في أغسطس 1986 (وتحديدا في معهد اللغة في جامعة هاملن بولاية منسوتا) طلبت مني المعلمة الانجليزية التحدث عن بلدي أمام حشد من طلاب الدول الأخرى ؛ فقمت بالفعل وتحدثت جهدي حتى إذا وصلت الى مكة قلت بثقة المراهقين:
«… وقد لايعلم غير المسلمين في هذا الفصل أن علماء الجيولوجيا اكتشفوا أن مكة تقع في وسط الأرض وأنها تشكل مركز اليابسة بالنسبة لقارات العالم السبع» … !!!
ثم صمت قليلا على أمل أن يهلل أحد أو يكبر أحد – أو يدخل الطلاب في دين الله أفواجاً – ولكن ما حدث أن طالبا وقحا من فنزويلا يدعى كارلوس قاطعني قائلا « أووووه ، مهلا مهلا ياصديقي من قال إن مكة هي مركز الأرض» قلت «العلماء» قال «أي علماء؟» قلت «علماء الجيولوجيا» قال «أقصد من أي بلد ، من أي جامعة ، أين نشر هذا الاكتشاف؟» وحين حاولت التهرب من الإجابة أخذ مسطرة المعلمة الطويلة وذهب إلى خريطة للعالم (معلقة على جدار الفصل) وقاس أقطار اليابسة حول مكة من كل جهة ثم قال أمام الجميع «هل رأيت بعينك ؛ مكة ليست مركز الأرض» .. حينها أصبت بحرج شديد لدرجة عدم النطق نهائيا – في حين حاولت المعلمة إنقاذ الموقف بقولها : «عزيزي كارلوس ؛ لعل فهد يقصد أن مكة هي المركز الروحي للمسلمين على كوكب الأرض» !!
بعد هذه التجربة تعلمت ضرورة توفر أربعة أسس (على الأقل) لتبني أي ادعاء معجزفي القرآن والسنة:
1) الأساس الأول : توفر مصدر واضح وموثوق لأي ادعاء من هذا النوع (حيث لايكفي القول «أثبت العلماء» أو «ذكرت المصادر العلمية» أو «تناقلت وسائل الإعلام») !
2) الثاني : عدم تقبل الأمر على (أساس عاطفي) وضرورة التحقق منه شخصيا قدر الإمكان (فعاطفتي الشخصية مثلا جعلتني ميالا للادعاء السابق ؛ في حين كان يكفي النظر لخريطة العالم لإثبات زيفه) !
3) الثالث : «عدم تقديم العربة على الحصان» .. بمعنى عدم فبركة الادعاء (ثم) البحث في النصوص الشرعية عما يؤيده ؛ فمن ادعى مثلا أن مكة مركز الأرض استشهد بقوله تعالى {لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} وهذا بعيد عن مقصد الآية وما جاء في كتب التفسير !
4) الرابع : حتى بعد توفر العناصر الثلاثة السابقة يجب أن نسأل أنفسنا : هل يوجد فيما اكتشفناه عنصر تفرد (أو تميز) يستحق إطلاق صفة الإعجاز عليه !؟ .. فعلى سبيل المثال هناك من احتج بأن مكة تقع على خط طول نموذجي (من حيث الانقلاب الفصلي) وبالتالي يجب اعتماد هذا الخط كتوقيت عالمي بدل خط غرينتش الحالي . ولكن حتى إن ثبت صحة هذا الأمر كيف نتجاهل وجود مدن عالمية كثيرة على نفس الخط مثل مومباسا في كينيا وروستوف في روسيا – بل وحتى مدن أمريكية كثيرة تقابل مكة المكرمة من الجهة الأخرى للأرض !!!
.. الأدهى من هذا كله أن البعض زايد على الادعاء السابق وحول مكة من (مركز الأرض) الى (مركز الكون) ؛ وهذه ليست فقط مغالطة فلكية بل وانتكاسة فكرية تعود بنا لعصور ما قبل التاريخ حين اعتقد البشر بأن الأرض تشكل مركز الكون وأن الشمس والنجوم تدور حولها … !!!
•أيها الأعزاء :
أعرف أن هناك من يتناقل فرضيات الإعجاز بحسن نية وصدق معتقد ؛ ولكن تقديم الدين بهذه الطريقة الاحتكارية يسيء إليه ، ويشوه حقيقته ، ويعود إلينا بالنقد والتجريح .. و«كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما يسمع»..
بالفيديو… غوغل إيرث يحسم جدل النسبة الذهبية وموقع الكعبة