عقوبات إيران والتوازنات الدولية

دنيس روس

أعادت إدارة ترمب الآن أول مجموعة من العقوبات على إيران. وبدأت السيارات والطائرات والمعادن الثمينة والعملة في التأثر. ولن تتم إعادة فرض العقوبات الأشد المخصصة لمنع شراء النفط الإيراني قبل الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني). وسوف يعتمد تأثير كل من المجموعة الأولى والثانية من العقوبات المعاد فرضها على التطبيق الدولي الواسع للعقوبات. وهذه ليست فرضية مُسلّماً بها. ففي الواقع، في ظل تصميم الأوروبيين والصينيين والروس على الإبقاء على خطة العمل الشاملة المشتركة والتزام إيران بها، من المرجح أن تجد إدارة ترمب عدداً قليلاً من الدول التي تقيم علاقات تجارية مع إيران في الوقت الحالي على استعداد لدعم نهجها.
ومع ذلك، فمن المرجح أن يشعر الإيرانيون بالصعوبة الاقتصادية الناجمة عن عودة العقوبات. فالبنوك والمؤسسات الكبرى المتعددة الجنسيات أو حتى التي تتخذ مقراً لها في أوروبا سوف تطبق ما يمليه عليها واقعها الاقتصادي وليس الحكومات. وبعد أن أشارت شركات وبنوك مثل توتال وبيجو وميرسك والبنك الاتحادي الألماني وغيرها إلى أنها سوف تتوقف عن إقامة علاقات تجارية مع إيران، من الواضح أن الاستثمارات الأجنبية التي ربما وضعها الإيرانيون في حسبانهم لن تتحقق.
وتكمن المفارقة في أنه حتى قبل إعادة فرض العقوبات، لم يكن الاقتصاد الإيراني في حالة جيدة. ومنذ أبريل (نيسان)، تم تخفيض قيمة الريال الإيراني بنسبة 50 في المائة مما يعني أن الحسابات المصرفية الإيرانية تساوي نصف ما كانت عليه في ذلك الوقت. وقبل ذلك أيضاً، ضرب عجز البنوك والائتمان الاقتصاد الإيراني، وأثار حالة من الإحباط الشعبي المتزايد، لا سيما مع تفشي الفساد وسوء الإدارة.


