محمود الورواري
إن قيادة الرجل الغربي للبشرية أوشكت علي الزوال لا لأن الحضارة الغربية قد أفلست ماديا أو ضعفت من ناحية القوي الاقتصادية والعسكرية ولكن لأن النظام الغربي قد انتهي دوره لأنه لم يعد يملك رصيدا من القيم يسمح له بالقيادة.
هذا ما قاله سيد قطب في مقدمة كتابه الشهير معالم في الطريق الذي اعتبره البعض, وأكده آخرون بأنه الدستور السري للجماعات الاسلامية, هذا الكتاب كتبه ومجموعة من الكتب الاخري مثل المستقبل لهذا الدين, وفي ظلال القرآن في فترة سجنه التي بدأت بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالاسكندرية1954, هذه الفترة التي انتهت بإعدامه فجر الاثنين29 أغسطس.1966 وإذا رؤيته لزوال قيادة الرجل الغربي للبشرية قد مر عليها ما يقرب من نصف قرن.. ورغم ذلك مازال الرجل الغربي يقود البشرية في كل شيء ومازالت منظومة قيمة تسود وإن كانت مرت بمنحنيات صعود وهبوط خصوصا قيمة الحرية كما نعرفها ونسمها هنا أو الديمقراطية كما يطلق عليها الغرب.
في السبعينيات مثلا حين ظهر مصطلح العجز الديمقراطي و كان في بدايته خادعا ومراوغا فهم منه عدم قدرة هذا المجتمع أو الرجل الغربي كما يسميه سيد قطب علي الإلمام بحقيقة الحرية من حيث الممارسة, فاكتشفنا أن المصطلح يعني نواقص الديمقراطية في المؤسسات الدولية الأوروبية مثل السوق الأوروبية المشتركة والأمم المتحدة ولا يعني العجز الكلي للديمقراطية في جميع النواحي. أضف إلي ذلك أن كلام سيد قطب جاء في توقيت ذروة الصراع السياسي والاقتصادي بين الرأسمالية والديمقراطية الليبرالية من جهة, وبين الشيوعية والديمقراطية الاشتراكية من جهة أخري, وحسم ذلك الصراع بانهيار المعسكر الشيوعي ممثلا للاتحاد السوفيتي وانتصار الرأسمالية الغربية ممثلا فيأمريكا..
ولم يفلس الرجل الغربي وظل نظامه باقيا ومتسيدا, ولم تكتف قيادة الرجل الغربي للبشرية برفع راية الانتصار في أرض المعركة بل سعي إلي ترويج ونشر فكره وقيمه تحت مسميات كثيرة مثل دعم عمليات التحول الديمقراطي في مناطق العالم, ووصل ذلك إلي حد التدخل العسكري في دول مثل العراق وأفغانستان, كان هذا في السياسة أم في الاقتصاد وبالتوازي كان هناك الترويج للنموذج الاقتصادي الأمريكي القائم علي مبدأ اقتصاد السوق الحرة وذلك منذ ثمانينيات القرن الماضي أي بعد ما يقارب عشرين عاما من رؤية سيد قطب لزوال قيادة الرجل الغربي. وهكذا في الأزمة الاقتصادية العالمية في2009 وغادر بوش الابن وجاء مكانه أوباما وسمعنا عن إفلاس بنوك, وظهر اتجاه إعادة دور الدولة, وفعلا تدخلت الدولة لإعادة هيكلة وانقاذ صناعة السيارات وتأميم البنوك المتعثرة مثلا.
في هذا الوقت الذي مر فيه الرجل الغربي بهذه الأزمة بدأ الحديث عن تغيير ميزان القوي في النظام العالمي, و في هذا التوقيت وتبعا لرؤية سيد قطب كان يجب أن يخرج النسق القيمي المسلم ليسود وخصوصا أنه أكد بالنص في المقدمة التي أشرت اليها بأن الاسلام وحده يملك تلك القيم وهذا النهج وحسب المفسرين فإن الإشارة هنا للاصل تكون رمزية بمعني الحديث عن الاسلام يكون مقصودا به ومرادا منه الحديث عن المسلمين. ورغم ذلك كان المسلمون دولا ومؤسسات و أفرادا بعيدين. ولما تضاءل وتراجع الدور الامريكي سياسيا واقتصاديا فالتوقع للقوي الصاعدة كان للصين والهند والبرازيل… هذه الدول التي أسست مجموعة بريكس مع جنوب إفريقيا وروسيا في اجتماع لها2010 تحدثت عن ضرورة بناء نظام عالمي جديد تتأصل فيه قيم العدالة والمساواة والديمقراطية. وهنا يتضح أن الذين يطالبون بإرساء المفهوم القيمي في السياسة والاقتصاد كان الرجل الغربي أو الآخر بمعناه العام ولم يكن الرجل المسلم.
قد يقول قائل مادامت عجلات الزمن تدور فرؤية التوقع قائمة, وقد يحدث ما يتوقعه سيد قطب في يوم من الأيام وقد يري آخرون أن ثورات الربيع العربي التي أشعلتها ودفعت ثمنها دما هي الشعوب العربية, وجنت ثمارها حكما وسلطة جماعة الاسلام السياسي, الاخوان في مصر جماعة مرسي وحزب النهضة في تونس جماعة الغنوشي قد يعتبرها البعض بداية لتحقيق رؤية سيد قطب في زوال قيادة الرجل الغربي وظهور قيادة الرجل المسلم. لكن حتي الرجل المسلم حين أصبح قائدا وحاكما وسياسيا لم يحكم بقيمه هو بل حكم بقيم الرجل الغربي, بقيم صامويل هنتنجتون في تعريفه للنظام الديمقراطي حيث يعرفه بأنه ذلك النظام الذي يأتي حاكمه عبر انتخابات حرة دورية يتنافس فيها مرشحون وغيره مفكرون غرب كثيرون رأوا ذلك, وهذا ما نسمعه الآن حين يتحدث أي قيادي من جماعات الاسلام السياسي في مصر منتقدا المعارضة تجده يقول الم يأت البرلمان بصناديق الانتخابات ؟ فلماذا يحل. ألم يأت الرئيس بصناديق الانتخابات ؟ فلماذا تعارضونه وتطالبون باسقاطه ؟ وهكذا في الدستور وجميع القضايا الخلافية. كل شيء عند الحاكم المسلم هو الصناديق حتي لو خلطت جماعة الاسلام السياسي بين البيعة للاسلام والانتخاب أو بين الرئيس والخليفة و بين الشعوب مصدر السلطات ومفهوم الحاكمية أو بين الشعوب في المطلق وبين الرعية المغلوب علي أمرها. وقد يفسر البعض رؤية سيد قطب لزوال قيادة الرجل الغربي, واستبدالها بقيادة وقيم الرجل المسلم, لا تتأتي بحاكم مسلم في بلد مسلم بل بتنظيمات مسلمة تتخطي حدود بلادها الي الدول الغربية, وهنا علينا أن نشير إلي مجموعة من تنظيمات الاسلام السياسي, كالاخوان وغيرها أو تنظيمات الجهاد كالقاعدة, وحتي هذه التنظيمات حين نشرت قيما اساءت عبرها لقيمة وروح وتسامح الاسلام الحقيقي, ويبقي السؤال عن زوال قيم الرجل الغربي في قيادة العالم واستبدالها بقيم الرجل المسلم محل شك وتفسير ؟.
منقول عن جريدة “الأهرام” المصرية