عرباين ومطايا ومسوؤلين في النجف

iranchildboxفي يوم ما حط بي الرحال في قرية مصرية قريبة من الحدود الليبية،امضيت فيها ساعتين وغادرتها بسرعة بعد ان وجدت ان التاكسي هناك عبارة عن” مطي” يجر عربة خشبية بقيادة مصري لفحته الشمس فزاد سمرة فوق سمرة.
تركتها لأني اقتنعت منذ زمن بعيد بان البلد الذي يستعمل ” المطي” كتاكسي لابد ان نقرأعليه السلام ونحمد الله على مايصفون.
في يوم آخر حطني حسن الطالع في البحرين ووجدت نفس المطي ولكن ليس كتاكسي فهناك البيك آب ذات النفر الواحد تتولى هذه المهمة.
وتأكدت تماما ان” المطي” مكرم القارىء مايزال عنوان التخلف الفقري الذي تريد الحكومات ان تفرضه علينا.
وتكر المسبحة ويحطني القدر في النجف الاشرف،فيها تجولت وانا ادري انها من بين المدن الغنية التي يؤمها اكثر من مليوني مسلم سنويا عدا اطنان الدنانير التي يرميها اولاد الطين من العراقيين،ووجدت التحسينات على قدم ورجل فقد شمٓ-;-ر المسوؤلين هناك عن سواعدهم لينشروا المطايا في حواريها،خصوصا بالمدينة القديمة وبالقرب من مرقد امامنا علي ابن ابي طالب.
استدعوا خبراء التصميم من البلدان المتخصصة ،وليس بينهم زها حديد،لينشأوا كراجات تأوي المطايا والعربات الخشبية. هذه المدينة حملت لقب ” مدينة المليون عربانة” بعد ان شهدت رواجا في نقل الزوار الى المراقد المقدسة.
وحين تسألهم لماذا الحمير بالذات يجيبوك بغطرسة: شكو بيها عيني ،فالزائر الباكستاني او الهندي لايجد فرقا بين التنقل في بلده وهنا،فالحمير واسطته في التنقل ولهذا فهو لايشعر بالغربة وكأنما يتجول في بلده.
قوانين مبيت الحمير والعربات الخشبية صارمة للمحافظة على النمط المعيشي والتراث الابداعي ،فهي مرقمة وتؤجر بالفي دينار يوميا ( لاندري هل البلدية هي التي تجبي هذه الواردات ام الروزخونيه) شرط ان يضع المؤجر هويته الشخصية عند بوابة الكراج اياه كأمانة ( طبعا اخاف يشرد بالحمار).
وحين تسأل عن مبادرات المحافظ في تجديد وسائل النقل وعصرنتها يقال لك:
المحافظ مو بحال هاي الشغلة..شغلته فقط الموﻻ-;-ت والعمارات واﻻ-;-ستثمارات ..هو واعضاء مجلس المحافظه. ولكن نائب المحافظ السابق عبد الحسن عبطان والذي يشغل حاليا وزير الشباب هو من كسر القاعدة واستورد سيارات التكسي وباعداد هائلة،كلها صفراء اللون على الطريقة الامريكية وباعها بعد ذلك باﻻ-;-قساط للسواق العموميين وحمٓ-;-ل كل سياره اكثر من 40 ورقة دوﻻ-;-ر فئة 100 دوﻻ-;-ر شريطة ان تبقى باسم الدولة لحين تسديد اقساطها الشهريه البالغة 400دوﻻ-;-ر..ووضعت عليها علامات مميزه تسمح لهم بالدخول والعمل في المدينه القديمه لنقل الزائرين ، وبعد اكمال بيعها قاموا بمنعها من الدخول الى المدينه القديمة ..( ضربوهم بوري).
ولكن الامر لم يقف عند هذا الحد فقد تم منع سيارات التاكسي من دخول المدينه القديمة حتى يسمحوا للحمير بنقل الركاب والبضائع بحرية تامة وخصوصا الزوار الذين توصلهم الحمير الى اكثر من 200 فندق في المدينة.
احد المشاكسين لمح الى ان مدينة النجف ستحمل لقب مترو النجف الحديث،او شركة النقل الفضائي وربما يتم التصويت على لقب فجر الاسلام ذات المسؤولية المحدودة.
فاصل تحذيري: حاشا لله ان نتعرض الى خزنة المرجعيات وماذا تفعل بها اذ سينبري لنا الكثير من اصحاب العمائم ويقولوا: اسمع ياهذا ان ماتقوله خط احمر ،فنحن بنينا المدارس والمستشفيات ودور الحضانة واولينا رعاية خاصة لليتامى واصحاب الماعون وغيرها الكثير وما الحمير الا وسيلة نقل يرتزق منها فقراء المدينة.
اكرر،اذا كانت الحمير تتجول في المدينة،اية مدينة،فاكتب على ناسها السلام خصوصا اذا كانوا قريبين من مقبرة دار السلام.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, كاريكاتور. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.