ربما نائب الرئيس العراقي الأسبق، عزت الدوري، هو أكثر الناس حظاً في العالم، فقد أعلن عن قتله مرات عدة في السنوات الاثنتي عشرة الماضية لكنه يعود بصوته مكذباً. مثل الخرافة، آخرها مثل هذه الأيام من العام الماضي، عندما تنافست القيادات العراقية العسكرية والمدنية على إذاعة نبأ مقتله والاحتفال بالمناسبة، وأظهرت صورة رجل ميت فيه من ملامحه، تشبه تماماً شعره الأصهب ولحيته. ولم يصدر نفي إلا أن التوقف المفاجئ عن تكرار إذاعة النبأ الرسمي كان يؤكد أن الرجل الفلاح في المشرحة ليس عزت الدوري.
الدوري صار بعد سقوط صدام أهم مما كان في عهده. إبان جمهورية صدام كان نائب رئيس بلا صلاحيات، وكلف بأدوار شكلية، واشتهر مرة في فترة غزو الكويت في أوائل التسعينات، ثم عاد إلى الصفوف الخلفية. بعد الاحتلال الأميركي تحول الدوري إلى الرمز الوحيد للنظام السابق، لأنه الوحيد الحي طليق السراح، وذلك بعد إيداع الأميركيين كل القيادات الأخرى في السجن، وإعدام بعضهم، ووفاة طارق عزيز متأثراً بمرضه في الحبس. والكثير كتب عن قيادة الدوري لجيوب المقاومة العراقية، بقايا منظومة حزب البعث السابق، وقيل إن للدوري نفوذاً كبيراً حتى عند الجماعات المقاتلة الأخرى، ولم نرَ شيئاً من ذلك. فقد توسط الدوري لدى تنظيم «داعش» لإطلاق سراح الطيار الأردني إلا أن الجماعة الإرهابية قامت بإحراق الأسير الكساسبة في واحدة من أبشع الجرائم في التاريخ. ثم أشيع أنه من قاد، عن بعد، عملية هجوم المقاومة العراقية المباغت على مدينة الموصل، تلك العملية الضخمة التي فاجأت العالم وغيرت سياسات الدول الكبرى وأعادت الجيوش الغربية للعراق وسوريا. اتضح لاحقاً أنها غزوة من غزوات «داعش» ولا علاقة لرفاقه البعثيين بها، ولا مسلحي جماعته «النقشبندية» التي تكفره «داعش».
ثم تعقد الوضع عندما قام «داعش» بأسر اثني عشر قيادياً من تنظيم البعث خلال أحداث الموصل، وقد اضطر الدوري إلى إصدار بيان يثني فيه على تنظيم «داعش» في محاولة يائسة لإنقاذ رفاقه، والذي اشترط عليه إصدار البيان لقاء إطلاقهم إنما غدر «داعش» به وقتلهم، وبرر التنظيم الإرهابي فعلته بأن بيان الدوري لم يتضمن الإعلان عن مبايعة «داعش». وبعدها توقفت الأخبار المزورة، التي كانت منتشرة في تلك الفترة، تخلط بين «داعش» والمقاومة العراقية، المشكلة من قيادات عسكرية بعثية وعشائرية. وهو تكرار لما حدث في سوريا، حيث لبس التنظيم الإرهابي في فترة مبكرة ثوب «الجيش الحر» طلباً للدعم والمساندة، لكن ما لبث أن نشبت معارك كبيرة بين الجانبين، وأصدر «الجيش الحر» عدة بيانات يحذر فيها من أن الدواعش يعملون في صف النظام السوري، وقد استولوا على بعض أراضيه التي حررها من النظام، وقتلوا أعداداً كبيرة من منسوبيه ومن المدنيين العزل.
في العراق، كما في سوريا، رايات مختلفة مرفوعة، بينها راية «داعش» السوداء التي عاشت عامين، كفترة ذهبية مستفيدة من الممارسات الطائفية لحكومة نوري المالكي السابقة، أفادت التنظيم عندما ضيقت على أهالي الأنبار، واعتقلت وجهاءهم، وأرسلت قواتها لتدمير مناطقهم. الدواعش وجدوا في المحافظة الكبيرة أرضاً وضيافة، لكنهم ما لبثوا أن تقاتلوا مع الأهالي نتيجة رغبة «داعش» في الهيمنة وتهميش القيادات المحلية وتجنيد أبنائها.
لم يكن للدوري دور كبير في كل تلك الأحداث، لكنه بقي رمزاً تستخدمه المعارضة العراقية لإغاظة النظام، ولا يزال الأمر كذلك.
* نقلا عن “الشرق الأوسط”