البعض يعزي السبب في أن قلة النساء المفكرات إالى انهنّ ناقصات عقل, دون ان يفكر هؤلاء وكعادتهم بالسبب التي خرجت به بعض النساء منهنّ الفيلسوفات والمفكرات والأديبات وممن تقلدنّ مناصب حكومية مهمة , واللواتي تفوقنّ عليهم بعقلهنّ الناقص كما يدّعون , رغم هذا عجزوا عن الإقرار بأن المرأة مساوية لهم , فيحاولوا رد اعتبارهم أمامهنّ بوصفهنّ بالمسترجلات أي أنهنّ يتشبهنّ بالرجال , على اعتبار ان التفوق والإبداع قد اقتصر على الرجال دون النساء , كون الأنوثة تعني لديهم الضعف والخنوع والاستسلام , وإن وضعنا حجتنا هذه أمامهم لننفي عن النساء نقصان عقلهنّ , نراهم يتحججون بقولهم بأن لكل قاعدة شواذ , معتبرين المرأة المفكرة خارجة عن طبيعتها التي الصقوها بها عنوة وصارت طبيعة المرأة المألوفة لهم هي المرأة الضعيفة المستسلمة والقنوعة بعد أن حصروها بقمقم البيت وأنجاب الأبناء وتبعاته , ليتخلصوا من تلك الفكرة التي صارت شبحاً تخيفهم فيما لو سحبت من تحت أقدامهم سلطتهم عليها .
لنستطلع أهم الأسباب التي حصرت المرأة وجعلت مشاركتها قليلة في نواحي الحياة الكثيرة , وانعدامها في بعض المجتمعات الأكثر تخلفاً
أن معظم النساء قد تم تلقينهنّ منذ الصغر ليصبحنّ صالحات للزوج فقط , وحُصر مصيرهنّ واستقرارهنّ في محيط الزواج لتدفع المرأة ثمن استقرارها النفسي المزيف بهذا الزواج من خلال القهر القانوني الممارس ضدها ومن خلال قهر الرجل لها مستغلاً حقوقه الكثيرة وحاجتها المادية المنقوصة بسبب تفرغها لخدمة الزوج والأولاد مما يتسبب لحاجتها المادية تلك إلى معيل وسند لها ولأولادها , فلأجل الحب والزواج عليها ان تتخلى عن حريتها وكرامتها ومن ثم عقلها ولابدّ لها من أن تنال عقابها بعد ان جردّها المجتمع من أثمن ما يمكن ان يمتلكه الإنسان وهو إنسانيته المتمثلة بامتلاكه لحرية التصرف بذاته التي هي من المفروض أن تكون ملكاً له ولا يحق لكائن من يكون أن يجرده منها , لكن المرأة جُرِدت من تلك الإنسانية وصارت بزواجها مجرد خادمة للزوج نهاراً , ومومساً له ليلاً , بعد ان دفع أجرتها المتمثلة بمهرها المتقدم , والمتأخر تأخذه بعد حين في حالة عدم رضاه عن الخدمات التي تؤديها له , وكتعويض عن سنين عمرها فيما لو أراد ان يرميها إلى الشارع في أي وقت يرغب به حتى لو كان السبب فساده الأخلاقي الذي يترتب عنه السير وراء شهواته ونزواته , فهذا لا يعيبه بقدر ما يعيبه جيبه , وربما يسرق حقها في أجرتها بالطرق العديدة المتاحة له وبحقوقه الكثيرة والحجج المتاحة له قانوناً .
فيكون زواج أغلب الفتيات لأجل الهزيمة من قمع الأب والأخ لها , بحثاً عن بصيص أمل للخلاص من هؤلاء الذين خوّلوا أنفسهم في أن يكونوا مسئولين عنها على اعتبارهم أوصياءٌ عليها وشرفهم يكمن ويتحدد بها دونهم , لتدخل في دائرة قمع الزوج هذه المرّة وقمع القانون لها ومن ثم تفقد قدرتها على الرفض والتمرد بعد ان تعودت على القمع وأصبح لها قانونا غير قابل للتغيير , فمن خلال قهر المجتمع والقانون لها استطاع الرجل أن يهيمن على عقلها وروحها ومن ثم أمتلك جسدها بفرض سيطرته عليها بهذا القانون الذي أعدم حقها في حرية الاختيار ما بين البقاء أو الافتراق عن زوجها بقوانينه التعجيزية والتي وضِعت لقمعها في حالة رغبتها في الافتراق , فلا يتم هذا ألا بشروط تعتمد بالدرجة الأولى على إمكانياتها المادية التي انعدمت أصلاً في خضم توهانها ما بين خدمة الزوج وحلقة البيت والأطفال والتي استدعت مكوثها في البيت لتفرغ عقلها من التفكير ومن محتواه الطبيعي , بالإضافة إلى عدم توّفر السكن لها والذي فقدته أيضاً لنفس السبب .
