عزيز الحاج , بين حنّا بطاطو والمراجعات !
رعد الحافظ
raad57dawood12@yahoo.com
عزيز الحاج , شخصيّة عراقيّة معروفة على نطاقٍ واسع .
بسماع إسمه يخطر ببالي الحزب الشيوعي العراقي والتقلبّات التي طالتْ ذلك الحزب العريق , بفعل الديكتاتورية وخصوصاً البعثيّة الصدّاميّة .
في شبابي كنتُ أسمع إسمهُ مقترناً بمنظمة اليونسكو . وكان حديث أحد معارفي لايخلو من إسم عزيز الحاج .
في العقد الأخير كنتُ أطلع أحياناً على ( بعض ) مقالاتهِ في صحيفة إيلاف الإلكترونيّة , قبل أن أهجرها تقريباً ( ومثلي فعل الكثير ) بسبب حذف الرقيب لجزء من تعليقاتي , وحتى بعض المقالات ( وهي محدودة العدد ) التي نشرتها هناك .. ما علينا .
أشدّ ما جذبني في كتابات عزيز الحاج { وشبيهُ الشيء منجذبٌ إليه } هي الحُريّة الفكرية ( وهي أهمّ أنواع الحُريّات ) , في مواقفهِ الإنسانيّة الصارخة ضدّ الظلم والطغيان والديكتاتورية في كلّ مكان , من دارفور الى العراق , وما بينهما .
وربّما هذا نفس السبب ( الإنساني ) الذي دفعَ كثيرين غيري لقراءة كتاباتهِ ومنهم الأخت العزيزة الكاتبة السوريّة ليندا كبرييل التي ردّدت أكثر من مرّة , أنّها تفضّل من بين الكتاب العراقيين إثنان / عزيز الحاج ود. عبد الخالق حسين .
******
عقلانيّة أم إنتهازيّة ؟
كلمات ومصطلحات عديدة تتداخل في حياتنا وواقعنا اليوم خصوصاً مع هذا الربيع العربي الثوري .
منها البرغماتيّة والإنتهازيّة والميكافيليّة وباقي المرادفات , لكنّها عندي تنطبق جميعاً على الإسلاميين الذين ركبوا ثورات الشعوب وإستنسروا عليها بواسطة ( مقبولة عالمياً ) هي الديمقراطيّة وصناديق الإنتخاب . لكنّهم قلباً وقالباً ينكرونها أشدّ الإنكار , بل يعتبرون الديمقراطيّة ديناً جديداً يُخالف ويُعاكس ويناقض الدين الإسلامي الحنيف !
لذلك أنا اُخاطب الإسلاميين ببعض الصيغ السابقة بمعنى النفاق عموماً .
وأردّد مقولة الأخ سركون البابلي / مطلوب فياغرا للعقل العربي والمسلم
وأردّد كذلك قول يعقوب إبراهامي / الكلمات مهما كانت رقيقة أو خادعة ,فإنّها لاتصنع حقائق على الأرض . الواقع هو مانراه ونعيشهُ فعلاً .
لكن بالمبالغة المعروفة عند العرب , يبرز السؤال التالي :
وماذا عن الشيوعيين الذين ركبوا القطار الأمريكي ووافقوا على إحتلال العراق ( أنا ما زلتُ اُسميهِ تحرير العراق من صدّام ) .
لماذا لاتصفهم كما تصف الإسلاميين ؟ أين ليبراليتكَ وحريتكَ الفكرية ؟
وجوابي صريح ومختصر كالعادة , هذهِ هي العقلانيّة التي أنادي بها !
لذلك أنا أقول دوماً العقلانيّة لا تعني الإنتهازيّة , وهذا ليس تلاعب منّي بالكلمات معروف عن العرب عموماً .
وهو ليس طبعاً , تبرئة لكل أدعياء الشيوعيّة , الذين يمارسون طريقة المنشار / صاعد واكل من ماعون الغرب ومعوناتهِ , نازل يتغوّط في نفس الماعون .
لكن الواقع فرض على الحزب الشيوعي العراقي قبول التعاون مع أمريكا لغرض إزاحة صدام الجاثم على العراق لأربعة عقود .
وليس سوى أمريكا , كان ليفعل ذلك !
