أين أخطأ رجب إردوغان، في إظهار كرامة تركيا بإسقاط الطائرة الروسية المخترقة أجواء بلاده، أم عندما حمل اعتذاره على كتفيه وطار إلى روسيا؟ يطرح هذا السؤال الآن في ذكرى احتلال الكويت: هل أنقذ صدام حسين كرامة العراق عندما رأى جيوش 33 دولة، بينها أميركا، تحتشد لتحرير الكويت، ومع ذلك أصر على الحرب؟
وهل كان يؤكد كرامة العراق وهو يرى الأطفال يموتون بالآلاف في الحصار؟ وهل كان ملك ملوك أفريقيا يحفظ كرامة ليبيا وهو يعّرض شعبها لحصار مذل طوال 15 عاًما، بسبب هواية إسقاط الطائرات المدنية؟ أول شروط الكرامة ألا تعّرضها للامتحانات الخاسرة. كل شيء آخر كلام أجوف. سقط خلف صدام حسين نحو مليون قتيل وهو يبحث عن كرامة العراق وعزه، مع أن عنوان كرامة العراق كان مكتوًبا بأحرف عريضة: استقرار العراق، ومحاربة الفقر، وجعل مستوى المعيشة في مستوى الثروات الطبيعية، وإقامة علاقات التعاون والتبادل الممتازة مع دول الجوار، بدءا بالكويت وسوريا والسعودية والأردن.
لكن ما من زعيم عربي من زعماء المرحلة السقيمة الماضية إلا وأراد أن يكون زعيًما على الجوار قبل أن يؤمن الحياة الكريمة لشعبه وجيشه. وما من أحد منهم إلا واعتبر أن الانتصار في سحق جاره لا في رفع بلاده. وما من أحد إلا واعتبر أن الخلاصفي الحروب لا في البناء.
هُدرت الأموال والموازنات من دون حساب لشيء أو لأحد، وقتلت الناس، وأفقرت المجتمعات، وعّطلت المصانع، وخّربت المدارس، ولم يبق مرفوًعا سوى الشعار. ورؤوس النشامى. لأول مرة مارس إردوغان الدبلوماسية عندما أدرك أن زمن السلاطين وّلى إلى غير عودة. وأوكل دراسة أمر المواجهة مع الروس إلى رئيس وزراء يعرف معطيات الحاضر وأمثولات الماضي.
وكل تلك الأمثولات قائمة على قاعدة واحدة وهي أن ستة قرون من السلطنة سقطت بداء التلف والغرور والنهم القاتل الذي أودى من قبلها بسائر الإمبراطوريات. تطلع السلطان من حوله فأيقن أن المواجهة مع الروس والأميركيين وألمانيا وأوروبا مرة واحدة، يذكر بالأيام الأخيرة للسلطان عبد الحميد الثاني. نادى على كاتب البرقيات وأملى عليه: عزيزي فلاديمير.