راجح الخوري
يحرص جون كيري منذ تسلمه وزارة الخارجية الاميركية على تكرار القول انه يبحث عن الوسائل المختلفة التي يمكن ان تؤدي الى “التأثير على حسابات بشار الاسد” رغم انه من الواضح بعد عامين ونيف من الازمة ان الحساب الوحيد الذي يجيده الاسد هو المضي في تلك المأساة التي تدمّر سوريا وتجعل منها مقبرة اسطورية لأهلها .
واضح ان كيري يواصل الرهان على انه يمكن ان يقنع الاسد بقبول عملية “الانتقال السياسي” التي رفضها منذ البداية، والتي استهلكت حتى الآن مبادرتين من الجامعة العربية وفريقين من المراقبين عرباً ودوليين، اضافة طبعاً الى المبعوثين كوفي انان والاخضر الابرهيمي، ولكن ليس واضحاً على الاطلاق كيف يستطيع كيري ان يمضي في “تجريب المجرب”، لمعالجة مأساة يقول نظيره وليم هيغ انها “اضخم كارثة انسانية في القرن الحادي والعشرين”!
وواضح ايضاً ان رهان كيري على امكان تغيير حسابات الاسد لا علاقة له لا بآينشتاين ولا بمترنيخ ولا حتى بهيلاري كلينتون، التي سبق لها ان اشتبكت مع سيرغي لافروف حول تفسير”اعلان جنيف” وموعد رحيل الاسد، فهل هو رهان يقوم على “ديبلوماسية العلاقات العائلية” كما يرى البعض في واشنطن؟ ذلك ان كيري كعضو في مجلس الشيوخ سبق له ان زار دمشق اكثر من مرة واجتمع مع الاسد، بينما تمكنت زوجته ماريا تيريزا ثيرستين بمرور السنوات ان تقيم علاقات وطيدة بين الاسرتين من خلال صداقتها مع اسماء الاخرس زوجة الاسد، ثم ان ابنة كيري فانيسا متزوجة من طبيب ايراني، وهو ربما ما يعزز اوهام وزير الخارجية الاميركي بأنه قد يتمكن من تغيير حسابات الاسد!
لست ادري كيف يستطيع كيري ان يمضي في “مبارزته الحسابية المضحكة” مع الروس والايرانيين، الذين علّموا الاسد ويعلّمونه قواعد حسابية مختلفة، خلاصتها المضي في الحل العسكري حتى النهاية، وليس من الواضح كيف يظن ان في وسعه ان يزرع في رأس الاسد عقلاً جديداً يقنعه بقبول عملية الانتقال السياسي، في حين يرى رئيس هيئة الاركان الاميركي مارتن ديمبسي ان سوريا يمكن ان تغرق في نزاع يستمر عقوداً وان الوضع كارثي التعقيد الى درجة غير مسبوقة وان اميركا لا تزال تفضل الحل السلمي الذي بات مستحيلاً ما لم يقتنع الاسد بالتنحي لتقوم حكومة انتقالية بترتيب خروج البلاد من اتون الدم والدمار!
لم يعد خافياً على احد ان اميركا تعمّدت منذ البداية ادارة الازمة على قاعدة الدفع لجعل سوريا المدمرة والمتهالكة مكسراً للمصالح الروسية والايرانية في الاقليم ومصيدة لقتل المزيد من عناصر التطرف، ولكن عندما تتمسك بمنع تسليح المعارضة وتصر على الحل السياسي الذي يرفضه الاسد، يكون من الفظاظة ان يصرّ كيري على تغيير حسابات الاسد في حين ان المطلوب هو تغيير حسابات واشنطن!
*نقلاً عن “النهار” اللبنانية