حتى ( الله ) نفسهُ , الذي ما فتأ السوريون يناجونهُ ويدعونهُ ليل نهار لينصرهم على الشبل بشّار .. ولا مِنْ مُجيب !
فلا يجرمنّكم ( يُجبركم ) شنآنُ قومٍ على أنْ لا تعدلوا . إعترفوا بالواقع هو أقرب للتقوى والمنطق والعقل السليم !
*************
وعودة للحديث عن الأستاذ عزيز الحاج ومقالاتهِ الثلاث الأخيرة عن حنّا بطاطو والحركة الشيوعيّة العراقيّة .
التي أراد بها تصحيح بعض المعلومات أو الهفوات في الترجمة حيث إبتدأ بالقول التالي /
{ إنّ كتاب الباحث الكبير الراحل حنا بطاطو عن العراق يحتل- عن جدارة- مركزاً خاصاً في سلسلةِ الأبحاث الأكاديمية والتأريخية عن العراق, مجتمعاً وسياسة.
إنّهُ في مقدمة الكتب التحليلية والموثقة والمتميزة عن الأحوال السياسية والاجتماعية في العراق الحديث , وإلى بداية السبعينات .
وهنا أنصح بمراجعة النص الإنجليزي لأن في الترجمة العربية ثغرات قد أمر عليها لاحقا , رغم الجهد الكبير للمترجم ,الذي أحسن إختيار الكتاب للترجمة.
وربما كان الأفضل لو قام بالمهمة أكثر من مترجم لضخامة الكتاب, ولدقة الموضوع , وكثرة المصادر } إنتهى
النقطة المهمة التي تُثير فضولي في مثل هذهِ المقالات هو موضوع العقلانيّة وتغيير المواقف والتمييز في ذلكَ بين الغثِ والثمين .
الإسلاميّون يسموها مراجعات أو مكاشفات , أو ربّما مقابسات ( هناك برنامج بائس بهذا العنوان الاخير في قناة الحوار )
ويا ليتهم صدقوا مع أنفسهم والناس . لكُنّا أوّل المهنئين لهم ولأنفسنا , فحتماً فيها الخير للجميع .
لكنّهم لايفعلون سوى التلاعب بالكلمات والرقص على حبالها , فيملؤوا ( بالديمقراطيّة ) مقاعد البرلمان المصري , ويحولوه الى ملطم بكائي سلفي ثم يلعنون سنسفيل الديمقراطيّة والليبرالية والعلمانيّة التي أوصلتهم .
يعني كما يقول عادل إمام / أنا أطالب بحقوق المرأة , ثمّ القضاء على المرأة .
هذا بالضبط مايفعلهُ الإسلاميّون مع الديمقراطيّة .يصلون الى الحُكم بواسطة الديمقراطيّة الغربية ( صناديق الإقتراع ) , ثمّ يعملون للقضاء عليها سريعاً وليس تدريجياً كما كنّا نُحسن الظنّ بهم !
************
حوار مع صديق
سألتُ صديقي الشيوعي / آيار العراقي
ماتفسيركَ لموقف الحزب الشيوعي العراقي بعد عام 2003 ؟
هل هو موقف إنتهازي برغماتي نفاقي ؟
أجابني : بل واقعي حسبَ تعريفكَ للواقعيّة .
فعدتُ وسألتهُ : لماذا إذن لاترضى عن الأستاذ عزيز الحاج ومقالاتهِ الأخيرة ؟
أجابني / هذا موضوع آخر , أستطيع أن أشرحهُ لاحقاً , لكنّي لا ألغي تأريخ ونضال الرجل , فهذا ليس من الإنصاف في شيء .
***********
الخلاصة
تغيير وتطوير الأفكار فيه كباقي الاشياء في هذهِ الحياة , أوجه عديدة منها الخير والمفيد , ومنها الشرّ والنفاق .
( لماذا أتذكر الأخ جهاد علاونة وما حصل معهُ مؤخراً ؟ )
تأملوا معي المقولات الرائعة التي سأنسخها لكم , بشأن (( مراجعة النفس وأفكارها )) وهذا هو بيت القصيد في مقالي اليوم .