بدأت المظاهرات والإضرابات في نهاية العام الماضي، قبل انسحاب ترمب من الاتفاق النووي بشهور، واستمرت في زيادة منتظمة حتى الشهر الماضي. ودعا التجار في بازار طهران إلى إيقاف العمل في 25 يونيو (حزيران)؛ بينما نفذ سائقو الشاحنات إضراباً في جميع أنحاء البلاد؛ واستدعى الأمر في الأسبوع الماضي تدخل شرطة مكافحة الشغب حيث انتشرت الإضرابات في مدن مشهد وأصفهان ورشت والأهواز وكرج. وتعد كل هذه المدن، فيما عدا الأهواز، مناطق محافظة عادة ما تؤيد النظام. ولكن من الواضح أن المتظاهرين غاضبون ويحملون لافتات مكتوباً عليها «لا لسوريا، لا للبنان، لا لفلسطين» وليس فقط «الموت للأسعار»، ولكن «الموت للديكتاتور».
كل ذلك قبل أن يتم تطبيق العقوبات. فهل يعني هذا أن سياسة إدارة ترمب بممارسة «أقصى ضغط» يمكن أن تنجح وتعيد الإيرانيين إلى طاولة الحوار وتجعلهم مستعدين للتفاوض من أجل اتفاق أفضل من خطة العمل الشاملة المشتركة؟ يقول مؤيدو البرنامج النووي الإيراني على مستوى دولي إنه لن يحدث. فلن يذعن الإيرانيون.
وأعتقد أنا أيضاً أن النظام الإيراني سوف يذهب إلى مدى بعيد ليُظهر أنه لن يستسلم للولايات المتحدة في أي مرحلة قريبة. كما يهاجم المرشد الأعلى علي خامنئي باستمرار الولايات المتحدة، قائلاً إنها لا تسعى إلى تنازلات ولكن إلى هلاك الجمهورية الإسلامية. كما يدعو خامنئي إيران باستمرار إلى الحد من اعتمادها على العالم الخارجي وتحقيق الاكتفاء الذاتي لاقتصادها. ولكن مع كل هذه الأفكار التي كانت دعوته الأساسية منذ التسعينات، فهي لم تمنعه من التفويض بإبرام الاتفاق النووي. كذلك في الفترة الأولى من عهد أوباما، كانت القيادة الإيرانية تصر على أنها لن تتفاوض مطلقاً على برنامجها النووي وهي تحت العقوبات. ولكنها تفاوضت بعد أن زاد أوباما والكونغرس العقوبات إلى ثلاثة أضعاف.
بالطبع نتحدث الآن عن انسحاب أميركا من اتفاق تم التفاوض عليه، في حين يرغب الأوروبيون في بقاء الإيرانيين في الاتفاق. علاوة على ذلك، فإن الجمهورية الإسلامية ليست منعزلة. حتى وإن كانت الشركات والبنوك الكبرى مترددة في إقامة علاقات مع إيران، فمن المرجح أن يؤدي انتشار الخلاف الدولي مع سياسة ترمب إلى التراخي في تطبيق العقوبات ووجود مساحة كافية أمام الإيرانيين للتهرب منها.
من المرجح على الأقل أن ينتظر الإيرانيون لرؤية ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتمكن من النجاح في الضغط عليهم على نحو أكبر مما هم فيه في الوقت الراهن. وكما صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني، تدخلت الصين عندما انسحبت شركة توتال الفرنسية من تطوير مشروع الغاز. وأشارت الصين أيضاً إلى أنها سوف تستمر في شراء النفط الإيراني. وفي ظل ارتفاع أسعار النفط إلى ما يزيد على 70 دولاراً للبرميل، تستطيع إيران أن تخسر بعضاً من سوقها، خاصة أن ميزانيتها وضعت بناء على سعر نحو 50 دولاراً للبرميل.
ولكن يعلم النظام أن لديه مشكلة مع الشعب الإيراني. وأي نظام يعتمد على الخوف يصبح معرضاً للخطر عندما يبدي الشعب إشارات تدل على تخليه عن خوفه، أو عندما يفقد النظام أعصابه في مواجهة من يتحدونه. وفي المرحلة الحالية، لم يفقد النظام استعداده لشن حملة قمعية، ولكنه حريص على كيفية تعامله مع المظاهرات. سمح خامنئي لروحاني بالفوز في عام 2013 عندما بدا أنه يعتقد أن مستوى النفور الشعبي يمثل تهديداً محتملاً وأراد أن يستعيد مظهراً لشرعية النظام.
ووفقاً لنمط الجمهورية الإسلامية من الناحية التاريخية، عندما تتعرض لضغوط حقيقية تبحث عن حل لتخفيف الضغط. وعند هذه المرحلة، أتوقع أن تسعى إيران إلى إظهار قدرتها على رفع التكلفة التي نسددها قبل أن تظهر عليها بوادر التصدع. إحدى الطرق التي يمكنها من خلالها فعل ذلك أن تقدم مزيداً من الصواريخ المضادة للسفن إلى الحوثيين والضغط عليهم للاستمرار في إطلاق النيران صوب حاملات النفط السعودية في مضيق باب المندب، وهي طريقة منخفضة التكلفة بالنسبة للإيرانيين للإضرار بالسعوديين وربما لرفع أسعار النفط.
وإذا كان الإيرانيون سيبحثون عن حل، حسب ما أتوقع منهم في مطلع العام المقبل، فعلى الأرجح أنهم لن يقوموا به بطريق مباشر، بل عبر الروس. فهم يرون كيف يتعامل الرئيس ترمب مع بوتين، وفي ظل اهتمام بوتين بإظهار النفوذ الروسي على الساحة العالمية، سوف يسعد بأن يكون حَكماً بيننا وبين الإيرانيين. بيد أن بوتين لا يفعل شيئا بلا مقابل، وبالتالي سوف يطالب بتنازلات من الولايات المتحدة. هل ستتعلق بسوريا وجعل إدارة ترمب تسحب قواتها القليلة من شمال شرقي البلاد؟ أم بأوكرانيا؟ أم برفع العقوبات؟ سنعرف مع الوقت، ولكن في مرحلة ما من العام المقبل، قد تسعى إيران إلى وسيلة لتقليل الضغوط وسوف تحاول الاستعانة بالروس للتوسط لدى إدارة ترمب من أجل بعض التغييرات المحدودة في خطة العمل الشاملة المشتركة. أتوقع أن يستجيب بوتين، وأن يجيب الرئيس ترمب – الذي يرى نفسه صانعاً للصفقات – على طلب بوتين اللاحق.

الشرق الأوسط

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.