في احد الايام الباردة من شهر كانون الأول, كنت جالسا في الساحة المطلة على مرقد الإمام موسى الكاظم (ع), وقد لفت انتباهي رجل عجوز كيف يهتم بزوجته المسنة, التي يبدو عليها التعب, كان يبتسم لها ويمسكها من يدها ويساعدها في المشي, اقتربا مني وطلب العجوز أن امسك موبايله والتقط لهم صورة, فرحبت بطلبه وأخذت لهما بضع صور, وسئلت العجوز: هل الزواج نعمة أم يفسد مع الزمن؟ فقال لي: نحن تربينا على تحمل البعض, وإصلاح كل كسر, والتعاون على عبور المصاعب, والصدق الوثيق بيننا, مما جعل حياتنا سعيدة, والى اليوم وبعد أربعون سنة من الزواج لا أرى الا هذه الملكة زوجتي.
دفعتني هذه الحادثة للكتابة عن ظاهرة الطلاق المتفشية في المجتمع في السنوات الاخيرة.
أتعجب كثيرا وأنا اسمع معدلات الطلاق الكبيرة جدا في العراق خصوصا في السنوات الاخيرة, والتي تهدد نسيج المجتمع وتخلق مشاكل مستقبلية, والكثير من حالات الطلاق تحصل لأسباب تافهة جدا, كشجار بين الزوجين حول الطعام أو حول الملابس أو لتدخلات الأهل, يكون الزواج مصيره الموت عندما تبنى على أهداف أنية, كالرغبة أو التقارب مع عائلة أخرى, ولا تبحث عن ديمومة العلاقات الإنسانية, أنها المادية والفوضى التي تضرب بعنف في مجتمعنا.
احد أقاربي في منتصف العشرينات من العمر وطلق مرتين لحد ألان, وهو مجرد سائق أجرة, وألان يبحث عن الضحية الثالثة للزواج لثالث مرة, عاتبته ذات مرة فقال لي: “كل شباب جيلي بنفس الحال من النادر من يبقى على زوجته!” وهو يرفض أن يكون اقل من ابن خاله أو ابن عمه الذين طلقا مرتين, ولا أجد تفسير لهذه الحالة الا الفقر المعرفي, وضعف التربية, وغياب الوازع الديني, وتسلط الفكر القبلي الجاهلي على هذه الفئة, وهي ظاهرة في اتساع متزايد.
مازلت أتذكر تلك المحادثة التي جرت قبل شهرين مع أستاذة لعلم النفس, ففي احد المرات حضرت حلقة نقاشية عن أسباب الطلاق, وتطرقت الأستاذة لأحد أهم أسباب الطلاق, الا وهو الجنس, حيث أننا نلحظ أن هنالك خلل كبير في الثقافة الجنسية, وهنالك قصور في فهم الحياة الزوجية, وجعلها مقتصرة على فكرة الجنس فقط, والتي يخف بريقها بعد الأسابيع الأولى للزواج, فان غابة الرغبة الجنسية فيصبح كارثة وليس زواجا, هنالك حاجة كبيرة للثقافة الجنسية للمتزوجين الجدد, وان يفهم الفرق بين كيان الأسرة وبين الفراش.
ولا يمكن تجاهل ثورة الانترنيت, فان دخول تكنولوجيا الاتصالات للبيوت جعل منها أحد أهم الأسباب الطلاق, فالاستخدام السيء للتكنولوجيا خلق مشكلة كبيرة المجتمع, فاغلب المتزوجون الصغار يخنون بعضهم بعضا وبشكل مستمر, عبر مواقع التواصل الاجتماعي, من دون التفات لعظيم الجرم المرتكب, فالقضية معقد ترتبط بالتربية والقيم وفي فهم الحقوق والواجبات, وهذا ما يغيب تماما عن الأجيال الجديدة.
لحل هذه المشكلة يجب أن يكون للدولة دور فمسؤوليتها كبيرة, والحل ممكن عبر وضع برنامج ملزم للمتزوجين الجدد للتثقيف وحل المشاكل التي تواجههم, والأفضل أن يكون بعنوان مرشد اجتماعي ويكون مكانه في العيادة الشعبية التي تلتزم العوائل بأخذ اللقاحات للأطفال, فيكونوا ملزمين بمراجعة المرشد الاجتماعي, وهكذا يمكن حل الإشكاليات وتقليل معدل الطلاق.
نتمنى أن يحصل تغيير للأحسن, وان يكون هنالك فهم اكبر للزواج وأهمية تأسيس كيان قوي, وإدراك الحقوق والواجبات, وان يتفهم الكل أن الطلاق ليس حلا بل إشكالية.