عن أعمال أحد أفراد العائلة وهو هلال الأسد في الساحل من قتل وتشبيح قائلا ‘الله يلعن أبو هالعيلة’.
لا يخفي أقرباء مقاتلي النظام خلال جلسات العزاء مخاوفهم من الإرهابيين بذقونهم الطويلة والجهاديين الذين يريدون إبادتهم كما يرون، فمن القصص التي روتها امرأة خلال إحدى الجلسات أن صديق قريبها وهو جندي كان يقاتل في حمص، قتل نفسه عندما رأى ‘الإرهابيين’ قادمين باتجاهه وهو جريح لا يستطيع الفرار، لأنه ‘كان يعلم أنهم سيقومون بتقطيعه بالسكين’.
كما تروي فرح أن ‘خطيبها الشهيد، كان يخبرها دائما قصصا عن الإرهابيين والأعمال الإجرامية التي كانوا يقومون بها من ذبح وتقطيع بهدف القتل فقط وباسم الدين’، فهؤلاء من وجهة نظرها وحوش ليس لهم أهل أو أولاد وهدفهم الوحيد هو القتل.
بدورها، تقول ناشطة من الساحل، فضلت عدم الكشف عن اسمها، إن مايحدث الآن في القرى العلوية على مبدأ ‘أنا وأخي على إبن عمي.. وأنا وإبن عمي عالغريب’، حيث تبين أنه من الطبيعي أن يتم شتم بشار الأسد خلال مجالس عزاء الجنود فكل أبناء الطائفة ذاقوا ويلات هذه العائلة مؤخرا.
وأشارت إلى أن العديد منهم على وعي أنه تم استخدامهم كوقود لحماية هذه العائلة وآخرين مصرون على دفاعهم عن الوطن ولو كان الثمن غاليا، لكن جميعهم يقولون إنهم في حرب للدفاع عن وجودهم كطائفة.
وتوضح الناشطة، أن هلال الأسد في الساحل يقوم بقتل العلويين بالاضافة إلى السنة، مشيرة إلى جملة قالتها جدتها عند مرورهم بجانب إحدى ‘الفلل’ لأحد المسؤولين والتي يتم بناؤها حديثا في قريتها، ‘هم يمتلؤون وأبناؤنا يموتون’.