أوردها الأستاذ عزيز الحاج في الجزء الثالث / القسم الأوّل (إستدراكات) , وهذا رابطها
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=295986
كنتُ ذكرتُ في تعليق سابق الأسماء التالية من الشيوعيين الذين تحولوا الى الفكر الليبرالي الحُرّ
العفيف الأخضر , جورج طرابيشي ,عزيز الحاج , يعقوب إبراهامي , إبراهيم أحمد , د.فالح عبدالجبار , د. عبد الخالق حسين , الاقتصادي عصام الخفاجي ,الفنان التشكيلي منير العبيدي , د. محمد خلف , والكاتب عبد المنعم الاعسم , والكاتب عدنان حسين , د. إسماعيل الجبوري وجاسم الزيرجاوي . فأضاف إليهم إسم الأستاذ كريم مروة .
وكنتُ نسختُ في نفس التعليق , قول الفيلسوف والمسرحي الإيرلندي الساخر / برنارد شو , حول الشيوعيّة :
{ مَنْ لم يكن شيوعياً قبلَ الأربعين فلا قلبَ لهُ , ومَنْ ظلّ شيوعياً بعد الأربعين , فلا عقلَ لهُ }
فأضاف الأستاذ الحاج الدُرر الرائعة التالية :
برتراند رسل قال :
{ لستُ مستعداً للموت في سبيل أفكاري ,لأنّها قد تتغير }
فيكتور هيجو قال :
{ إنّهُ لثناء باطل ,أنْ يُقال عن رجل بأنّ إعتقاده السياسي لم يتغيرمنذُ أربعينَ سنة .هذا يعني أن حياتهِ كانت خالية من التجارب اليومية والتفكير العميق إنّهُ كمثلِ الثناء على الماء لركوده وعلى الشجرة لموتها }
ومكسيم رودنسون : الذي كان شيوعياً مُنظّماً في الأربعينات، وفُصِلَ من الحزب في الخمسينات، وإتخذَ موقفاً ماركسياً مستقلاً في السبعينات، ثم خرج على الماركسية فيما بعد.
وقد قال عنه أحد النقاد :
{ إن تلك النقلات لم تكن إنتهازية وإنّما عبارة عن تطور طبيعي لمُفكر يُعمّق أسئلته و أجوبته أكثر فأكثر, كلما نضج حياتيا وتقدم في العلم والمعرفة والعمر } .
والعلاّمة علي الوردي قال:
الأفكار كالأسلحة تتبدّل بتبدّل الأيام . والذي يُريد أن يبقى على آرائه العتيقة , هو كمن يُريد أن يُحارب الرشاش بسلاح عنترة العبسي } .
ثم أضاف الأستاذ عزيز الحاج ما يلي :
{ هذا في رأيي موقف من يريدون مُحاربة العولمة , ومن لا يزالون يحلمونَ بزوال الطبقات وحلول الشيوعيّة .
ومع كل احترامي لهم , هنا تأتي أهمية النقاش والحوار المتحضّر والهادئ لأن الحقائق نسبية على أية حال .
ولرفع الالتباس, فإن مثل تحولات من مرّ ذكرهم وغيرهم لا تجب مقارنتها بالتقلبّات المصلحية السريعة .
سواء بين بعض النخب أو بين شرائح من الناس العاديين .
فهل ننسى مثلا أن فريقاً من سكان مدينة الثورة والنجف والجنوب كانوا متماهين تماما مع الزعيم عبد الكريم قاسم , ثمّ إنقلبوا مع الحرس القومي ثم صاروا في فدائيي صدام, وأخيرا إنضموا لجيش المهدي وكتائب أهل الحق وكتائب اليوم الموعود ؟ } إنتهى
بالمناسبة أنا أعرف أحد قيادي جيش المهدي ينطبق عليه الوصف السابق تماماً !
تحياتي لكم
رعد الحافظ
20 فبراير 2012
الكاتب الصديق رعد الحافظ
لقد استمتعت بقراءة مقالك هذا
نعم يا سيدي التغيير هي سنة الحياة والذي لا يتغيير يكون مثل المياه الراكدة التي تأسن وتفوح رائحتها
نعم هناك خط رفيع بين العقلانية والانتهازية
عادل امام والاسلاميون الذين يطالبون بالديمقراطية ثم يدفنوها بأيديهم هو مثل موفق
شكرا لك عزيزي
الشُكر لكَ موصول عزيزي الرائع د. طلال الخوري ولأفضالك علينا في مزيد من جهودك التنويرية
رعد الحافظ