فمن خلال تخلف الوعي الاجتماعي الذي نتج عنه هذا القانون بعد أن وضع المرأة بدائرة ودوامة فارغة تدور بها وتلف وترجعها من حيث جاءت إلى نفس موقعها , أي أن وضعها صار بحالة من السكون ألذي قتل فيها الشعور بأنها إنسان يمتلك القدرات العديدة التي تم إجهاضها قبل ان ترى النور , فمن خلال هذا القانون حوصرت المرأة في قمقم دون أن تدري به , بل واقتنعت الغالبية منهنّ واستسلمت للإرادة التي صارت فوق قدراتها , وصار الخلاص منه يشكل خطورة على حياتها كونها ستكون إلى الشارع خالية اليدين من المادة ومن سنين عمرها التي صارت منقوصة . .
فارتدى الرجل وجه المارد الذي أراده المجتمع أن يرتديه , يعيش الفساد علناً وبدون خوف من عقاب أو حساب بعد أن حللت له القيم السماوية فساده وحرية تصرفاته , وصارت هي تعيش بغيبوبة الوعي دون ان تدرك ذلك أحيانا , وفي حالة من القبول التام لوضعها لأنها اقتنعت بفكرة أن وضعها جاء كنتاج لقيم مطلقة سادت لقرون , فلا مجال لتغيّرها ولا الطعن ولا التفكير بها حتى , فتصورت غالبية النساء بأن سيادة هذه القيم لقرون عديدة تعني إنها قيمٍ مطلقة بصحتها وأكيد ستكون لصالحها , وإلا لما استمرت مجتمعاتنا على السير عليها وخصوصا إنها وكما صوروها منزّلة من السماء وعلينا ان نقدّس كل حرف فيها دون الشك كونها مطلقة , ومن ثم ستكون صالحة لكل زمان ومكان , فصار حال المرأة بلا أرادة ولا قوة لها ألا بذلك الرجل المارد الذي يوفر لها لقمتها ولقمة أبنائها, ويوفر لها الحماية من المجتمع الذي امتلىء شراً بوجوده , أي أن الدائرة تدور بنفس تلك الدوامة , الرجل يحمي المرأة من الرجل نفسه الذي فرض عليها القيود , فبدلا من التفكير بالقضاء على هذا الشر الذي صار يتناسل كل يوم ويعظم , يزيدوا المرأة قمعا أضافيا بحجبها بالقيود التي أرادوها لها بحجة حمايتها وتجنيبها للشر الكامن في عيون الرجال دون أن يفكروا بالسبب الذي جعل من تلك العيون وقحة , فاشتدت ظاهرة قمع النساء وتخويفهنّ من عذاب الآخرة ومن ثم حرقهنّ بالنار التي هي مليئة بهم وتتربص لهنّ فيما لو كانت غير مطيعة لزوجها ويكون هو غير راضٍ عنها , يكررون جملة ( طاعة الزوج من طاعة الله ) مهما كان تفكيره ودرجة تخلفه , ومهما كان وعيها ودرجة تفكيرها , فالتفكير لديهم والوعي وما يتصف به الإنسان لا يهم أمام فارق الجنس , فتتعالي أصواتهم بترديد آيات القرآن كل يوم لساعات طوال, وأحاديث الرسول التي يتشدقون بها, جاعلين منها حجةً لهم في أنها أنصفت المرأة ووهبتها الحياة , متشبثين بقصة وأد البنات ما قبل الإسلام وكأن الإسلام تفضّل عليها بحياتها ,فصارت المرأة تابعة لما بعد وأد البنات بزمن قصير , غير مبالين لفارق الزمن وتطوره والذي جعل من تلك الآيات والأحاديث لا تناسب التغييرات التي حصلت اليوم ولا زالت مستمرة .
لا زالت القوانين إلى حد يومنا هذا تسير على ثوابت غير قابلة للطعن ولا حتى محاولة التغيير رغم خروج المرأة للعمل واعتماد البعض منهنّ على أنفسهنً تماماً وتحمل البعض منهنّ واجب الأنفاق على بيتها , رغم هذا نجد بأن تبعيتها لا زلت قائمة رغم عدم ملائمة ذلك الزمان وظرفه بهذا الزمان وظرفه وما ترتب عليه من تغييرات جمة , هذه القوانين صارت ثابتة رغم مرور القرون عليها ورغم تطور المجتمعات لكنها لا سكنت على القديم وصارت تُشكل خطرا جسيماً على اوضاع مجتمعاتنا .
لا يعني بأن الغالبية هي صحيحة بفكرها دوماً , ولا يعني بأن السائد من القيم هي الحقيقة المطلقة , ولكنها تعني أنها سادت لهذه القرون كونها غير عادلة , واستمراها كان على أساس قانون سيطرة فئة على فئة أخرى باستخدامها للأساليب الملتوية التي تحقق لهم أهدافهم فقط .
فهل نتأمل خيرا ونرجوه بعد أن حصرنا نصف المجتمع بدائرة مفاهيمنا القديمة التي اعتمدت على عقد الرجال الفحول ومن خلال تخويف النساء بالعقاب وتحريم الحياة عليهنّ ؟
إبداعنا بوعينا , وقوتنا بأملنا … بهم نهزم التخلف وننصر الإنسانية